قناة عشتار الفضائية
 

من كان حقاً وراء محاولة اغتيال يوحنا بولس الثاني على يد علي أغا؟


عشتار تيفي كوم - اليتيا/

كان قد دخل يوحنا بولس الثاني زنزانة سجن ريبيبيا بمزيج من الإثارة والفضول. شعر بالفضول للنظر في عيني الرجل الذي أطلق النار عليه لقتله في ساحة كاتدرائية القديس بطرس قبل سنتين ونصف.

كان قد ذهب الى السجن ليقول لعلي أغا مجددا أنه غفر له ولإعطاء معنى لمبادرة المحبة المسيحية، معنى يستطيع فهمه الآخر، قال له وهو يسلم عليه: " نلتقي اليوم كبشر أو  بالأحرى كإخوة". وفي حين كان ما يصافحه – باليد اليمنى، التي أشهر بها المسدس لإطلاق النار عليه- طرح عليه ذاك السؤال المذهل: "أعرف أنني صبت الهدف كما كان علي أن أفعل. أنا أعرف أيضا أن الرصاصة كانت مدمرة، قاتلة. ولكن لماذا لم تمت؟ ".

نظر اليه فويتيالا مندهشا؛ وعُرف في وقت لاحق، أن تلك الكلمات أثرت فيه كثيرا. ولم يستطع أن يفهم. صحيحٌ أنه كان أمام مجرم، ولكن في تلك اللحظة، لم يستطع أن يفهمه. جلسا على كرسيين صغيرين، منحنيان الواحد نحو الآخر، ورأسيهما على وشك أن الالتماس. وبدا وكأن البابا يعرفه. ولكن علي أغا كان مُصرا على سؤال البابا لماذا لا يزال على قيد الحياة: كان يعيش هاجس الاعتراف بأن هناك من هو أقوى منه، قادر على القضاءعلى قدرته التي لا تخطئ الهدف.

في البداية، كان البابا يكرر فقط ما قاله مرات عديدة في السابق: "اتعلم،  يدك، أطلقت النار، إنما يد أخرى وجهت الرصاصة". ازداد التركي قلقاً عند سماعه هذه الكلمات: "كتبوا أن الهة فاطمة قامت بذلك. ولكن ما معنى ذلك؟ ففاطمة ابنة محمد". ليقول البابا: "انه أيضا اسم المكان حيث ظهرت السيدة العذراء على أطفال، على رعاة صغار". وأغا: " قويةٌ هي إذا. قد تقتلني عند خروجي من هنا! ". فأجابه البابا بابتسامة: " لا! لا! أنها امرأة طيبة. وقد تساعدك في الواقع في حياتك".

و لم ينسى يوحنا بولس الثاني من هذه المقابلة محطتين. أولاً وهو أمر أحزنه حتى نهاية حياته وهو أنه لم يسمع علي أغا يطلب الصفح أبدا.
ولهذا، كتب له أيضا في البداية رسالة: "أخي العزيز، كيف سيسعنا ان نتقدم من  الله إن كنا هنا، على الأرض، لا نغفر لبعضنا البعض؟". ثم، نصح الكثيرون البابا بعدم إرسال الرسالة، لأن أغا كان سيستغلها بالتأكيد. وهكذا، بعد يومين من عيد الميلاد في العام 1983، ذهب البابا يوحنا بولس الثاني لزيارة أغا في السجن. كان قد ذهب على أمل أن يسمع تلك الكلمات. ولكن، لا شيء! لم يطلب التركي الغفران، ولم يفكر حتى بذلك فجل ما كان مهتماً به هو فهم لماذا لم يصب مسدسه براوننغ عيار 9 "الهدف". 

"
لماذا لم تمت؟". ثاني محطات المقابلة التي لم ينساها يوحنا بولس الثاني والتي لزمت قلبه كالجرح. وجعلته في بعض النواحي يفهم من كان القاتل ومن خطط لذلك. وكتب في "الذاكرة والهوية"، كتابه الأخير: "ان علي أغا، كما يقول الجميع، قاتل محترف. وهذا يعني أن محاولة الاغتيال لم تكن نتاج مبادرته الفردية، بل خطط لها شخص آخر، كلفه أيضاً شخص آخر ... ".

ولم يضف فويتيالا المزيد. ولكن، تأييد فرضية المؤامرة، يفرض الأخذ بعين الاعتبار السيناريو الجيوسياسي الذي نشأ بعد وصول كاردينال بولندي على "كرسي بطرس". وتحولت صدمة القادة الشيوعيين في الوهلة الأولى إلى حالة من الذعر الجماعي بكل ما للكلمة من معنى بعد رحلة يوحنا بولس الثاني الأولى إلى وطنه ("رفعت الناس رؤوسها من جديد،" قال ليخ فاونسا)، وحتى أكثر من ذلك، بعد ولادة حركة التضامن (اتحاد نقابة العمال البولندي)، أول وأكبر ثورة للعمال في "الإمبراطورية السوفياتية".

كانت بولندا خاضعة لخطر غزو الجيش الأحمر. فكتب البابا لبريجنيف، ولكنه لم يحصل على الرد أبدا. وكان الكرملين يفكر في كيفية التخلص من "الغليان" البولندي. وفي تلك الأيام كان يحتضر كبير الأساقفة الكاردينال ويسزنسكي. إذا لولا لم يكن في روما "الحامي" الكبير الآخر لحركة التضامن، لكانت حُلت المشكلة بسرعة. فماذا إذا؟ قبل بضع سنوات، كتب الكاردينال ستانيسلو دزيويز، الذي كان سكرتيرا خاصا للبابا يوحنا بولس الثاني: "كيف يمكننا أن لا نفكر بالعالم الشيوعي؟ كيف لا نصل، ونحن نفتش عن من قرر عملية الاغتيال، كيف لا نصل، على الأقل افتراضيا، الى جهاز المخابرات السوفياتي؟ ".

لقد التقيت في الأيام الأخيرة الكاردينال دزيويز. وكرر مرة أخرى على مسامعي أنه لا يأخذ على محمل الجد أبداً الدور "البلغاري" أو "الإسلامي". ومرة أخرى، كرر ما، في رأيه، أدى- على يد  أجهزة مخابرات شرق أوروبا، أو بعض وحداتها التي فقدت صوابها – الى اتخاذ القرار بالقضاء على البابا البولندي. وقال: "كانوا يريدون خنق الصحوة البولندية".

بالضبط! فماذا كان ليحدث بعد ظهر يوم 13 مايو 1981، لو أصاب مسدس براوننغ عيار 9 "الهدف" ؟ هل كان ليكون تاريخ العالم، وخاصة تاريخ وسط وشرق أوروبا، على حاله؟ أكان لينهار هذا الجدار بسرعة؟ يقشعر بدني لمجرد التفكير بهذا كله ولكنه كان مكتوبا -في تصاميم – العناية الالهية – أن يحصل ما حصل وأن تغير يد العذراء "مسار" الرصاصة. وأن يستمر علي أغا بالتساؤل مدى الحياة يائسا: "لماذا لم يمت؟".