لقد انتشرت المسيحية في بلاد الشرق بعد مجيء المسيح له كل المجد عن طريق التلاميذ والرسل واصبحت الغالبية العظمى من السكان تعتنق المسيحية لما جاءت به من مباديء انسانية وروحية سامية ،كانت السبب في تكالب القوى الخارجية على الشعب المسيحي واستغلت الروح الجديدة للشعوب المسيحية لتهاجم مدنهم وحضارتهم سواء كان من قبل الغزات الفرس او من قبل عرب الجزيرة ضمن الفتوحات الأسلامية وفرضت على الشرق الدين الجديد بالسيف ومن تبقى منهم دفع الجزية او هرب الى الجبال في مناطق جبلية وعرة وخاصة الرهبان ورجال الدين المسيحيين الذين بنوا صومعاتهم في اماكن يصعب الوصول اليها والدليل الأديرة الكثيرة المنتشرة في شمال العراق وجنوب تركيا ، اضافة الى الأثار الكثيرة المنتشرة في معظم مناطق العراق من كنائس وأديرة المكتشفة في النجف وتكريت بالأضافة الى العديد من الكنائس التي هدمت وبنيت في مكانها جوامع والمهتمين بالأثار يؤكدون ذلك . ولكون المسيحيون هم احفاد الحضارات العراقية القديمة وهم سكان البلاد الأصلاء تمسكوا بأرضهم برغم من التضحيات الكبيرة التي قدموها فالفتوحات الأسلامية دمرت ارثهم الحضاري ومع ذلك ظلوا مواطنين اوفياء وأمناء في عملهم ومخلصين لوطنهم رغم الأبادة الجماعية التي لحقت بهم في اثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها والظلم والأضطهاد الذي لحق بهم فبعد ان كانوا اصحاب الأرض اصبحوا مواطنين من الدرجة الثالثة .ومع ذلك تعايشوا مع المسلمين على امل ان تتطور هذه المجتمعات ويتم انصاف الشعب المسيحي لما يمتاز به من ارث حضاري وتأريخ انساني مشرق .غير ان حياة الشعب المسيحي اصبحت تتأرجح بين شبه الأستقرار وبين الأضطهاد فكلما كان الحاكم منصفا كان الظلم على المسيحيين اقل وبالعكس .لقد سأم المسيحيون من هذه الأوضاع غير المستقرة خاصة خلال العقود الأربعة الماضية نتيجة الحروب المتكررة المفتعلة من قبل الحكام الذن كان هدفهم السيطرة على الشعب وسرقة خيراته ، وأزاء هذا الوضع غير المستقر اصبح الشباب المسيحي يبحث عن وطن بديل بعد ان فقد امله في التغير ومن هنا بدأت رحلات الأغتراب والهجرة ، وبعد التطور الكبير الذي حدث في العالم كان الشعب المسيحي يتوقع ان ينعكس ايجابيا على المجتمع في مجال الحريات والحقوق ،ولكن بعد الربيع العربي خرجت المجاميع المتخلفة الأرهابية من اوكارها كالأفاعي السامة لتبث سمومها في المجتمع وأستغلت الأوضاع والتغير وهامش الحرية الذي توفر نتيجة تعديل الدساتير اضافة الى غياب السلطة وأنتشار الفساد نتيجة هذا الفراغ وأصبحت التيارات الأسلامية المتطرفة تطالب بالعودة الى الجهاد ومحاربة كل ما هو غير مسلم واصبح العالم ومنهم مسيحوا الشرق في حيرة من امرهم . اذا كيف يمكن قبول هذا التراجع في مجال الحريات ومنها الحرية الدينية ، فبدلا ان يكون التغير لصالح الجميع اصبح نقمة وحتى المسلمون يعانون الأن من جرائم المتطرفين ، ومن هنا اصبح الشعب المسيحي لا يرى املا في اصلاح هذه المجتمعات لذلك بدأ رحلة المغادرة والهجرة الى المجهول . ومع تواجد المغتربين السابقين في بلاد المهجر والمقارنة بين الحياة في بلادهم وفي بلاد المهجر ترى الأغلبية ان الحياة في بلاد الهجر اكثر امانا وأستقرارا اضافة الى التمتع بالحريات والمساوات رغم السنوات القليلة التي قضوها في البلدان الجديدة . لذلك المنطق يقول سوف تزداد هجرة المسيحيين ليس خوفا من الأرهاب بل لأنهم لا يروا خيرا ولا مستقبلا ضمن المجتمعات الأسلامية .فاذا كان عدد الدواعش لم يتجاوز بضعة الأف اصبح الأن عشرات الألاف والسبب هو هذا الجهل والتعصب الديني غير المبرر وغير المقبول وبسبب التعاطف من قبل الحواضن التي سهلت وساعدت الدواعش على احتلال المدن في سوريا والعراق ،لذلك نقول ان تنظيم داعش سوف ينتهي لا محال وسوف تظهر تنظيمات اخرى تحت مسميات جديدة لكون الفكر الأسلامي كل يوم ينتج متطرفين جدد . لذلك فأن هجرة المسيحيين سوف تزداد ايضا وسوف يقل عدد المسيحيين في الشرق وهنا تكون الخسارة كبيرة للمسيحيين اولا وللمسلمين ثانيا ، وحتى تتحول المجتمعات الأسلامية الى مجتمعات تطبق العدالة والمساوات وحرية الأديان تحتاج الى ثلاثة عقود اخرى ، وعندها تكون اغلبية المكونات الصغيرة غير المسلمة قد هاجرت واستقرت في اوطان بديلة باحثة عن الأمن وعن الحرية . وبذلك تكون بلدان الشرق قد خسرت روافد مهمة من ابناء شعوبها الذين كان لهم دور بارز ومهم في البناء وسوف تخسر المجتمعات الأسلامية احد الألوان الجميلة في بلدانها وتخسر نخبة من المواطنين الأصلاء الذين عاشوا معهم في السراء والضراء . وهذ خسارة كبيرة للوطن وللشعب بكل اطيافه .............. والله من وراء القصد ...