لم تتعرض الأمة العربية في يوم من الأيام لمثل هذا التمزق والضياع، الذي تمر به اليوم بعدما فقدت أمنها واستقرارها، وبعدما أضاعت هويتها ومستقبلها في ظل الأنظمة العربية الشريرة المتآمرة علينا، وفي ظل مشاريع متهورة تبنت فيها زرع الخلافات والفتن، وكان لها الدور الأكبر في تعميق وتوسيع فجوات التنافر والتباعد بين الحجازي والشامي، وبين الكوفي والقبطي، وبين النوبي واليماني، وبين الوهراني والموريتاني.
بعضي على بعضي يجرد سيفه
والسهم مني نحو صدري يُرسل
النار توقد في خيام عشيرتي
وأنا الذي يا للمصيبة أشعل
كانت أصواتنا تصدع في طفولتنا بكلمات نشيد الوحدة العربية الذي كتبه الشاعر (فخري البارودي)، ولحنه (الأخوان فليفل):
بلادُ العُربِ أوطاني من الشامِ لبغدان
ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصرَ فتطوانِ
فلا حدٌ يُباعدنا ولا دينٌ يفرّقنا
لسانُ الضَّادِ يجمعُنا بغسّانِ وعدنانِ
لنا مدنيةٌ سلفت سنُحييها وإن دُثرت
ولو في وجهنا وقفت دهاةُ الإنس والجان
لكننا عندما كبرنا وجدنا عفاريت البنتاغون ودعاة الفتن التكفيرية الضالة يحملون معاول التفريق والتقسيم والتشتيت والتفكيك والتجزئة، فتبعثرت كلمات البارودي في عواصف البارود العربي المتفجر في كل مكان، لتصبح بهذه الصورة المأساوية البائسة:-
لا نجد
نجدي ولا تطوان تطوان
من قال إن بلاد العرب أوطاني
أنا الغريب وأسعى في مناكبها
لا الشام شامي ولا بغدان بغداني
ثم جاء الشاعر المصري الشاب (مصطفى الجزار) ليقرأ قصيدة الوجع العربي في مسابقة أمير الشعراء. ويستفز لجنة التحكيم بكلماتها الوطنية التي تعكس مرارة مرحلة الضياع التي تبددت فيها أحلامنا كلها. قال مصطفى:-
كَفكِف دموعَكَ وانسحِب يا عنترة فعيون عبلةَ أصبحَت مُستعمرة
لا ترجُ بسمةَ ثغرِها يوماً فقد سقطت من العقد الثمين الجوهرة
قبّل سيوفَ الغاصبين ليصفحوا واخفِض جَنَاحَ الخِزيِ وارجُ المعذرة
وابعث لعبلة في العراق تأسُّفاً وابعث لها في القدسِ قبلَ الغرغرة
عَبسٌ تخلت عنك هذا دأبُهم حُمُرُ - لعمرك – كلها مستنفرة
يا ويح عبسٍ أسلما أعدائهم مفتاح خيمتهم ومَدّوا القنطرة
في الجاهلية كنت وحدك قادراً أن تهزم الجيشَ العظيمَ وتأسره
لن تستطيع الآن وحدك قهره فالزحف موجُ والقنابلُ ممطرة
ضاعت عُبيلةُ والنياقُ ودارُها لم يبق شيءٌ بعدها كي نخسره
وأخيراً وليس آخراً نختتم نشيد التشرذم العربي بهذه الأبيات الحزينة التي قالها حكيم الشعراء (دعبل الخزاعي) وهو يعاتب سلمى في خضم المتاهات العربية القديمة:
لقد عجبتْ سلمى وذاكَ عجيبُ : رأت بي شيباً عجلته خطوبُ
وما شيبتنْي كبرة ٌ غير أنني بدهرِ به رأسُ الفطيمِ يشيبُ
والله يستر من الجايات