نداءات الصمود والتشبث بأرض الآباء والأجداد ، مللنا منها ، فهي تمنح طابعا ً إيجابيا ً مزوقا ً ، ولكن في الحقيقة لا تشكل حلاً جذريا ً ومنطقيا ًللمشكلة ، ولا ترفع الحيف والظلم الواقع على ألأقليات المسيحية واليزيدية والصابئة المندائيين والشبك والتركمان، فالتاريخ يخبرنا خلال المائة سنة الفائتة ، المجازر التي تعرضت لها تلك الأقليات وخاصة المسيحية ، فمجازر الدولة العثمانية بحق الأرمن مروراً بمجزرة سميل وصوريا ، والآن ما تقوم به المجاميع التكفيرية السلفية الأسلامية وخاصة (داعش) بعد سقوط نظام صدام ولحد الآن ، صورة بشعة لما ينتظر هذه الأقليات من الخطر الداهم لمستقبل وجودها في الشرق الأوسط عموما ً والعراق خصوصا ً، ومجزرة كنيسة سيدة النجاة نموذجاً ، والدول العربية والجوارساكتة سكوت الساكنين في القبور ، بل أن بعضها من يمول الإرهابيين ويدعمها مالياً وعسكريا ً ولوجستيا ً وترسل الإرهابيين عبر حدودها لقتل العراقيين ،وحكومتهم تتقاتل على المكاسب .
كلنا نحب وطننا ، ولكن الوطن الذي يهان فيه الإنسان ألف مرة يوميا ، والوطن العاجز عن حماية مواطنيه ليس وطناً ، وهناك مثل شعبي عراقي يقول : ( باقة فجل لا تفل ورغيف خبز لا تكسر ، كل لما تشبع ) ، فلا هم يحمون الناس من الإرهابيين ، ولا يدعون الناس يهاجرون ، مع كل الإحترام للإراء التي تتقاطع معنا والداعية للبقاء في أرض الآباء والأجداد وخاصة من رجال الدين ، فربما هذه هي البداية ، والله أعلم ماذا سيحدث مستقبلاً في بلد الفوضى وضبابية الوضع السائر نحو الأسوأ .
والحل برأينا المتواضع ، فإما منطقة محمية للأقليات لها وضع قانوني آمن ، وإلا فلا مفرّ من الهجرة للحفاظ على ما تبقى وخاصة المسيحيين ، الذين تناقص عددهم بشكل رهيب من مليون ونصف في بداية الثمانينات إلى 300 ألفاً ، أو أكثر بقليل ، وما نداءات رجال الدين إلا ضربا من الأحلام غير الواقعية .
الصمت الدولي الحالي ، يعني تورط بعض الدول فيما يجري في العراق ، فالتعتيم والتضخيم للأحداث هما حسب مصالح تلك الدول ، وما الضربات الجوية الأمريكية التي لا تجدي نفعا ً ولا توقف تمدد داعش ، هي رفع العتب وذر الرماد في العيون ، وعلى الإقليات في العراق التي ليس لها من يدافع عنها ، أن تستجمع ذواتها وتنسق فيما بينها ، وتقيم علاقات جيدة مع من يود بحق الدفاع عنها وحمايتها ، فالإعتماد على الموقف الأمريكي المرتبك ، والتي تورط في المستنقع العراقي ، ولا يريد تكرار السيناريو ثانية ، يعطي المبرر القوي للهجرة لكل من إستطاع بكل الطرق والوسائل التي تحفظ كرامة الأنسان وحياته وحريته وأمنه ، في حالة عدم وجود منطقة أمنة ومحمية دوليا ً ، وهذا ليس متيسراً في المستقبل القريب المنظور .
منصور سناطي