قناة عشتار الفضائية
 

الكاردينال ساندري: الكنيسة تصلّي، والروح يهيّئ فجرًا جديدًا بعد رحيل خليفة بطرس

عشتارتيفي كوم- فاتيكان نيوز/

 

"لنسأل الرب أن يمنحنا نِعمته لكي نحقّق الرؤية التي تركها لنا البابا فرنسيس: كنيسة تعلن سرّ المسيح، المصلوب والقائم من الموت!" هذا ما قاله الكاردينال ليوناردو ساندري في عظته مترئسًا قداس اليوم الخامس من التساعية التي تُقام عن راحة نفس الحبر الأعظم الراحل البابا فرنسيس.

 

في أجواء يغمرها الرجاء والصلاة، شهدت بازيليك القديس بطرس بالفاتيكان عصر الأربعاء قدّاسًا إلهيًّا في إطار التساعية التي تُقام عن راحة نفس الحبر الأعظم الراحل البابا فرنسيس. وقد ترأس الذبيحة الإلهية الكاردينال ليوناردو ساندري، نائب عميد مجمع الكرادلة، بمشاركة لفيف من الكرادلة والأساقفة، إلى جانب مؤمنين من مختلف أنحاء العالم. وفي عظته، توقّف الكاردينال ساندري عند المعنى الفصحي لرحيل البابا فرنسيس، معتبرًا أنّ موت الحبر الأعظم لا يُغلق صفحة، بل يفتحها على رجاءٍ جديد تولّده القيامة.

قال الكاردينال ساندري المسيح قام! بمزيد من التأثّر في احتفال مثل هذه التساعية، نرفع نشيد الهللويا الفصحي، ذاك النشيد الذي صدح به صوت الشمّاس قائلاً: "أبشّركم بفرحٍ عظيم: هو هللويا"، وقد صدح أيضًا في هذه البازيليك، التي زارها قبل لحظاتٍ قليلة من بداية العشية الفصحية البابا فرنسيس. وربما بدون أن يدرك، كان يتهيّأ لعبور "بحر أحمر" آخر، وليلة أخرى تُضحي مباركة بنور قيامة المسيح، تلك الليلة التي قيل عنها: "والليل يُضيء كالنهار".

تابع الكاردينال ساندري يقول بعد أيامٍ قليلة، سيستخدم الكاردينال الشمّاس الأول تعبيرًا مشابهًا، حين سيعلن للكنيسة والعالم الفرح العظيم بانتخاب حبر أعظم جديد. إن سرّ فصح المسيح هو المنبع الذي منه يستمدّ خليفة بطرس خدمته ومعناها، إذ يُدعَى في كلّ زمنٍ ليعيش ما قاله الرب في الإنجيل: "وأَنتَ ثَبِّتْ إِخوانَكَ متى رَجَعْتَ." إنَّ بطرس يثبّت الإخوة في الإيمان بأن المصلوب هو القائم من بين الأموات، الحيّ إلى الأبد. أما هذه التساعية عن راحة نفس الحبر الأعظم الراحل، فهو، من جهاتٍ وانتماءاتٍ مختلفة، ممارسة لطقسٍ مسيحي من الاسترحام، وفي هذا المعنى، يدعونا خليفة بطرس لكي يُثبّتنا، ولكي يجدد فينا الإيمان بقيامة الأجساد، ومغفرة الخطايا، حتى خطايا الذي صار حبرًا أعظم، ويُجدّد وعينا بأن وحدة تاريخ كلِّ إنسان هي في يد الله.

أضاف الكاردينال ساندري يقول واليوم، يُدعى الكرادلة للمشاركة في هذه التساعية، وكأنها محطة محورية في هذه المسيرة الكنسية، فيلتئمون في الصلاة كـمجمع كرادلة، ويوكلون إلى الرب ذاك الذي كانوا أول معاونيه ومستشاريه، أو على الأقلّ سعوا لكي يكونوا كذلك، في الكوريا الرومانية كما في أبرشيات العالم بأسره. ومع ذلك، فإن كل واحدٍ منا، أيها الإخوة الموقرون، يحمل معه الأشخاص الذين دُعِي ليخدم معهم ومن أجلهم: من تونغا وجزر المحيط الهادئ، إلى سهول منغوليا؛ ومن بلاد فارس القديمة ومدينة طهران، إلى أورشليم مهد إعلان الخلاص؛ ومن أماكن كانت يومًا مزدهرة بالإيمان المسيحي وأصبحت اليوم موطنًا لقطيع صغير، وأحيانًا مطبوعًا بختم الشهادة، كما في المغرب والجزائر، نكتفي بهذه الأمثلة من الخريطة التي أحبّ البابا أن يرسمها خلال سنوات حبريته من خلال دعواته المتكرّرة لعقد الكونسيستورات. في هذه الأماكن كلها، كما في دوائر الكوريا الرومانية وأروقة أمانة السر، نحن، كوَرثة للرسل، مدعوّون كل يوم لكي نتذكّر ونعيش بوعيٍ أن السلطة هي في الخدمة، على مثال المعلّم والرب، الذي كان في ما بيننا كالذي يخدم.

تابع الكاردينال ساندري يقول إن أحد الألقاب يعطيها تقليد الكنيسة لأسقف روما، هو لقب: خادم خُدّام الله، وهو اللقب الذي أحبّه القديس غريغوريوس الكبير منذ أن كان شمّاسًا، والذي يُذكّر بحقيقةٍ دائمة، تُجسّدها الليتورجيا في رموزها الخارجية: فعندما نرتدي في الاحتفالات الكبيرة قميص الشماسيّة تحت البدلة الكهنوتية، إنما نُذكّر أنفسنا بأننا، في الجوهر، نبقى شمامسة، أي خدامًا. وهذا ما عاشه البابا فرنسيس بعمق، حين اختار أماكن الألم والعزلة ليقوم فيها بغسل الأرجل في قدّاس عشاء الرب، وإنما أيضًا عندما انحنى وقبّل أقدام قادة جنوب السودان، متوسّلاً عطية السلام، بذلك الأسلوب الذي اعتبره كثيرون صادمًا، ولكنه إنجيلي بامتياز، وهو الأسلوب نفسه الذي دفع البابا بولس السادس، لخمسين سنة خلت، في الرابع من كانون الأول ديسمبر، لأن ينحني في كابيلا السيكستينا ويقبّل قدمي ميليتون، أسقف خلقيدونية. إن تقليد الكنيسة، أيها الإخوة الكرادلة الأحبّاء، يقسّمنا إلى ثلاث درجات: أساقفة، كهنة، وشمامسة، ولكننا جميعًا مدعوّون، بدون استثناء، إلى الخدمة، والشهادة للإنجيل حتى سفك الدم، كما أقسمنا يوم رُفعنا إلى رتبة الكاردينالية، والتي يرمز إليها الثوب القرمزي الذي نرتديه، مقدمين ذواتنا، بشكل جماعي وفردي، كالمعاونين الأوائل لخليفة الطوباوي بطرس الرسول.

أضاف الكاردينال ساندري يقول إن القراءة الأولى، التي أُخذت من سفر أعمال الرسل، تعيدنا إلى مشهد خارج علّية أورشليم مباشرة، حيث كان اليهود قد اجتمعوا من كل أمة تحت السماء. وهناك، يتقدّم بطرس بالكلام لكي يشرح ما حدث: فالرسل ليسوا سكارى كما أنهم لا يهذون، وإنما لأنهم قد امتلؤوا من "نشوة" الروح القدس، كما سمّاها لاحقًا الأدب الآبائي، كان بإمكان شعوبٍ مختلفة أن تسمعهم يتكلمون كلٌّ بلغته.

وإنه لأمرٌ ذو دلالةٍ عميقة أن تيتمَّ اختيار هذه القراءة في هذه التساعية، لا سيما وأنّها أول خطابٍ للرسول بطرس، غير أن السياق الزمني هو زمن العنصرة. إن الإشارة الزمنية التي يقدّمها الانجيلي لوقا هي: "ولما أتى اليوم الخمسون..." فما معنى هذا القول؟ إنه يحمل معنيين متكاملين: الوصول إلى نهاية، والوصول إلى كمال، وبالتالي الانطلاق في بداية جديدة. وهذا الفعل نفسه يستخدمه الإنجيلي في الفصل التاسع من إنجيله، بعد مشهد التجلّي، حيث نقرأ: " ولما حانت أيام ارتفاعه" عزم يسوع على الاتجاه إلى أورشليم حيث، ستتحقق الكتب التي كُتبت عنه، كما أوضح لاحقًا للتلميذَين المشتّتين على طريق عِماوس.

تابع الكاردينال ساندري يقول بعد قمة التجلّي، جاءت المسيرة نحو إتمام النبوءات في فصح أورشليم؛ وبعد الفصح، بدأ انتظار الروح القدس في العنصرة؛ ومع ملء عطية الروح القدس بدأت الكنيسة. ونحن اليوم نعيش هذا العبور بين نهاية حياة خليفة بطرس، البابا فرنسيس، وتمام الوعد الإلهي، لكي ومع حلول الروح القدس الجديد، تواصل كنيسة المسيح مسيرتها بين البشر مع راعٍ جديد. لكن، ما هي النبوءة التي تتحقق في العنصرة؟ إنها تلك التي حُذفت من القراءة الليتورجية، ولكنها كانت عزيزة جدًّا على قلب البابا فرنسيس وكان يرددها دائمًا، وقد وردت في الفصل الثالث من نبوءة يوئيل: "أفيض من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبانكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما.... فيكون أن كل من يدعو باسم الرب يخلص". لقد أحبّ قداسة البابا هذه الآية، واستشهد بها مرارًا حين كان يتحدث عن اللقاء والحوار بين الأجيال، وعن الحاجة إلى أن يروي المسنّون أحلامهم للشباب، وأن يتّحد هؤلاء بحماسهم ورؤيتهم ليجعلوها، بمعونة الله، واقعًا ملموسًا. وكان يقول: "لا يوجد مستقبل بدون هذا اللقاء بين المسنين والشباب؛ ولا يوجد نموّ بلا جذور، ولا يوجد إزهار بدون براعم جديدة. لا يوجد نبوءة بدون ذاكرة، ولا ذاكرة بدون نبوءة؛ واللقاء دائمًا هو المفتاح." وبطريقة ما يترك البابا فرنسيس هذه الكلمات أيضًا إلى مجمع الكرادلة، المكوّن من الشباب والمسنين، والذي يمكننا فيها جميعًا أن نسمح لله بأن يعلِّمنا فنكتشف الحلم الذي يحمله للكنيسة، ونسعى معًا إلى تحقيقه بحماس شاب ورؤية متجدِّدة.

أضاف الكاردينال ساندري يقول في المرسوم الخاص بإعلان اليوبيل، وضع البابا فرنسيس أمامنا رؤية، حلم علينا أن نستعد منذ الآن لتحقيقه، وسيوكَل إلى الحبر الأعظم الجديد: "إن هذه السنة المقدسة ستوجّه المسيرة نحو مناسبة جوهرية لجميع المسيحيين: ففي عام ٢٠٣٣ سنحتفل بمرور ألفَي سنة على الفداء الذي تمّ بآلام وموت وقيامة الرب يسوع. نحن إذًا، أمام مسيرة مطبوعة بمحطات كبيرة، تسبق فيها نعمة الله وترافق شعبه الذي يسير في نشاط الإيمان وجهد المحبة وثبات الرجاء. وسنصبح، روحيًا، حجّاجًا على دروب الأرض المقدسة، إلى أورشليم، لكي نعلن من القبر المقدس – ونرجو أن يكون ذلك مع جميع إخوتنا وأخواتنا الذين وحّدتهم المعمودية الواحدة – هذه الحقيقة العظمى: "إن الرب قد قام حقًا، وقد ظهر لسمعان!"

وختم الكاردينال ساندري عظته بالقول أيها الرب، نُوكل إليك عبدك، البابا فرنسيس، لكي تملأه الآن فرحًا في حضرتك، ونسألك أن تمنحنا نِعمتك لكي نحقّق الرؤية التي تركها لنا: كنيسة تعلن سرّ المسيح، المصلوب والقائم من الموت! يا مريم، يا أمّ الله وأمّ الكنيسة، اشفعي بصلاتك، لذاك الذي أحبّ أن يثبّت نظره دومًا في عينيك المملوءتين حنانًا، والذي يرقد الآن في البازيليك المكرّسة لك. آمين.