أول تعليق من كاهن كنيسة سيدني عقب "الهجوم الإرهابي"      مصدر: والد المشتبه به في هجوم كنيسة سيدني لم يشهد أي علامات تطرف على ابنه      أستراليا.. الشرطة تؤكد الطابع "الإرهابي" لهجوم في كنيسة      السوداني يسعى إلى حل التداعيات الناجمة عن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين غبطة الكاردينال ساكو      العيادة الطبية المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية بيرسفي      مارتن منّا: هناك محاولات لإعلان التوأمة بين عنكاوا و وستيرلينغ هايتس الأميركية      اللقاء العام لمجلس الرهبنات الكاثوليكيّة في العراق/ أربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل السفير الفرنسي لدى جمهورية العراق      قناة عشتار الفضائية تتمنى الشفاءالعاجل للمطران مار ماري عمانوئيل      محافظ نينوى يزور مطرانية القوش      معرض ميسي يفتح أبوابه.. فماذا يمكن أن تشاهد؟!      تقنية ثورية.. زرع جهاز في العين قد يعالج مرض السكري      رئاسة إقليم كوردستان: نجاح الانتخابات يعتمد على مشاركة جميع الأحزاب والكيانات السياسية فيها      العراق.. أكثر من 27 ألف إصابة بالحصبة و43 وفاة بالمرض      خطوة عراقية أخرى باتجاه وقف إهدار ثروات الغاز المصاحب      فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة      السبب الحقيقي وراء انقطاع خدمات Meta المستمر      جدل حول آثار جانبية حادة لاستخدام الأدوية المضادة للذهان لتخفيف الزهايمر      مايلز كاغينز‏: الحوار حول استئناف تصدير نفط إقليم كوردستان سيبدأ قريباً      إلزام يوفنتوس بدفع 9.7 مليون يورو كرواتب متأخرة لرونالدو
| مشاهدات : 779 | مشاركات: 0 | 2015-02-26 15:22:47 |

الأجواء الحزينة والغاضبة لمؤتمر "الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ومستقبل الإيزيديين والمسيحيين في العراق"

د. كاظم حبيب

الحلقة الثالثة

زيارات ولقاءات وأحاديث على هامش المؤتمر

كانت الرغبة كبيرة لدى القادمين من خارج العراق ومن المحافظات الأخرى بالداخل في زيارة مخيمات النازحين قسراً والتاركين وراءهم أفراداً من عائلاتهم بين قتيل وأسير ومفقود أو امرأة مغتصبة أو مفقودة أو تم بيعها في سوق النخاسة "الإسلامي!" من قبل عصابات داعش وقطعانها. وكان هدفهم إبداء التضامن الأخوي مع النازحين قسراً وتأكيد تبني المؤتمر لقضاياهم العادلة والعاجلة والدفع باتجاه تحريك الرأي العام العالمي الصامت حتى الآن والمجتمع الدولي اللاهي عن مأساة البشر بالعراق، إضافة إلى ممارسة الضغط اللازم على المجتمع العراقي وعلى الدولة العراقية لصالح النضال من أجل تأمين:

1 . المساعدة الكثيفة والسريعة الضرورية وتعبئة الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية والفكرية لتحرير المناطق التي اجتاحتها عصابات داعش واستباحتها والتي ما تزال تمارس فيها القتل والأسر والعبودية والقهر والتطهير العرقي والتدمير الثقافي؛

2 . مساعدة النازحين قسراً بتحسين الظروف الكارثية التي يعيشون فيها وتوفير الخدمات الغائبة لهم ولأطفالهم ومعيشتهم من جهة، وتعجيل أمر عودتهم إلى مناطق سكناهم التي هجروا منها قسراً وتوفير مستلزمات عودة الحياة الطبيعية إلى تلك المناطق من جهة أخرى.

3. التخلص من النظام السياسي الطائفي والمحاصصة الطائفية باعتبارهما السبب وراء ما حصل بالعراق، إضافة إلى محاسبة من كان وراء كل ذلك وإعادة الاعتبار لمبدأ المواطنة الحرة والمتساوية والمشتركة واستعادة كرامة الوطن المستباحة.

واستجابة لهذه الرغبة نظمت اللجنة التحضيرية زيارة للمشاركين في المؤتمر إلى واحدة من البنايات الكبيرة غير مكتملة البناء (هيكل كونكريتي) التي وضعها مالكها تحت تصرف النازحين مجاناً ولفترة محددة، وهي التي تدخل ضمن ما يطلق عليها بالهياكل السكنية. وضع في هذا الهيكل عدد كبير من العائلات المسيحية النازحة من الموصل ومن سهل نينوى التي وزعت على شكل مخيمات داخل هذه البناية، إضافة إلى وجود حمامات مشتركة للجميع في أحد طوابق البناية. أوضاعهم المعيشية مزرية حقاً، كل عائلة لديها عدد غير قليل من الأطفال والصبية من البنات والأولاد يتحركون بين طوابق البناية دون هدف ولقتل وقت النهار الطويل، فهم يعيشون في فراغ قاتل ومشكلاتهم متزايدة ومتراكمة وتنشأ بين الأطفال والصبية لضيق المكان وانعدام جميع أشكال الخدمات الضرورية. وجوه صفراء متعبة تشير إلى سوء التغذية والمرارة والخسارة الفادحة التي أصابت جميع هذه العائلات القاطنة في هذا الهيكل المريع، ولكن هذه الوجوه الحزينة والرقيقة للنساء والأطفال والصبية تخفي وراءها قصص وحكايات كلها مرارة تثير الحزن والبكاء لدى رواتها وسامعيها، كما إنها تتساءل في الوقت ذاته: لماذا أنتم هنا؟ وماذا تريدون منا؟ وإلى متى ستزورونا وفود غير قادرة على مساعدتنا؟ لماذا لا يمر علينا أي مسؤول حكومي من بغداد أو من أربيل ليسألنا عن أوضاعنا رغم مرور ستة شهور على مأساتنا ووجودنا في هذه الهياكل البائسة؟ وإلى متى سنبقى هنا؟

كم كان حزيناً لأعضاء الوفد الزائر وهم يستفسرون من كل شخص يمرون به عن أوضاعه وعن الخدمات المتوفرة وعن حاجاته. إجابات الجميع واحدة عما يريدون: العودة أولاً إلى مساكنهم، وإلى ذلك الحين توفير ما هو ضروري. حين كان الزائر يقطع الممرات بين طوابق هذا الهيكل الكونكرتيي المسلح والبارد جداً، يجد في الممرات رجالاً أو نساءً يقفون أمام القطع السكنية الصغيرة التي خصصت لكل عائلة، وهي بالكاد تسع لنوم أفرادها معاً وجنباً إلى جنب (حشك) وكأنهم السردين. لقد كان أعضاء الوفد يشعرون بحرج النازحين وحزنهم العميق ويلعنون الظروف التي دفعتهم إلى ترك دورهم ومناطق سكناهم في تلكيف، قره قوش، كرمليس، برطلة، باطنايا، تلسقف، القوش وغيرها، ليعيشوا في مثل هذه الحالة المزرية وينتظرون بالرغم منهم من يمد يد المساعدة إليهم في حين إن العالم ما يزال غير منتبه إلى ماساتهم ومأساة المسبيين من بنات العائلات الإيزيدية في جبل سنجار وباعذرا وفي غيرها من المخيمات في دهوك وأربي والسليمانية أو في كربلاء والنجف. كانت الجولة حزينة ومؤذية للنفس وللنازحين في آن واحد. استفسر الزائرون عن عدد القاطنين في هذا الهيكل، وإذا هم بالآلاف حيث بلغ عدد العائلات أكثر من 420 عائلة، وعن المساعدات التي تقدم لهم، فهي والحق يقال نادرة وشحيحة، وعن أطفالهم ومشكلاتهم المتفاقمة التي لا تجد المرأة الأم أحياناً كثيرة الحليب الضروري لطفلها الرضيع وقد نشف الحليب في ثدييها لشدة وعمق الصدمة وسوء التغذية.

في واحدة من استراحات جلسات المؤتمر اقترب مني رجل يبدو على وجهه الحزن والكآبة، يتراوح عمره بين الخامسة والخمسين و الستين عاماً. سلم عليّ وصافحني سألني هل يمكن أن أقدم له نصيحة في قضية تشغله جداً؟ أجبته بعيوني إن كنت قادراً على تقديمها! قال أنا من عائلة إيزيدية ولدت في هذا البلد ولدي زوجة وأطفال وأعيش مع بقية العائلات النازحة في الأقضية والنواحي التابعة لمحافظة دهوك، العائلات التي تعرضت للكارثة إياها. أفكر الآن بواحد من الحلول التالية التي أعرضها عليك وأرجو أن تعطيني النصح، فأنا في وضع نفسي لا يطاق وأشعر بالقرف من هذه الحياة ولا استطيع أن أحسم أمري رغم أني متجه صوب الحل الأول: أفكر بالانتحار أولاً لأتخلص من هذه الحياة، وأفكر أن أقتل أفراد عائلتي ثم انتحر لنخلص جميعاً من هذا الوضع النفسي المدمر والمأساة المريرة التي لم نعد قادرين على تحملها، أو أن أجد طريقة للخروج مع عائلتي من هذا العراق الذي لا يريدنا ولا أدري ماذا سيحصل لنا بالخارج لأننا نذهب وكأننا نستجدي العالم في حين أن العراق واحد من أغنى بلدان العالم، أو أن أبقى في هذا البلد وأعاني الأمرين نفسياً وعصبياً وجسدياً كما عانى منه أجدادنا أيضاً وعلى مدى قرون كثيرة؟

لقد كان الطرح مفاجأة كبيرة لي، رغم تقديري بأن الإنسان حين يكون في وضع كالذي يعاني منه الإيزيديون والمسيحيون والشبك والتركمان وأهل الموصل حالياً وغيرهم يمكن أن تبرز لديه مثل هذه المشاعر والمحاولات الجادة لوضع حدٍ لحياته ومأساته!! وقفت حائراً أمام كرامة هذا الإنسان المجروحة، شعرت بكرامتي هي المجروحة أيضا، تذكرت أمام هذه المحنة الإنسانية قول المناضل الكبير والفقيد الغالي نلسون مانديلا التالي: "ليس حراً من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة". انهمرت الدموع من عينيي صاحبي، وانتقلت العدوى لي، سكت للحظات ولم استطع النطق واحتجت إلى فترة لكي أقدم له النصح الذي ربما لا يغني ولا يسمن. قلت له أخي العزيز: لو انتحرت، فأنك ستحقق رغبات القتلة الذي غزو العراق وكل الأوباش الذين يمارسون التمييز بين البشر ويقتلون على أساس الدين أو الهوية الدينية والمذهبية والفكرية! إذا قتلت عائلتك وانتحرت بعدها ستنشر الفرحة في نفوس أولئك الهمج الرعاع الذين اجتاحوا العراق واستباحوا الناس، ستنجز لهم جزءاً من الأهداف الخسيسة التي جاءوا إلى العراق من أجلها. فهذا ما ينبغي أن تبتعد عنه كلية وهو ليس من شيمتك. لك كل الحق في التحري عن مكان أمن لك ولعائلتك داخل أو خارج العراق، ولكن حين تخرج من العراق أنت وأفراد عائلتك سيتحقق لهم في الوقت ذاته أحد أهدافهم الشريرة، ممارسة "التطهير العرقي والثقافي"، وهو أحد أشكال ممارسة الإبادة الجماعية والتجسيد الفعلي لها. نصيحتي لك أن تبتعد عن الحلين الأول والثاني لأنهما ليسا بحل بل كارثة إضافية، ولكن دعنا نعمل لكي تبقى وعائلتك في هذا الوطن المستباح ونعمل على إعادة التوازن للبشر فيه ممن فقدوا بوصلة المواطنة والوطن وغاصوا في الهويات الفرعية القاتلة, في التمييز الديني والطائفية السياسية المقيتة.

ألقى عليَّ نظرة بعينين دامعتين ملئها الحزن والألم، قبلني وغادر المكان! لقد كان إنساناً رائعاً بمعنى الكلمة، لم يستح من البكاءإ إذ به يجد ما يخفف من معاناته ووطأة الضغط النفسي والعصبي، لقد أبكاني هذا الإنسان الطيب حقاً وأحزنني طيلة ذلك اليوم وما بعده ولا يمكن أن أنسى وجهه الحزين بشاربيه الكثين الذين صبغهما البياض بوقت مبكر. لا أعرف كيف سيتصرف وأي من الاحتمالات التي عرضها عليَّ سينفذ، ولكني شعرت بأن بعض القناعة الإنسانية قد تجلت في عينيه الدامعتين!

لم يمر على هذا الحدث الحزين سوى ساعات حتى فوجئ صديقنا الفاضل الأستاذ زهير كاظم عبود, ونحن في دعوة عشاء من صديق إيزيدي فاضل في مركز الأكاديمية في عنكاوا، بحادث مماثل. جاءه النادل وسلَّمه رسالة من أحد ضيوف المركز في طاولة مجاورة. حين فتح الرسالة وجدها تتضمن المعلومة التالية: شاب في أوائل العشرينات من عمره، طالب جامعي من النازحين الإيزيديين يفكر بالانتحار ووضع نهاية لحياته المريعة التي يعيشها بالعراق وتحت وطأة عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ولا يعرف مصير أفراد عائلته. تحدث الأستاذ زهير معي ومع الصديق العزيز الأستاذ نهاد القاضي حول الموضوع. أشار النادل إلى المنضدة التي يجلس عليها صاحب الرسالة. نهض الأستاذ زهير كاظم عبود وذهب إلى تلك الطاولة وتعرف على مجموعة من الشباب وهم في مقتبل العمر، وكأنهم جميعاً يفكرون بنفس الطريقة التي عرضها صاحب الرسالة ويسعون إلى تنفيذها. تحدث معهم طويلاً، وهو الرجل الحصيف وصاحب تجارب غنية وقاض واجه الكثير من الحالات الحزينة في مجتمع مليئ بالكوارث والمآسي. بعدها عاد إلينا. لم يتأخر الزميل الأستاذ نهاد القاضي، إذ سارع وذهب إلى ذات الطاولة وتحدث مع الشباب طويلاً حاملاً لهم ما يمتلكه من حيوية الشباب وآماله وأحلامه وقدرته في التغلب على الصعاب، ثم عاد إلينا ليقول، كما قال الزميل زهير بأنه حاول أن يقنع الشاب، ومن خلاله بقية الشباب، إلى الخطأ الفادح في وجهة تفكيرهم وأهمية التفكير في سبل أخرى لمواجهة الأزمة وهم في مقتبل العمر، إذ أنهم ينفذون إرادة الأوباش حين يقدم أحدهم على الانتحار ليهرب من واقعه ومن الأزمة التي يعيشها. قبل مغادرة الشباب للمركز جاءوا إلى طاولتنا، وشكروا الصديقين على نصائحهما وودعونا بأمل التخلي عن فكرة الانتحار.

التساؤلات التي أصبحت تحول في داخل قحوف رؤوسنا:  هل إن هاتين الحالتين استثناءً أم أن هناك الكثير من هذه الحالات التي لا نسمع بها، وهل هذا نزوع متنام بهذا الاتجاه لدى الناس النازحين ومن مختلف الأعمار؟ وكم من النساء قد أجبرن على الانتحار أو انتحرن فعلاً تحت وطأة المأساة؟ وكم من النساء قتلن ولم نسمع عنهن نتيجة الأحداث المأساوية بالرغم من الفتوى الصادقة والمهمة التي أصدرها الإنسان الطيب وكبير شيوخ الدين الإيزيديين بابا شيخ بمنع قتل النساء الإيزيديات اللواتي تعرضن للاغتصاب؟ وهل هناك تسجيل لحالات انتحار بعض الشباب النازح من البنات والأولاد ممن يعاني من أزمات نفسية وعصبية عميقة وكآبة مستفحلة؟ كل هذه الأمور بحاجة إلى متابعة حكومية ومدنية مستمر، بحاجة إلى معالجة، فهل لدى العراق مقومات معالجة كل ذلك؟

من هنا يأتي المطلب العادل والإضافي الخاص بإيجاد مراكز للبحث والطب النفسي بدهوك وأربيل والسليمانية وغيرها لمعالجة الناس الذين يعانون من أوضاع نفسية وعصبية ومن كوابيس مستمرة، إضافة إلى إجراء الدراسات النفسية والاجتماعية للنازحين قسراً ومساعدة النساء العائدات واحتضانهن في بيوت خاصة بهن في حالة رفض عائلاتهن استقبالهن أو مخاطر تتهدد حياتهن لأي سبب كان.

ومثل هذا الأمر يتطلب من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المرأة وحقوق الإنسان التحرك بهذا الاتجاه للضغط على المسؤولين العراقيين والأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومؤسسات علم النفس للمساعدة في توفير المختصين لهذا الغرض وتأمين الأموال الضرورية للأبحاث والمعالجات. 

انتهت الحلقة الثالثة وتليها الحلقة الرابعة


24/2/2015          كاظم حبيب                      

  .

     

           

 

                 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5874 ثانية