قناة عشتار الفضائية
 

"مسيحيو الشرق الأوسط": همُّ الوجود والجمهورية


عشتارتيفي كوم- السفير/


شكل مؤتمر "مسيحي الشرق الأوسط" في جامعة اللويزة مناسبة للمسيحيين لاستعادة محطاتهم التاريخية المشرقة، التي لعبوا من خلالها دورهم في إيجاد تنوع إسلامي – مسيحي يمكنه أن يتعايش إذا ما اقترن بإعادة الدور إلى المسيحيين وعدم اختزاله. وهو أمر أشار إليه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في كلمته في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر. وقد بدا واضحا أن باسيل والبطريرك الماروني بشارة الراعي، اشتركا، بحسب ما عبرا في كلمتيهما، في همُّ غياب رئيس الجمهورية الذي لم ينتخب حتى اليوم، وهو في الوقت نفسه همُّ الوجود، وذلك لاعتبارات متعلقة بأن رئيس الجمهورية في حال انتخب من شأنه أن يلعب دورا في الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق. لذلك رأى باسيل في غياب رئيس الجمهورية أنه "استهتار واستخفاف بوجودنا في الشرق وفي لبنان وفي مؤسساته الدستورية، يدفعنا إلى أن (نقوّم القيامة)".


في المقابل، كان للراعي نداء خاص برئاسة الجمهورية، إذ دعا إلى "كل فريق سياسي وكتلة نيابية، كي يعين مرشحه النهائي المقبول من الآخرين، على أن يكون مميزا بصفة رجل دولة ومعروف بتاريخه الناصع وبقدرته وحكمته على قيادة سفينة الدولة في ظروفنا السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة للغاية"، وذلك على اعتبار أنه "بانتخاب رئيس من هذا النوع تعود الحياة الطبيعية إلى المؤسسات الدستورية والعامة".

 

باسيل: نحن الأصل والوصل والفصل في منطقتنا

تحت عنوان "مسيحيو الشَّرق الأوسط: تراث ورسالة"، بدأ المؤتمر  الذي تدعو إليه وتنظمه الرابطة المارونية مع كنائس الشَّرق الأوسط، وتستضيفه جامعة سيدة اللويزه ذوق مصبح، جلسته الافتتاحية التي استهلها باسيل بالإشارة إلى  "أن الحديث كل يوم بات عن المسيحيين في الشرق، لأننا الأصل والوصل والفصل في منطقتنا. لماذا؟ لأننا الرسالة في هذا البلد ولأننا الرسل في هذه المنطقة ولأننا نحمل في عمق أعماق ديانتنا مفاهيم وقيم تمثل كل المؤمنين في العالم. فهي قيم إنسانية جامعة قوامها المحبة والتسامح والانفتاح وقبول الآخر وقدرة فهمه وتقبله والعيش معه.ولذلك نحن عنوان التنوع، وهذه المنطقة وهذا البلد لا يعنيان شيئا من التنوع من دوننا. ولأنه بغيابنا سيكون هناك أحادية وظلامية تنتقل من هذه المنطقة وتتمدد إلى العالم، فتحاربنا وتلاحقنا وتحاول قطع نسلنا أينما كنا".
ولفت وزير الخارجية الانتباه إلى أن تحرك المسيحيين "ليس لدق ناقوس الخطر، بل حتى لا تصبح مناسباتنا دقا ونقا وبكاء على أطلال ذاكرة جماعة تكون قد هجِّرت من أرضها ومهد حضارتها وديانتها".


وإذ أكد باسيل عدم القبول "باختزال دورنا والاعتداء على حقوقنا"، دعا "حتى لا يضطر بعضنا إلى اللجوء إلى ما لا نبتغيه، إلى يقظة شاملة، مسيحية أولا ووطنية ثانيا، تحمينا وتدافع عن مشرقيتنا المنفتحة وتجعلنا لا نتراجع بعد اليوم عن آخر معقل لحريتنا في لبنان أو آخر خط من خطوط ذاتيتنا"، مشيرا إلى أن "هذه المشرقية التي نقاتل من أجلها هي أيضا حاجة إستراتيجية للدول كافة، فحاضر أوروبا من ماضينا ومستقبلها من حاضرنا وما يهددنا يهددها، فإن استسلمنا ستسقط أرضنا ويسقط الشرق وسيلحق به الغرب سقوطا، ولن تنفع عندها دموع التماسيح ولا تلاوة أفعال الندامة".




نداء الراعي: لاختيار رئيس معروف بتاريخه الناصع

من جهته، أكد الراعي أن المسيحيين اليوم "هم حاجة بلدان الشرق الأوسط الملحة والقصوى"، مشددا على  أنه "ما من أحد يستطيع اقتلاع الكنيسة والمسيحيين من هذا المشرق، لأن الله زرعها وزرعهم في أرضه".

وشدد البطريرك على أن "حضور المسيحيين كان وسيظل، واليوم بمزيد من الاندفاع للشهادة والخدمة والرسالة، فلا تقوقع ولا ذوبان".
وأشار إلى أن حضور المسيحيين في بلدان الشرق الأوسط حضور تراث ورسالة، كما يحدده موضوع هذا المؤتمر".

وأوضح أن لبنان "يشكل نموذج العيش معا بالمساواة بين المسيحيين والمسلمين، في نظام يفصل بين الدين والدولة، مع حفظ الإجلال الكامل لله ولشرائعه واحترام جميع المكونات الدينية المتنوعة، وضمانة أحوالها الشخصية، وفي نظام ديموقراطي برلماني يتيح للمسيحيين والمسلمين، على تنوع طوائفهم، المشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة، على أساس الميثاق الوطني وصيغته التطبيقية ووثيقة الوفاق الوطني التي دخلت مبادئها في الدستور الجديد سنة 1990. ولبنان بتعبير القديس البابا يوحنا بولس الثاني: قيمة حضارية ثمينة ، وهو أكثر من بلد، بل هو رسالة حرية، ونموذج في التعددية والعيش معا، للشرق كما للغرب، وصاحب تقاليد غنية وعريقة في التعاون بين المسيحيين والمسلمين، وفي الحوار والتوافق من أجل خدمة الإنسان. وهذه شروط للحرية والسلام واحترام الآخر".
أضاف: "أما اليوم، وقد تعثر دور لبنان في مساهمته بسبب انجراره في محاور النزاع الإقليمي السني - الشيعي، فكانت ارتداداته السلبية عليه بنزاع سياسي بين فريقين شطرا البلاد، حتى الوصول إلى عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ سنة وأربعة أشهر، وبعد ست وعشرين دورة انتخابية فاشلة. وهم اليوم، مع الأسف الشديد، في انتظار القرار من الخارج. فإننا معكم، ومن هذا المؤتمر، الذي يبرز دور لبنان والمسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، نوجه النداء إلى كل فريق سياسي وكتلة نيابية، كي يعين مرشحه النهائي المقبول من الآخرين، على أن يكون مميزا بصفة رجل دولة معروف بتاريخه الناصع وبقدرته وحكمته على قيادة سفينة الدولة في ظروفنا السياسية والاقتصادية والأمنية الصعبة للغاية".


وشدد على أنه "بانتخاب رئيس للجمهورية من هذا النوع تعود الحياة الطبيعية إلى المؤسسات الدستورية والعامة، وتجرى الإصلاحات السياسية والإدارية اللازمة، وتتشدد مكونات الدولة القوية والقادرة والمُنتجة. عندها يستطيع لبنان أن يقدم إسهامه في الحلول السلمية للنزاعات والحروب وممارسة العنف المتبادل، التي لا نتائج لها سوى المزيد من الهدم والقتل والتهجير"، آملا  أن "يؤتي هذا المؤتمر ثماره المرجوة في ما يعالج من مواضيع تختص بدور المسيحيين البناء في أوطانهم الشرق أوسطية، بفضل ما هم مؤتمنون عليه من "تراث ورسالة"، عشتم وعاش لبنان".