بعد أن قطع الإنسان أشواطا في تمدنه وتحضره, وأطلق على الذي يربط بين البشر في المجتمعات المتحضرة بـ العلاقات الإنسانية ـ لاشتراكهم في حمل نفس الهموم والشجون والأحاسيس المتواجدة في أعماق كل إنسان.
في هذا الزمان يحاول الكثير من الناس، الهروب إلى عالم الطبيعة أو في الاعتكاف والانفراد بسبب الخوف من أخيهم الإنسان, لقتلهم قيم الإنسانية, وابتعادهم عن جوهر طبيعتها وما يحمله الانسان من معاني كثيرة وكبيرة لقدرات هائلة التي لا تنتهي إلا بانتهائه. ونجد طبيعة الإنسان الصحيحة تنحني مع النسمة أو تذوب من كلمة حب صادقة فتكشف أحاسيسه العميقة المدفونة رغم محاولات البعض في تسترها لكي لا تُرى أو يتحسسها الآخرون ــ ظنا منه انه ــ ربما ستؤخذ عليه نقطة ضعف، فـتستغل من قبل النفوس المريضة في بعض الأوقات أو الظروف .
هكذا يكون الكائن البشري الذي تأنسن بكل معاني الإنسانية طالما يتعامل مع كائنات تشبهه شكلا وجوهرا, بل ينبغي على الإنسان حتى عند تعامله مع الكائنات الأخرى، وبالأخص الغير ألأليفة، أن يراعي قدراتها ومؤهلاتها ويخلق معادلة لترويض غرائزها المضرة والمتخلفة بالنسبة الى الإنسان .
لنتأمل كم من الكائنات التي نطلق عليها بالإنسان يغطيها ثوب الحيوان المتوحش بتصرفاتها البشعة، متفوقة على الحيوان بغطرستها وقسوتها اللامعقولة. كلنا يعلم أن طبيعة الحيوانات المفترسة أنها تكتفي بقدر محدد في اغتنام قوت يومها، وبعدها بنفس غريزتها تستوقفها حينما تشعر بالشبع أو بالاكتفاء الذي ستجعلها مستمرة في الحياة , ولكن الإنسان عندما يفقد صفة الإنسانية, تتولد عنده رغبة للدمار والى الأفعال البشعة بسبب الجشع والأنانية والطمع ألا محدود يتجاوز حدود ومزايا التي عند الحيوانات المفترسة .
فالفرق واضح وكبير بين ما يقوم الإنسان المتمرد على الإنسانية وبين الحيوان المفترس الذي في طبيعته أن يكابد للحصول على الغذاء من اجل البقاء.
وما أسباب الظلم والحروب والتهجير والفساد المالي والإداري وغيرها الكثير، إلا نتيجة انحطاط الإنسان الذي كان بيده القرار أو السلطة والنفوذ.
فـكم هو الفرق بين هذين الكائنين, بين الكائن المفترس وبين المتوحش المتمثل بصورة إنسان, أليس الحيوان المفترس أرقى وأفضل منه بالمعايير الإنسانية في الصفات والوظائف ؟!
زاهر دودا / 17 ك الاول 2014