مغالطة خطيرة يقع فيها الكثيرين من الأخوة الكتّاب ومفهوم خاطئ جدا يتداول عند ذكر كلمة الهجرة والمُهجّر والتهجير والمهاجر .. في كتاباتهم وفي مقالاتهم وتعليقاتهم في مواقع الانترنيت او في صفحات الفيسبوك. وما جعلني ان اتطرق الى هذا الموضوع اكثر للمقالة التي قرأتها في الفيسبوك والشيء المهم الذي استنتجته ان ارواح البشر ومصيرها أصبحت لعبة تتقاذفها المصالح الشخصية وكلٌّ يسحب اليه طرف الحبل ويشده بقوة عسى ان ينال قدرا اكبر مما أمكن من الغنائم (الفريسة) وأقصد بالتحديد الشعب المسيحي المتواجد في الشرق الأوسط وخاصة في العراق وسوريا ، وفي النموذج المقتبس الآتي سأحاول تحليل الكلام الذي يتغافله الكثير لأن القارئ تشده الاضواء المسلطة على اللاعبين الكبار ابطال المشهد ويتناسون ان الضحايا من الكومبارس وما خلف الكواليس تتساقط ارواحها كأوراق الاشجار وتُحرق ويُتاجر بأجسادها بعد ان تقاذفتها الاقدار بدون أي مبالاة واهتمام لمشاعرها ولأحاسيسها الانسانية من المسؤولين والمعنيين بأمرها، لأنه هكذا يجب ان يكون المسؤول .
لن اتطرق في الشأن الكنسي وما يحصل من المشاكل والخصومات والانشقاقات من الطرد والعودة واحتواء البعض في سبيل اغاضة الآخر و و ..... ولكن الذي يهمني ان احوال الناس البسطاء اصبحت لعبة يتلاعب بمصيرها رغم ما تعانيه من هول الكارثة من الاضطهاد وبخسارتها كل ما كانت تملك وأصبحت مشردة تائهة تقارع الطرق ومحتارة عند أي باب تجد الرحمة والرأفة أو أي طريق تختار ليكون لها المختصر لعذابها ولمعاناة ابنائها الذين خسروا مستقبلهم وطموحهم، وتَبَخّرَ امل اولياء الامور بفقدان ابنائهم مقاعد الدراسة والتعليم .
في خضم كل هذه المأساة هنالك البعض ممن جعلها ارض خصبة يزرع فشل مشاريعه السابقة عسى ولعل ان تنجح وتتحقق مصالحه الشخصية الأنانية هذه المرة واضعا قضية شعبه المصيرية تحت اقدامه جاعلا منها جسرا ليصل الى طموحاته المريضة ان لم يكن يعمل لتحقيق مصالح الاجنبي.
كلنا نعلم قبل الاحداث الاخيرة بسبب غياب العدالة والتهميش واستعلاء الآخر وافتقار سهل نينوى تحديدا الى ابسط الخدمات الحديثة التي يحتاجها ليصبح نموذجا مثاليا لما كان يتمتع من اوضاع امنية مستقرة ليسير مع ركب التطور والحضارة مع بقية شعوب العالم وكنموذج في المنطقة كما حصل في الاقليم من التطور والازدهار.
وعلى اثر ذلك برزت اصوات وطُرحت افكار وقُدمت مشاريع منها جعل سهل نينوى وحسب الدستور الجديد بعد التغيير الى محافظة مستقلة اداريا كباقي محافظات العراق ، ولكنها كانت خجولة ومرتبكة معظم تلك الاصوات المطالبة واستُغلت المكونات المتواجدة في إدارة شؤون نفسها، ولم تُعط لها الفرصة لتأخذ على عاتـقها كامل المسؤولية في البناء والأعمار والحفاظ على امنها واستقرارها. بل ذهب الكثير في اجهاض هذا المشروع ووقف بالضد منه ، وسبب تذكيري بهذا الامر ، لأثبت ان تشرذم ممثلينا الروحانيين والسياسيين والعلمانيين بمختلف التسميات والمسميات وفشلهم أدى الى النتيجة التي اوصلتنا اليه بعد السادس من آب 2014 ، ولـــــــــو كانت امورنا قد رُتبت ونُظمت وكانت لدينا إدارة ذاتية تتخذ القرارات بحرية بدون املاءات لمصالح وأجندات الآخرين لكُنّا قد تجنّبنا صراعات الآخرين في جعل قضيتنا ومصيرنا وامننا ورقة يتلاعبون فيها حيثما تكون مصالحهم فقط.
اقتبس الفقرة التالية من المقالة التي في صدد تحليل احداها فقط :
"• هل استلم مار سرهد جمو الضوء الاخضر من قداسة البابا لتهجير 55 ألف من رعاياه الكاثوليك الكلدان الى امريكا، ام ان يكون قد بادر بمحض ارادته لتقديم طلبات هجرة مالا يقل عن 55.000 ألف بدون موافقة مرؤوسيه. ما هو أصل الخبر؟ " ( انتهى الاقتباس ).
وهنا اطرح عدة اسئلة وأترك القارئ العزيز ان يقارن ويدرك ما يدور من اجندات وغايات خاصة على حساب مصلحته ومصيره.
أولا ، ماذا تعني كلمة : لـتـهـجـيـر 55 الف من رعاياه الكاثوليك ... ؟!
ارى ان كلمة ( لتهجير ) غير مناسبة ولائقة بحق 55 الف انسان هم أحوج الى انقاذهم وانتشالهم من الوضع المزري الذي يعانوه، ان الذي قام بتهجير الرعايا المسالمين من بيوتهم هو التنظيم المتطرّف الاسلامي (داعش)، ومن تعاون معه وتواطأ في تنفيذ المؤامرة ضد شعبنا المسالم.
لم تراعي صياغة الجملة مشاعر الرعايا الكاثوليك الكلدان المهجرين قصرا من قراهم وبلداتهم وكأن الشخص المعني مار سرهد جمو هو من قام ويقوم بتهجيرهم ويقدم طلبات هجرتهم بمحض ارادته وبتصرفه الشخصي !!
ان اصل الخبر الذي يريده الكاتب هو ان كل هؤلاء الرعايا اصبحوا ورقة يلعبها الكبار وهم الخاسرون الوحيدون في هذه اللعبة اضافة الى خسارتهم لكل شيء وأصبحوا متشردين يفترشون هياكل البنايات الفارغة وفي الخيام البائسة ومن حالفه الحظ قليلا تحول منها وسكن في الكرافانات .
ثانيا ، ان فتح باب الهجرة لا يعني القيام بالتهجير بل بإنقاذ ارواح الناس لاستعصاء الحلول الاخرى وفقدان امل البقاء في الوطن طالما ان وجودهم مهدد في اية لحظة . في هذه الحالة ينبغي على المجتمع الدولي أن يفتح ابواب الهجرة لإنقاذهم واحتواء ازمتهم بأقرب مدة ممكنة بدلا من الخطب الفارغة من بعض قصيري النظر ربما لغاية في نفس يعقوب ولكنها على حساب الكرامة والشرف والأرواح البريئة، وكان الأجدر من المسؤولين المعنيين ان يتوسطوا لدى الهيئات الدولية والمنظمات الانسانية من اجل تسهيل معاملاتهم لتذليل معاناتهم بدلا من تركهم لتطيل مدة انتظارهم في المعاناة بعد ان عانوا سابقا عندما هُجّروا من بيوتهم واحتلّت بلداتهم وقراهم.
لا زالت بعد مرور خمسة اشهر من التهجير القصري لأبناء شعبنا بيد داعش وما لحق من دمار في أغلب الدور والمنازل والدوائر الخدمية ومن ضمنها ألكنائس.
وهنا سؤال مهم لو فرضا ان الذي تَهَجّر في الاحداث الاخيرة وانصاع لمطالب البعض في العودة والبقاء في الوطن ، فهل يعود ليسكن هو وأبنائه في الخيام أو في الابنية القديمة ينتظر رحمة من هذا أو ذاك والأهم من ذلك يبقى مصيره مجهول ولا يعلم في اية ساعة يغادر مرة اخرى هاربا ومرهوبا من المتطرفين ؟!.
الحقيقة
التي لمسناها ان البقاء في الوطن لم تعد توجد جهة مسؤولة رسمية أو غير رسمية تثق
بها وتُشعرك انك في امان وان مستقبل ابنائك مضمون وليس في المجهول ، وكذلك ان تداعيات
الهجرة أحلاها مر والعيش في المجتمعات الغريبة والمختلفة عنك سيكون ايضا مصير هوية
ابنائك وأحفادك في المجهول .
اذن من هو القائد المسؤول ليتصدى ويقود هذه الرعية من الهلاك في المجهول ؟؟؟
وسؤال اخير : هل سنشهد انتهاء المتبقي من وجود شعب كان ينتمي الى أعظم امة في الشرق الأوسط وسيذكر في التاريخ اننا في زمن المسؤول ....
لكي لا اطيل اختمها بجملة قالها الشيخ المجنون : " هم السابقون ونحن اللاحقون "
وكل عام وانتم سالمون .......
الموقع ادناه المقالة للفقرة المشار اليها اعلاه :
https://www.facebook.com/sami.gorges
زاهــر دودا / مُهَجَّـر
21 كانون الاول 2014