قناة عشتار الفضائية
 

البطريرك ساكو يوجه رسالة بعنوان "الى مسيحيي العراق الممتحنين"


عشتارتيفي كوم- البطريركية الكلدانية/

وسط  المحنة التي تعيشونها  اليوم، أدعوكم  ان تقرأوا  الماضي والحاضر  قراءة جديدة مُعمَّقة تمامًا  كما فعل المسيحيون الاوائل الذين منهم تسلمتم وديعةَ الايمان، كما تسلموها هم بمشاعر الفرح  والشركة  الاخويّة من الرسل(1 قورنثية 11/23).  انطلاقًا من هنا، الاحداث التي نعيشها تتخذ معنى جديداً، فلا نجعل يسوع يؤنبنا  بنفس العبارات التي انبّ بها رسلَه على قلّة ايمانهم اباّن العاصفة: " ما لكم خائفين يا قليلي الايمان"( متى 8/26).  لنكنْ على يقين من ان الربّ لن يتركنا نغرق كما لم يترك تلاميذه يغرقون. هذا ما نجده مؤكدا في قوله: " هاءانذا معكم طوال الايام" (28/20).

 نقرأ في انجيل يوحنا: " ولكِنَّ المُؤَيِّد، الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم. قُلتُ لَكم هذه الأَشياءَ لِئَلاَّ تَعثُروا. سيَفصِلونَكم مِنَ المَجامِع بل تأتي ساعةٌ يَظُنُّ فيها كُلُّ مَن يَقتُلُكم أَنَّهُ يُؤَدِّي للهِ عِبادة" (15/26، 16/1-3).  

أمام هذا  التأمل  اللاهوتي  الذي يعكس " شهادة رسوليّة"،   قد نصطدم  بصعوبة  عباراته ودقتها.  قراءة سطحيّة لا تكفي حتى  نفهم بعدها العميق فتحرّك قلوبنا، بل ينبغي أن نذهب الى  أبعد، ونقرأ بالروح عينه الذي  شهد له يوحنا  لكي يتسنى لنا ان نكتشف فاعليّة بلاغات الانجيل  في  حياتنا الراهنة، حتى نبلغ الى سرّ القائم من بين الاموات، " الحيّ" العامل في الكنيسة وفي العالم، و" النور" الذي يقود خُطانا. هو مستقبلنا وهو ارض ميعادنا الحقيقية، علينا ان نتحد به.  على المسيحيين العراقيين  ان يبقوا  امناء مثل ابائهم  لهذا  الايمان،  فيلمع في عيونهم  ويغمر قلوبهم ويغير افكارهم، فيتمسكوا بارضهم التي ليست مجرد  تراب،  بل هي مع من عليها، علاقة وهوّية ولغة وعادات وتقاليد  وتاريخ وذاكرة واصالة.  الارض مقدسة!

لا ننسى أن يوحنا كتب هذه الكلمات ستين عاماً بعد موت يسوع وقيامته، بعدما كانت المسيحية قد انتشرت في أنحاء عديدة من العالم، وتكوّنت جماعات صغيرة تعيش إيمانها في  أحداث الحياة اليومية.  المشاكل كانت ايضَا قد ظهرت،  واخذت تهدد استقرار هذه الجماعات المسيحية الصغيرة وتسعى لتفكيكها.   اليوم ما نعيشه  في كنائسنا مشابه  لما كان في الامس، ولو بطرق مختلفة!  لقد  بقينا  جماعات صغيرة في هذا البلد؟ لكننا صامدون واقوياء!  ورسالتنا هي البلد كلّه وامامنا افق واسع لنحمل انجيل الفرح والرجاء الى اخوتنا.  لذا اتساءل   كيف يمكن ان يُصرّح بعض رجال الدين  ان لا مستقبل لنا في العراق؟

يوحنا،  مثل بولس بشَّر بنهاية العالم وعودة  وشيكة للسيد المسيح. وكثير من المؤمنين سمعوا اقوالهما  وباعوا ما لهم  منتظرين  هذه العودة " (راجع أعمال الرسل).  يوحنا يشرح أهمية انتظار مجيء المسيح عن طريق الروح القدس.  هذا الروح الحاضر في الجماعة يساعدها على سماع كلمة الله المتجددة وعيشها في تفاصيل الحياة اليومية.  الله حاضر، لكنه غير منظور، والمؤمن المتأمل وحده   يُمكنه  رؤية " عمل المسيح" الناهض من بين الاموات  بنعمة الروح القدس: ولهذا  ينبغي ان  يبقى نظره مسمرًا على  يسوع  متذكرا دوما   "كلامه" ببعده  الشخصي الخاصّ وبطابعه الالزامي المطلق.

اسلوب يوحنا الادبي يستند عموما الى  هذا "  الذهاب والاياب"  بين الماضي والمستقبل. كلماته المتطلبة ضرورية  لكي نصل واقعيا إلى  ان  يأتي إلينا، خصوصا في ضيقنا الحالي.  على المسيحيين  ان يعيشوا مثل يسوع: علاقة وثيقة  مع الله ومع اناس هذا  العالم .  فهم بالتالي يحتاجون الى "  الروح- الفارقليط – المدافع والمعزي" لخلق هذا التوازن بوضوح وقوّة!

 منذ  ايام يوحنا، حياة المؤمنين ليست سهلة،  فهم  يواجهون  باستمرار تحدّيات وصعوبات تفرزها الظروف،  يجب فهمها  على ضوء الايمان، ومواجهتها  بشجاعة وثقة.  على المسيحيين  تحمل   مسؤولياتهم تجاه الحياة وتجاه المستقبل  على ضوء قراءتهم الكتاب المقدس بواقعية،  فيملا قلوبهم  بهجةً كما الخبز  الساخن الخارج توا من فرن الخبّاز!

الإيمان يساعدنا  وسط العنف والظلم الذي نعيشه على التأمل   في قدرة الحبّ  على فهم " السرّ" والامور  العميقة   وتخطي المحنة، عندها   ينمو إيماننا ونتغير و كالسراج  يُضيء   ظلام  ليلنا الحزين ويفرحنا! الايمان خلاّق ومتجدد ومفاجئ  بالرغم من فقرنا وطردنا ظلمًا من بلداتنا وبيوتنا. انه يساعدنا على ان نتحرر من ماضينا ومخاوفنا ومنطقنا البشري ليُعيدنا الى " منطق الله" الذي يُعدّنا   لاستقبال " مستقبلنا" " قوّة الربّ التي أقامت الرب يسوع ستقيمنا نحن أيضًا" ( 1 قورنثية 6/14) .

بركة الرب تشملكم جميعا

+ لويس روفائيل الأول ساكو

بغداد 24/9/2014