امتداداتنا الخليجية المُضطهدة
تمثل طبقة البدون الوجه الآخر لعذاباتنا الجنوبية الزاحفة نحو دويلات مجلس التعاون الخليجي، فقد تعاملت تلك الدويلات مع (البدون) وكأنهم خرجوا منذ أعوام من باطن الأرض، ثم اكتمل نموهم بعد اكتشاف النفط بين حقول برقان ورأس لافان. أو كأنهم هبطوا إلى الأرض من مدارات الضياع ليجدوا أنفسهم بلا حقوق ولا أمل ولا هدف. لا رجاء لهم في الحياة الدنيا إلا من رحمة الله، فتعاملوا وكأنهم عبارة عن أقوام بشرية. ظهروا فجأة من جوف الصحراء، وتسللوا قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم زحفوا نحو المدن الخليجية على شكل موجات خارجة عن السيطرة، ليعيشوا في ظل أبراج البترول من غير انتماء وبلا هوية.
آخر ما وصل إليه التعامل غير الإنساني. أن وزارات التربية الخليجية فقدت خصالها التربوية كلها، عندما منعت الطالبات المتفوقات من فئة (البدون) من المشاركة في الحفل الذي أقامته لكل المتفوقين من كل الجنسيات، لكنها سمحت بمشاركة الهنديات والإيرانيات والباكستانيات، ورفضت السماح لبنات البدون، وحرمتهن من ابسط استحقاقاتهن التربوية والإنسانية. .
تقول الأديبة والشاعرة المتألقة سعدية مفرح: (في الثمانينات أعلنت وزارة التربية الكويتية عن اسمي، فكرموني بصفتي الأولى على الكويت في الثانوية العامة مع أني بدون، والآن يحرمون المتفوقين البدون من التكريم في الحفل، الذي أقامته وزارة التربية. لقد كرموا الكويتيين والوافدين العرب، وكرموا الأجانب من كل الأديان والمذاهب، واستثنوا البدون وحدهم دون غيرهم).
ففي الوقت الذي يتظاهر فيه أمراء الخليج بتوجهاتهم العلمية والتربوية، المتمثلة بتبرعاتهم السخية لبناء الكليات والجامعات في كل بقاع الأرض. نراهم يحرمون (البدون) من فرص التعليم والتفوق. فالتجهيل والتهميش، وما لحقهما من محاولات جادة لشطب ألقابهم العربية الأصيلة من بطاقاتهم الأمنية، بهدف طمس هوياتهم.
لم يكن أبناء (البدون) يشعرون بهذا الفارق الرهيب بينهم وبين بقية زملائهم من حملة الجنسية الخليجية، ولم تكن وزارات التربية تتخلى في السابق عن دورها التربوي، وتتجاهل المعاني السامية لكلمة (تربية) بهذه الأساليب العنصرية المرفوضة، ولم نكن نتخيل أبدا أن التعامل السيئ مع أبناء الجنس البشري يصل إلى هذا المستوى المتردي. حتى جاء اليوم الذي وصل فيه الأمر إلى نشر الفكر المعادي للبدون بين تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية ؟. فهل ترضى الأمانة العامة للتربية والتعليم في جامعة الدول العربية بهذه الإجراءات التعسفية ؟. وهل ترضى منظمة اليونسكو بهذه الأساليب العنصرية المتفشية الآن في أروقة الوزارات الخليجية العنصرية ؟، وهل هبط أبناء البدون من كوكب المريخ في دورته الأخيرة حول الشمس حتى تدفعهم بلدوزرات تلك الدويلات نحو مسارات الأمية ؟، وهل يرضى الفقهاء ورجال الدين وأصحاب الحل والعقد بهذا الظلم السافر ؟.
الجواب الأكيد: نعم. فالمواقف الإنسانية والتربوية والتعليمية المزرية مسكوت عنها في البلدان النفطية، التي فتحت أبوابها على مصاريعها للقوى الدولية الغاشمة، ومسكوت عنها في البلدان التي سخرت موانئها ومنافذها الحدودية لفيالق البنتاغون وفلول الناتو، ومسكوت عنها في البلدان التي منحت جنسيتها لمن هب ودب من الرياضيين الفاشلين. ومن حسن حظ البدون إنهم على المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، وإلا لكانوا اليوم وراء الشمس، ولطاردتهم اللعنات الطائفية حتى قيام الساعة.
وللحديث بقية. .