قناة عشتار الفضائية
 

القصة غير المحكيّة للذرات الأولى في الكون.. هكذا تشكلت الثقوب السوداء

 

عشتارتيفي كوم- هافينغتون بوست/

 

عندما دخل كوننا إلى حيز الوجود مع الانفجار الكبير منذ ما يقرب من الـ14 مليار سنة، كان الأمر يختلف كثيراً عما هو عليه اليوم، فعوضاً عن وجود الكواكب والنجوم والمجرات، كانت هناك كرة ضخمة من البلازما الساخنة.

وقد بدأ الكون يبرد مع توسعه، وبمرور الوقت تجمدت المكونات المختلفة لكوننا مع ذلك الانخفاض في درجات الحرارة، وقد كانت الكواركات (جسيم أولي، ومكون أساسي للمادة) أول من يتجمد، ومن ثم البروتونات والنيوترونات، تليها الإلكترونات.

وأخيراً، وبعد حوالي 380,000 سنة، بدأ الهيدروجين –أول الذرات– بالتشكل، تجمعت بعض من هذه الذرات معاً وشكلت النجوم، حيث بدأت تنصهر وتولد الكربون والأكسجين والنيتروجين والحديد وجميع العناصر الأخرى التي تتشكل منها الكواكب والحياة.

ومع ذلك، عندما كان عمر الكون يبلغ نحو مليار سنة، كان نحو 9 من أصل كل 10 من تلك الذرات الأصلية من الهيدروجين يتدمر قبل أن يعثر على طريقه إلى المجرات، فمتى وكيف تم تدمير تلك الذرات الأولى في الكون بالضبط؟ هذا ما حيّر علماء الفلك على مدى العديد من العقود.

 

كوكبنا في العصور المظلمة!

مع تشكل تلك الذرات الأولى من الهيدروجين -التي كانت مؤلفة من إلكترون واحد سالب الشحنة وبروتون واحد موجب الشحنة- دخل الكون فترة يدعوها علماء الكون بالعصور المظلمة، وخلال هذا الوقت، كان الكون ينتظر بهدوء تأثر سحب الهيدروجين بالجاذبية وانهيارها لتشكل أول النجوم والمجرات.

وقد كان تشكل أولى النجوم إشارة على نهاية العصور المظلمة وبداية "فجر الكونية"، وبعد نحو 100 مليون سنة من الانفجار الكبير، وللمرة الأولى، بدأ كوننا يشع بضوء آخر غير ذلك الذي أعقب الانفجار الكبير.

قبل فجر الكونية، كان الكون بأكمله يمتلئ بالهيدروجين، ومع ذلك، فإن ضوء النجوم الذي كان يتكون من الفوتونات التي تمتلك ما يكفي من الطاقة لفصل ذرات الهيدروجين عن بعضها، أعاد تأينها إلى بروتونات وإلكترونات، ومع تزايد عدد النجوم المضيئة في الكون، بدأت الثقوب التأينية التي تظهر في الغيوم الهيدروجينية البدائية تصبح أكبر وأكبر.

 

هكذا نشأت الثقوب السوداء

مع مرور الوقت، بدأت كائنات أخرى أكثر غرابة بالتشكل داخل المجرات، فمع استنفاد النجوم لوقودها من الهيدروجين، بدأت تنفجر لتشكل سوبرنوفا (حدث فلكي ضخم خلال مراحل تطور الكون) مذهلة، في حين أن بعض النجوم خلفت وراءها ثقوباً سوداء تلتهم النجوم القريبة وتولد دفعات قوية من الأشعة السينية، وفي مراكز المجرات، كانت الثقوب السوداء الهائلة تنمو، لتصبح كتلتها مساوية لكتلة ملايين الشموس.

وقد ضخت هذه الأحداث كميات هائلة من الطاقة في الغيوم الهيدروجينية التي تحيط بها، مما أدى إلى تسخينها وتأيينها، حتى تم تدمير جميع ذرات الهيدروجين التي توجد بين المجرات، حيث تم تأيينها إلى الجسيمات المكونة لها، وهي البروتونات والإلكترونات.

وباستخدام أقوى التلسكوبات البصرية، استطاع العلماء رؤية مجرات بعيداً جداً لدرجة أن ضوءها كان ينبعث عندما كان عمر الكون لا يزال مليار سنة فقط، وتلك اللمحة التي حصل عليها العلماء من هذه المجرات كانت عبارة عن آخر جزء من الهيدروجين الذي يوجد بين المجرات وهو يحترق، ولكن إذا ما حاولنا النظر أعمق من ذلك، فإن الهيدروجين نفسه يمكن أن يصيبنا بالحيرة، فهو يمتص ضوء النجوم ذاته الذي نستخدمه لمراقبة المجرات البعيدة، ويتصرف كضباب مغلف يخفي الفوضى البدائية خلفه.

لحل هذه المشكلة، قام الباحثون بتصميم نوع جديد من المناظير، وهي عبارة عن مجموعة من أطباق التقاط موجات الراديو التي تقوم بدلاً من البحث عن المجرات البعيدة، بمسح الهيدروجين الذي يوجد بين المجرات في جميع مراحل عملية تسخينه وتأيينه، وهذا المنظار، الذي يدعى "مصفوفة دراسة حقبة إعادة تأين الهيدروجين" أو (هيرا)، يجمع بين أحدث الأجهزة الخارقة مع البناء الهوائي المنخفض التكلفة في تصميم فريد من نوعه يعطيه الحساسية والدقة لرسم ما سيكون أكبر الخرائط في الكون.

تم تصميم (هيرا) ليكون حساساً لنوع معين من الموجات الراديوية التي تنتج عند تبديل الحقول المغنطيسية للبروتونات والإلكترونات داخل الهيدروجين لاستقطابها بين الشمال والجنوب، وتماماً كما يحدث عند انجذاب اثنين من الأقطاب المتعاكسة للمغناطيس نحو بعضها البعض، وإطلاق طاقة في هذه العملية، فإن تحول استقطاب الإلكترون والبروتون يتسبب في جعل الهيدروجين يطلق كمية صغيرة من الطاقة، وهذا التحول فائق الدقة ينتج موجات راديوية تمتلك أطول موجة مميزة تصل إلى 21 سم.

كنتيجة لاستمرار توسع الكون منذ الانفجار العظيم، تمددت الموجات الراديوية الناتجة عن الهيدروجين، الذي يوجد بين المجرات التي يبلغ طول موجتها 21 سم بنسب مختلفة، وذلك اعتماداً على العمر الذي كان فيه الكون عندما بدأت هذه الموجات بالانبعاث.

فعلى سبيل المثال، عندما كان عمر الكون 770 مليون سنة، كانت أطوال الموجات أصغر بثماني مرات مما هي عليه اليوم، وهذا من شأنه أن يجعل الموجة الراديوية التي يبلغ طولها 21 سم والمنبعثة من الهيدروجين في ذلك الوقت من التاريخ تتمدد بعوامل ثمانية في طريقها إلينا، وسنراها بطول موجي يساوي 168 سم.

ومن ناحية أخرى، فإن نفس موجة الراديو المنبعثة عندما كان عمر الكون يبلغ 940 مليون سنة ستتمدد بعامل سبعة، وتظهر لنا بطول موجي يساوي 147 سم، لذلك، فعن طريق قياس الطول الموجي للضوء، يمكننا أن نعرف بالضبط الزمان والمكان الذي انبعثت منه الموجة من الكون.

وعن طريق مسح السماء بحثاً عن العديد من الأطوال الموجية التي تتراوح بين 150 و350 سم، يمكن لهيرا إنتاج سلسلة من الصور من مرحلة الطفولة المبكرة لكوننا، وسيكون الباحثون قادرين على مراقبة ضوء النجوم والمجرات الأولى وهو يقوم خطوة بخطوة بتدمير السحب التي تشكل منها.

ستعمل الملاحظات الآتية من المراصد الجديدة في السنوات القليلة المقبلة على تحويل فهمنا لأول النجوم والمجرات والثقوب السوداء التي تشكلت في الكون، ودورها في دفع عجلة إعادة التأين في نهاية الفجر الكوني، كما ستوفر الملاحظات التي ستأتي من مرصد هيرا للهيدروجين المحايد رؤى فريدة من نوعها عن هذه الفترة التكوينية في عالمنا.