قناة عشتار الفضائية
 

ما بين 'نعم' و'لا': تركيا سوف تكون بلدا مختلفا بعد 16 أبريل

 

عشتارتيفي كوم- العرب/

 

إلى غاية فوز رجب طيب أردوغان بمنصب رئيس الدولة في الانتخابات الرئاسية في تركيا التي جرت في أغسطس 2014 كان هذا المنصب منصبا رمزيا، في حين كان رئيس الحكومة يتحمل مسؤولية إدارة البلاد ورسم ملامح سياستها الخارجية؛ لكن بعد نصف سنة من تسلم أردوغان منصب رئيس الدولة انقلبت الأمور وأصبح هو الرئيس الفعلي للبلاد، وهو يتطلع إلى “نعم” أغلبية الأتراك الذين يتوجهون اليوم إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الشعبي على مشروع التعديلات الدستورية بما يمنح شرعية دستورية لسيطرة الرئيس أردوغان المطلقة على البلاد.

 

العرب  - نُشر في 2017/04/16، العدد: 10604، ص(4)

أنقرة – يتوجّه 55 مليونا و319 ألفا و222 ناخبا تركيا، اليوم الأحد، إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الاستفتاء الشعبي على مشروع التعديلات الدستورية الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم ويتضمن الانتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي ضمن تعديلات من شأنها منح الرئيس رجب طيب أردوغان المزيد من الصلاحيات. ويرى معارضو هذه التعديلات أنها تكرس لحكم الفرد وستقود تركيا نحو مرحلة جديدة تشبه في بعض ملامحها مرحلة كمال أتاتورك ولكن على طريقة أردوغان.

وأحدث الاستفتاء انقساما كبيرا داخل تركيا. ويقول أردوغان إن تعزيز الرئاسة سيقي البلاد انعدام الاستقرار الذي تعاني منه الحكومات الائتلافية في وقت تواجه فيه تهديدات أمنية من متشددين إسلاميين وأكراد. لكنّ منتقديه يخشون توغّلا في حكم شمولي يقوده زعيم يرون أنه عاكف على تقويض الديمقراطية في الدولة التركية الحديثة وأسسها العلمانية.

وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 مباشرة أيد كثير من المواطنين عمليات الاعتقال الجماعي متفقين مع أردوغان حين اتهم رجل الدين فتح الله غولن المقيم بالولايات المتحدة بتدبير محاولة الانقلاب التي سقط فيها 240 قتيلا معظمهم من المدنيين.

لكن الانتقاد تزايد مع اتساع نطاق الاعتقالات لتشمل أفرادا من مختلف أطياف الحياة مثل القابلات وحراس سجون في أجزاء نائية من تركيا وكذلك نوابا في البرلمان من المعارضة المؤيدة للأكراد مما جعل ثالث أكبر حزب في البلاد بلا قيادة فعلية.

 

خسارة الحلفاء

ورد في تقرير أعدته النائبة المعارضة زينب ألتيوك أن حملة التطهير في القطاع العام منذ الانقلاب حرمت 1.5 مليون تلميذ من مدرّسيهم. وأضاف التقرير الصادر الشهر الماضي أن الدولة وضعت يدها على أكثر من 600 شركة وأوقفت سريان 140 ألف جواز سفر وأقالت 65 رئيس بلدية منتخبا. وبالإضافة إلى ذلك أقيل أكثر من 2000 صحافي وأغلقت عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية والوكالات الإخبارية والصحف.

وقال خبراء حقوقيون بالأمم المتحدة إن عمليات الإغلاق تلك قوضت فرصة الجدال القائم على المعلومات في مرحلة الاستفتاء وإنّ حالة الطوارئ التي فرضت بعد محاولة الانقلاب باتت ذريعة تبرّر الإجراءات القمعية التي ربما تكون مجرد بداية في حالة فوز أردوغان بسلطات أوسع بعد الاستفتاء.

وقال خبراء الأمم المتحدة “نظرا للطبيعة التعسفية والكاسحة لمراسيم الطوارئ التي صدرت منذ يوليو 2016 هناك قلق كبير من احتمال استغلال مثل هذه السلطات على نحو يفاقم انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية القائمة”.

وتولى أردوغان الرئاسة عام 2014 بعد أن أمضى عشر سنوات رئيسا للوزراء. وقد أحال بالفعل دور الرئيس الذي كان شرفيا إلى حد كبير إلى منصة عمل. ومن شأن الاستفتاء، في حالة تأييد التعديلات الدستورية التي يقترحها، أن يمنحه سلطات تنفيذية كانت قاصرة يوما على مجلس الوزراء الذي تمكن مساءلته أمام البرلمان.

وتعهد أردوغان أيضا بإعادة أحكام الإعدام إن حصل على تأييد للتعديلات الدستورية وهو ما يقضي بصورة شبه مؤكدة على مساعي تركيا المستمرة منذ عقود للانضمام للاتحاد الأوروبي الذي يحظر أحكام الإعدام. وكان وضع تركيا كدولة مرشحة للانضمام للاتحاد يكبحها إذ أنه يتطلب خطوات لتحسين سجل حقوق الإنسان والشفافية.

وقالت آيسجول كاروسمان أوغلو، وهي معلمة محجبة أوقفت عن العمل ليومين بعد محاولة الانقلاب وأقيلت في سبتمبر 2016، إن الانقلاب بات ذريعة للحكومة كي تتخلص من معارضيها. وأضافت أن التصويت “بنعم” سيوسع على الأرجح تلك الحملة وسيعمقها.

وتابعت كاروسمان أوغلو، البالغة من العمر 45 عاما، إن تأييد التعديلات “قد يشيع مناخا يتيح شنق كل المعارضين أو حرمانهم من أيّ فرصة في الحياة.. أسمع أنهم يفتحون سجونا جديدة كثيرة. أظن أنهم سيودعون بها أمثالنا”.

وكانت كاروسمان أوغلو تتحدث في تجمع غير مألوف في إسطنبول الأسبوع الماضي ضمّ موظفين ممن شملتهم حملة التطهير وأقارب مسجونين تجمعوا للتعبير عن شكاواهم. ونفى الحضور أيّ صلة لهم بمحاولة الانقلاب وقال البعض إنهم أقيلوا لأسباب لا علاقة لها بارتكاب أيّ خطأ حقيقي وإنما لمجرد انتمائهم لنقابة اعتبرت مؤيدة لغولن.

وبعد أن كان حليفا لأردوغان يوما باتت شبكته جماعة إرهابية بحسب تصنيف مجلس الأمن القومي التركي قبل شهرين من الانقلاب الفاشل. وليس غولن فقط من كان حليفا لأردوغان ثم تحول إلى غريم، بل هناك أيضا أستاذه وأبو الإسلام السياسي في تركيا الراحل نجم الدين أربكان.

وأيضا توترت العلاقة بين أردوغان وأقرب حلفائه على غرار شريكه في إنشاء حزب العدالة والتنمية الرئيس السابق عبدالله غول ووزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو. ويرصد الكاتبان آيرين كايلان وماكسميليان دوب في مقال لهما بمجلة ديرشبيغل الألمانية، نشر عشية الاستفتاء، تصاعد الخلافات أيضا في صلب حزب العدالة والتنمية نفسه والذي ينقسم أعضاؤه بين مؤيد للاستفتاء ومعارض له.

 

تركيا المختلفة

يقول الكاتبان إن أردوغان نجح، في وقت مبكر من رئاسته للحكومة في العام 2003، في جمع ائتلاف عريض لدعمه، بمن فيه أعضاء من المعتدلين المسلمين والمعارضين الليبراليين. لكنه ضحّى في المسيرة الطويلة على الطريق إلى الحكم الأوتوقراطي بحليف بعد آخر.

وفي ظل تقلص الحلفاء ومع ارتفاع منسوب التوتر تدخل حزب العدالة والتنمية، عشية الاستفتاء، لم يعد بمكان أردوغان أن يعيد توحيد صفوف الحزب خلفه. ولأنه يحتاج كسب الاستفتاء فقد عمد أردوغان إلى أن يجتذب ناخبين إضافيين وعثر عليهم في صفوف القوميين المتشددين.

تنقل صحيفة دير شبيغل الألمانية عن آيتين مكوبيان، الذي ينوي التصويت بـ”لا” قوله “عند إحدى النقاط، أقنع الرئيس رجب طيب أردوغان الناس من خلال شخصيته الكاريزمية ورؤيته لتركيا الديمقراطية القوية. لكنه اليوم يحكم من خلال الترويع والخوف”.

وكان هذا الصحافي التركي الأرمني داعما لحزب العدالة والتنمية، ومستشارا لرئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو.

ويحاجج مكوبيان بأن اقتراح تقوية النظام الرئاسي الذي تطلب الحكومة من الناس الآن دعمه سيحوّل البلد في الحقيقة إلى نظام استبدادي؛ سواء كانت النتيجة “نعم” أو “لا”.

فإذا جاءت النتيجة بـ”نعم” فإن الطريق نحو هذا العد الجديد ستكون قصيرة، وإن كانت لصالح الرفض فإن الرئيس سيدعو إلى عقد انتخابات جديدة حتى يحصل على ثلثي الأغلبية النيابية التي يحتاج إليها لتعديل الدستور.

ومن غير الواضح ما إذا كان سينجح في ذلك إلا أن الأكيد أن تركيا سوف تكون بلدا مختلفا بعد صدور نتيجة الاستفتاء.