أول تعليق من كاهن كنيسة سيدني عقب "الهجوم الإرهابي"      مصدر: والد المشتبه به في هجوم كنيسة سيدني لم يشهد أي علامات تطرف على ابنه      أستراليا.. الشرطة تؤكد الطابع "الإرهابي" لهجوم في كنيسة      السوداني يسعى إلى حل التداعيات الناجمة عن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين غبطة الكاردينال ساكو      العيادة الطبية المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية بيرسفي      مارتن منّا: هناك محاولات لإعلان التوأمة بين عنكاوا و وستيرلينغ هايتس الأميركية      اللقاء العام لمجلس الرهبنات الكاثوليكيّة في العراق/ أربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل السفير الفرنسي لدى جمهورية العراق      قناة عشتار الفضائية تتمنى الشفاءالعاجل للمطران مار ماري عمانوئيل      محافظ نينوى يزور مطرانية القوش      معرض ميسي يفتح أبوابه.. فماذا يمكن أن تشاهد؟!      تقنية ثورية.. زرع جهاز في العين قد يعالج مرض السكري      رئاسة إقليم كوردستان: نجاح الانتخابات يعتمد على مشاركة جميع الأحزاب والكيانات السياسية فيها      العراق.. أكثر من 27 ألف إصابة بالحصبة و43 وفاة بالمرض      خطوة عراقية أخرى باتجاه وقف إهدار ثروات الغاز المصاحب      فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة      السبب الحقيقي وراء انقطاع خدمات Meta المستمر      جدل حول آثار جانبية حادة لاستخدام الأدوية المضادة للذهان لتخفيف الزهايمر      مايلز كاغينز‏: الحوار حول استئناف تصدير نفط إقليم كوردستان سيبدأ قريباً      إلزام يوفنتوس بدفع 9.7 مليون يورو كرواتب متأخرة لرونالدو
| مشاهدات : 2971 | مشاركات: 0 | 2014-12-14 11:46:42 |

"الطَّاعةُ خَيرٌ مِنَ الذَّبيحةِ" (1 صمو 15 : 22)

نبيل جميل سليمان


تمهيد:

   يدفعنا هذا العنوان إلى التساؤل عن مفهوم الطاعة عند الإنسان بصورة عامة وعند الكاهن بصورة خاصة. فإنساننا اليوم يميل إلى التذرع بالحرية لينبذ كل خضوع ويحتقر الطاعة الواجبة إن كانت: للأبوين أو للرؤوساء الدينيين والمدنيين أو للأكبر عمراً أو للأفضل خبرة في الحياة والعمل ... وهنا فالطاعة يجب أن تكون حاضرة كهِبة من الله وكخطوة حب لا تنقص من كرامة أي إنسان - أو أي "كاهن" - بل تقوده إلى النضج بإنماء حريته وتأدية رسالته، بل تترجم إلى دعوة للإصغاء والألتزام بعلاقة شخصية وصداقة مع الله. وخير مثال على هذه الطاعة موقف يسوع نفسه كإنسان، يقاسمنا مغامراتنا الإنسانية: “أخلَى ذاتَهُ .. تواضَعَ، أَطاعَ حَتَّى المَوت، المَوتِ على الصَّليب" (فل 2/6- 8). وعلى ضوء ذلك فالطاعة هي تقبل حر وإيماني للمخطط الإلهي الذي وضعه الله في كل واحد منا، لكي يؤهلنا أن نجعل من حياتنا عطاء حب وخدمة فرح لله وللقريب. لذا كان على الإنسان أن يكون واعياً جداً ومؤمناً لمن يطيع حقاً. فالطاعة ليست أكراهاً أو شكلاً سلطوياً أو خضوعاً سلبياً "طاعة عمياء". بل هي أكثر من ذلك، لأنها مرتبطة بكيان الإنسان وشخصه وجماعته ورسالته وإيمانه. فمثلما يقدم الإنسان المؤمن جسده إلى الله عن طريق العفة والبتولية، وكل ما يملكه عن طريق الفقر والمجانية، فانه يقدم بملئ إيمانه وإرادته الحرة إلى الله (نظرة عمودية) وإلى الإنسان ولذاته أيضاً (نظرة أفقية) عن طريق "الطاعة".

 

الطاعة "دعوة ألتزام" في علاقة شخصية مع الله:

   الطاعة تتطلب إيماناً بكلمة الله، لما للإيمان من دور كبير في الطاعة. لأن كلمة الله تطلب من الإنسان بأن يقوم بأعمال لا يدركها ولا يفهم معناها، فتغدو الطاعة اختباراً له وامتحاناً من الله (تك 22 : 1). وإذا كان لله مخطط ٌ، فعلى كلّ واحدٍ منا أن يطيعه، أي مشاركته في هذا المخطط وقبول ذلك بإيمان، لأننا لا ندرك كل أبعاد هذا المخطط الإلهي. فالمطيع هو مؤمن قبل كل شيء. وتتفتح طاعته كاملة داخل الإيمان الذي يتطلب منه إصغاء وأستقبال وجواب. فالإيمان ليس الطاعة، بل هو سرها، والطاعة علامة الإيمان وثمرته. ولنا في إبراهيم أجلى مثال على ذلك. فحياة إبراهيم - كحياة كل إنسان مسيحي وخاصة الكاهن - تعتمد على كلمة الله: "إرحَل مِن أَرضِكَ وعَشيرَتكَ وبَيتِ أَبيكَ" (تك 12 : 1)، "أُسلُك أَمامي وكُنْ كامِلاً" (تك17 : 1). والإيمان بكلمة الله يضعنا أيضاً في موقف يسوع "الأبن" تجاه أبيه. فحياة المسيح "عند دخوله العالم" (عب 10: 5)، و"حتى موت الصليب" (فل 2: 8)، كانت طاعةً أي قبول الله والاتحاد به "فما نَزَلتُ مِنَ السَّماء لِأَعمَلَ ما أُريده أنا، بل ما يريده الَّذي أَرسَلَني" (يو6 : 38). فأعطى المعنى الأسمى للطاعة وهي "ذبيحة"، إذ جعل موته ذبيحة طاعة. و"الطَّاعةُ خَيرٌ مِنَ الذَّبيحةِ" (1 صم 15: 22). ومن أطاع كلمة الله دخل في "عهد حب" معه، والعهد مرتبط بـ "الشريعة والقوانين" - التي هي خطوة حب وهبة الله للإنسان – المطبوعة في ضميره وطبيعته. وشريعتنا الجديدة هي "الروح القدس"، لأن الله: "سكب محبَّتَهُ في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَه لَنا" (روم 5 : 5). هذا الروح الذي يتعدى الناس والشرائع، لذا فلا هدف آخر للطاعة في حياتنا المسيحية سوى أن نربّي فينا "الإنقياد التام" إلى الروح القدس.

 

الطاعة "إرادة حرة" للسلطة والشركة:

   وهنا يدعونا الروح القدس لنقدم إرادتنا الحرة، لأن روح الله والحرية الإنسانية مترابطتان: "حَيثُ يَكونُ رُوحُ الرَّبّ، تَكونُ الحُرِّيَّة" (2 كور 3 : 17). فالحرية تريد أن تعلمنا ما تعلّمه الطاعة، فالطاعة تتطلب اشتراك إرادتين: "إرادة الرئيس" و "إرادة المرؤوس" في "إرادة الله". فليس المطيع سوى ذلك الإنسان القادر أن يقرر ما أُمر به، فانه بذلك يشترك في الإيمان والمحبة في تتميم إرادة الآب. إذ يكشف الآب عن إرادته للناس بواسطة أناس، فالكتاب المقدس يعلمنا بأن "السلطة" هي مشاركة لسلطة الله وخدمة في شعب الله. وهذه الحقيقة الأساسية  تتأكد خاصة في العلاقة الهيراركية (الرئاسة الهرمية)، وهذه تعني كما ورد في تعليم البابا بندكتس ترابطاً ثلاثياً: "الأول هو مع المسيح والدرجات التي أعطاها الرب لكنيسته؛ الثاني مع الرعاة الآخرين في شراكة الكنيسة الواحدة؛ وأخيراً الترابط مع المؤمنين الموكلين إلى الفرد، في ترتيب الكنيسة” (البابا بندكتوس 27 ايار 2010). لذا فالرؤساء زودوا بنعمة وسلطة القرار النهائي، وهم يؤدون خدمة، ويقودونها بأسم الرب. وبما أن خدمة السلطة هي طاعة، والطاعة هنا هي "شركة" و "مشاركة" لأنها ملتقى فعلين للشركة: "شركة المسؤول" و "شركة المؤمن" في إرادة الآب، فالقاسم المشترك بين الرؤساء والمرؤوسين هي الشركة في تتميم "إرادة الآب". فعلى الرؤساء أن يبذلوا الجهد لا لتطبيق قانون أو لفرض إرادتهم، بل لكي يميّزوا عمل الروح القدس في ومع ومن خلال إخوتهم؛ وعلى المرؤوسين ان يبذلوا الجهد، لا ليرضخوا لقانون أو لإرادة بشرية "فردانية"، بل لكي يميّزوا عمل الروح القدس في حياتهم الخاصة بهم من خلال الرؤساء الذين وشّحهم الرب بموهبة الخدمة. وفي هذه الشركة يتم الحوار بين الرؤساء والمرؤوسين، فتجعلهم يفضلون إرادة الآب على إرادتهم، وتوحّد الإنسان مع الله: "فما أَنا أَحْيا بَعدُ، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ" (غلا  2 : 20).

 

خلاصة القول:

   في الواقع إن "دعوة" الكاهن أو الراهب وطاعته ليست البحث عن إرادة الله فحسب، بل هي أيضاً تنازله عن حقه الطبيعي في أتخاذ القرارت الخاصة في الكنيسة، وقبوله الإصغاء والإنقياد بحسب تعليمات الرؤساء في إطار الحياة التي أختارها. وبهذا يموت عن نفسه – عن الأنا – ليعمل دوماً إرادة الله بحرية أكبر كما فعل الرب يسوع: "طَعامي أَن أَعمَلَ بِمَشيئَةِ الَّذي أَرسَلَني وأُتمِّمَ عَمَلهُ" (يو4 : 34 )، وكما طلب من أتباعه: "الَّذي يَخسَرُ حَياتَهُ في سبيلي يَجِدُها” (متى 16: 25). فالكاهن أوالراهب هو ذلك الذي أختار أن يطيع لا لمرة واحدة في يوم رسامته، بل طول حياته كلها. وكذلك الأسقف يعد في رسامته أن يسلك في الطاعة بأمانة للبابا خليفة القديس بطرس، حارس الطاعة للمسيح: و"ما من أحد يستطيع حقاً أن يرعى قطيع المسيح، إذا لم يعش طاعة عميقة وحقيقية للمسيح والكنيسة" (البابا بندكتوس 27-5-2010).

   صحيح إن الرؤساء زودوا بنعمة وسلطة القرار النهائي، وهم يؤدون خدمة القيادة بأسم الرب بـ "الطاعة"، وجب أن يدركوا بأن السلطة هي مهمة وألتزام يلقيه الرب على عاتقهم في الكنيسة، فهم مدعوين إلى خدمة النفوس المؤمنة لخيرها الأسمى. على أن تمارس هذه السلطة لا أنطلاقاً من "ذاتها"، بل بأسم يسوع المسيح الذي تلقى: "كُلَّ سُلطانٍ في السماءِ والأرضِ" (متى 28 : 18). وبنفس الوقت هم بحاجة إلى الحكمة والمركزية في الحكم والأختيار، لكن أن لا تتحول سلطتهم إلى "تسلط" فتذل "المرؤوسين" وتقمعهم. ولا إلى أستبداد بفرض الأوامر كيفما كانت، بل يجب أن تكون السلطة خدمة على مثال المسيح: "مَن أرادَ أن يكونَ عظيماً فيكم، فليكن لكم خادماً. وهكذا أبنُ الإنسان جاء لا ليخدِمَهُ الناسُ، بل ليخدِمَهُم ويفدي بحياتِهِ كثيراً منهم" (متى 20 : 26 - 28). لذا لا يجوز لمن يتقلد السلطة أن يعتبر نفسه صاحب حقوق وسلطات شخصية كي يطالب بالطاعة له، ولكن أن يحث المرؤوس – من خلال طاعته وخدمته – كي تتسنى لسلطة المسيح أن تظهر من خلاله، فهو "علامة" لهذه السلطة.      

   هذا من جانب، أما من جانب "المرؤوسين" .. فالطاعة للرؤساء هو تعبير عن الطاعة لله، والتي تعبّر عن الثقة البنوية بالله من خلال طاعتهم للرؤساء. ليس من منطلق الخضوع والخنوع أو من الخوف والعقاب، أو ألتماساً للإعجاب، بل من منطلق الضمير المسيحي والإيمان الحيّ بأن السلطة هي من الله: “فلا سُلْطَةَ إِلاَّ مِن عِندِ اللّه” (روم 13 : 1). وهي بدافع من الروح القدس يرى فيها – الطاعة – "علامة" الله، فطريق الطاعة في حركة تمضي من الله إلى الله.

   أنه لأمر مهم للغاية كي تنشأ علاقة تناغم وطيدة بين "الرؤساء والمرؤوسين"، يتحاشون فيها تطرّفين اثنين لا ثالث لهما:

نزعة التسلّط والتشدّد والتسيّب والتساهليّة من قبل "الرؤساء".

نزعة الأستقلالية والتحررية والتبعيّة والخضوعيّة من قبل "المرؤوسين".

   ولتوطيد آواصر هذه العلاقة بين الطرفين بنور الإنجيل وبروح الخدمة – خدمة الإنجيل والمؤمنين – ينبغي أن تتم بالحوار والوداعة والتواضع والثقة المتبادلة. فمن خلال هذه العلاقة المتفاعلة والشركة الكنسية  "بين الراعي والرعية"، ينكشف الصواب ويعلن الحق كي نختار إرادة الآب على إرادتنا، ويتوحد الإنسان مع الله. أنها العلاقة التي تعرف كيف تغفر عند الخطأ، تعرف كيف تتنازل عند الحاجة، تعرف كيف تحب في الوقت الذي يفقد الحب الحقيقي الباذل والمضحّي، تعرف كيف تفضل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. فغالباً ما يحدث سوء فهمٍ أو عدم تقبُّلٍ لقرار ما يقوم به الرّاعي، إلاّ أنّ علاجه هذا لا يتمّ عبر العصيان والتّشهير والتّذمُّر المستمرّ والانتقاد الهدّام، بل كما قال بولس الرّسول: "لتكن المحبّة غايتكم المنشودة" (1 كور 14 : 1). نعم بمحبّة، حتّى انتقادنا يجب أن يكون بمحبّةٍ بنّاءةٍ إحتضانيّة للآخر.              

 


  نبيــل جميــل سليمــان

    كندا - فانكوفر

  12-12-2014

 

 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5837 ثانية