العيادة الطبية المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية بيرسفي      مارتن منّا: هناك محاولات لإعلان التوأمة بين عنكاوا و وستيرلينغ هايتس الأميركية      اللقاء العام لمجلس الرهبنات الكاثوليكيّة في العراق/ أربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل السفير الفرنسي لدى جمهورية العراق      قناة عشتار الفضائية تتمنى الشفاءالعاجل للمطران مار ماري عمانوئيل      محافظ نينوى يزور مطرانية القوش      زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش      تعرض الأسقف مار ماري عمانوئيل للطعن داخل كنيسة في استراليا      كنيسة ماريوسف تحتفل برسامة شمامسة وشماسات من أبناء خورنتها / الشيخان      المدير العام للدراسة السريانية يقدم التهاني لمعالي وزير التربية      مفاجأة ... 5 أنواع من الفواكه تحتوي على نسبة عالية من البروتين      نتائج بطولة (رواد برطلي الثانية) بكرة القدم الخماسية – يوم الثلاثاء      نيجيرفان بارزاني: الوضع في الشرق الأوسط مرشّح للأسوأ إن لم يبدأ حوار بين جميع الأطراف      10 الاف عن كل يوم.. البرلمان ينظر بمقترح "بيع الحريّة" للمحكومين      عقوبات أميركية جديدة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل      “نيدو” و”سيريلاك” لهما طعم آخر بالبلدان الفقيرة! تقرير يتهم “نستله” بالتمييز بين أطفال العالم      سان جيرمان يعبر برشلونة إلى نصف نهائي أبطال أوروبا      سفير الاتحاد الأوروبي: زيارة نيجيرفان بارزاني الأخيرة الى بغداد مهمة      نتائج بطولة (رواد برطلي الثانية) بكرة القدم الخماسية – يوم الاثنين      5 سنوات على حريق كاتدرائية نوتردام، و90% نسبة إنجاز عملية الترميم
| مشاهدات : 1460 | مشاركات: 0 | 2015-08-02 19:17:24 |

قراءة في كتاب "من يزرع الريح... " للدكتور ميخائيل لودرز

د. كاظم حبيب

كاظم حبيب


الحلقة الثانية (2-3)


واشنطن والرياض هما من ساعدا على ولادة القاعدة وما انبثق عنها

يقدم لنا الكاتب الدكتور ميخائيل لودرز عرضاً تحليلياً شيقاً عن دور كل من الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية وباكستان ودول أخرى وأموال أغنياء وشيوخ الدول النفطية وغيرهم في بروز وتنامي الفكر التكفيري المتطرف والإرهابي بمنطقة الشرق الأوسط ودول ذات الأكثرية المسلمة وبالعالم. ولهذا الغرض يعود بنا إلى الوراء، إلى فترة الحرب الباردة ودور الولايات المتحدة في محاولتها للتوغل والهيمنة على أفغانستان في النصف الثاني من العقد الثامن، مما دفع الدولة السوفييتية إلى التدخل العسكري وحماية النظام السياسي الأفغاني في العام 1979. وكان قرار التدخل خاطئاً. وكان نشر أخبار التدخل الأمريكي قبل ذاك فخاً هيأته الولايات المتحدة للاتحاد السوفييتي على حسب ما جاء في لقاء صحفي مع مستشار الأمن القومي السابق بزيغينيو بريجنسكي (الكتاب ص 25) . لقد استنزف التدخل غير المشروع طاقات كبيرة جداً من الاتحاد السوفييتي، فقد سقط الكثير من الضحايا وتحمل السوفييت خسائر مادية كبيرة جداً، كما إنه ساهم في توسيع قادة البيروقراطية والفساد وأضعف الدولة وقدراتها وثقة الشعب بها, ثم ساهم في تهيئة الأرضية الإضافية لانهيار الدولة السوفييتية التي كان قد بلغ عمرها حينذاك 72 عاماً.

ومن أجل مواجهة الاتحاد السوفييتي بأفغانستان وفي المنطقة بأسرها فتحت الولايات المتحدة القارورة ليخرج منها القمقم الإسلامي الوهابي الذي يكفر كل الأديان الأخرى والمذاهب الإسلامية كافة إلا مذهبه الحنبلي الوهابي وتحالفت مع السعودية لا في سبيل حماية النظام وتأمين استمرار الحصول على النفط الخام وتوظيف الأموال السعودية في بنوك الولايات المتحدة فحسب، بل وفي حربها ضد حركات التحرر الوطني والأحزاب الشيوعية بالمنطقة والاتحاد السوفييتي. كما تحالفت مع باكستان التي كانت لها علاقات قوية مع التنظيمات الإرهابية حينذاك، فنشطت بذلك جميع الكتل الإسلامية السياسية الإرهابية العاملة بأفغانستان وباكستان، ومنها فيما بعد طالبان، إذ لعبت الإدارة الأمريكية دوراً رئيسياً وأساسياً في إيصال السلاح والعتاد والتدريب على استخدامه وتقديم الدعم اللوجستي، وكل ذلك بأموال السعودية على نحو خاص وبتوجيه خاص ونشاط متميز لوكالة المخابرات الأمريكية وعملائها بالعالم.

المطلع على واقع المملكة العربية السعودية والمذاهب الدينية في الإسلام يعرف بأن المملكة العربية السعودية قد التزمت بالفكر الوهابي، أي الفكر الديني المنبثق في الأصل عن المذهب السني الحنبلي المتشدد أصلاً، وعن فكر واجتهاد وفتاوى أبن تيمية المحافظ والسلفي المتشدد والذي تبناه محمد عبد الوهاب (1703/1704-1792م) وأرسى أسسه بالجزيرة العربية. وهو فكر متطرف وتكفيري، إذ يرفض كل الديانات الأخرى دون استثناء عدا الإسلام، وبالتالي يكفر أتباع الديانات الأخرى، كما يرفض كل المذاهب الأخرى في الإسلام، عدا الفكر الوهابي، ويكفر أتباع بقية المذاهب ويمارس التسلط والعنف بكل أشكاله ضد أتباع تلك الديانات والمذاهب، بما في ذلك منح أتباعه الحق في القتل وفي السبي والاغتصاب للنساء، لتحقيق أهدافه في إخضاع كل المسلمين إلى وجهته في المذهب، إلى الاجتهاد الوهابي التكفيري والعنفي المتطرف. ويذكرنا الكاتب بهذا الصدد ما فعله الوهابيون السعوديون بكربلاء والنجف في العام 1801، حيث قام الغزاة القادمون من الجزيرة العربية بقتل وسبي واغتصاب ونهب المدينتين بسبب إن سكان كربلاء والنجف من أتباع المذهب الشيعي والذين يعتبرونهم رافضة، أي رافضة للخلفاء الراشدين الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان، وإن من يستشهد من أتباع الفكر الوهابي في مثل هذه المعارك يدخل الجنة مباشرة وهو ما يبشر به اليوم أتباع القاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات الإسلامية السياسية المتطرفة والتكفيرية. ويضاف إلى العداء الذي يحمله الوهابيون ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، موقفهم الديني المتطرف من المرأة، فهي ليست ناقصة عقل فحسب، بل هي الشيطان حين تكون في خلوة مع رجل. فهي ناقصة عقل ويفترض أن تكون خاضعة بالكامل للرجل ولا يجوز ظهورها في المجتمع سافرة أو دون حجاب، ولا يحق لها قيادة سيارة أو دراجة هوائية أو دراجة بخارية ...الخ ولا يجوز لها ارتداء ملابس يمكن ويتصور الفكر الوهابي المريض إنها مغرية للرجال. والصيغة الفعلية للمدرسة الوهابية في الموقف من المرأة ما نجده في فرض الغطاء الكامل (البرقع) الذي تتستر به المرأة الأفغانية. ويمكن للتعليمات التي أصدرتها داعش بالموصل حول المرأة ومضامين شريعتهم تتطابق تماماً ودون أي تغيير مع شريعة الوهابيين السعوديين. إن الفكر الوهابي هو فكر القاعدة وداعش بما في ذلك الموقف من المرأة وحجابها وهم يستندون إلى شيوخ دين متزمتين ومناهضين لحرية المرأة ومنهم الغزالي الذي قال: " لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات" .. ، وقال ابن حجر:" العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال "، وكأن النساء جرثومة ضارة تفتك بالرجال.  

يمر الدكتور ميخائيل لودرز على المحطات الأساسية لتاريخ العائلة والدولة السعودية الحديثة التي تأسست في 23 أيلول/سبتمبر من عام 1932 ويشير إلى دور الفكر السلفي الوهابي في التربية والتعليم وفي المدارس الدينية وغير الدينية بالمملكة السعودية من جهة، وتلك المدارس والأكاديميات التي فتحتها الدولة السعودية في غالبية الدول ذات الأكثرية المسلمة، ومنها بشكل خاص في باكستان وإندونيسيا وأفغانستان، وكذلك بالدول العربية والأوروبية والتي تدرس فيها أسس الشريعة الوهابية المتشددة والتكفيرية والتي خرجت مئات ألوف الطلبة المتطرفين والمستعدين لقتال أتباع الديانات والمذاهب الأخرى بالسعودية وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا والسودان ومصر ودول الخليج وغيرها. لقد فتحت تلك المدارس والأكاديميات بأموال سعودية ومعلمين من السعودية وبكتب تربوية ودينية سعودية متطرفة التزمت بالتعاليم الوهابية في الدين. ومن هنا يكشف المؤلف بصواب حين أشار إلى إن عدد المشاركين من أتباع تنظيم القاعدة في تنفيذ العمليات الإجرامية في الولايات المتحدة الأمريكية في 11 أيلول/سبتمبر 2001 كانوا 19 شخصاً من العرب المسلمين الوهابيين فكراً وممارسة منهم: 15 سعودي، 2 إماراتيين و1 مصري و1 لبناني. كما إن القائد الأول لتنظيم القاعدة هو السعودي أسامة بن لادن الذي تربى عسكرياً على أيدي الأمريكيين وفكرياً وثقافياً على الفكر الوهابي المتطرف. وجميع قادة القاعدة وداعش هم من أتباع الفكر الوهابي، حتى البعثيين الذين التحقوا بداعش التزموا بممارساتهم الشرسة بالفكر الوهابي، إضافة إلى فكرهم البعثي الفاشي والسادي.   

حين انتهى انتصار القوى الإسلامية السياسية المتطرفة في أفغانستان وانسحاب القوات السوفييتية وسقوط نظام الدكتور نجيب الله وإعدامه فيما بعد هيمن الطالبانيون الوهابيون بقيادة الشيخ عمر على أفغانستان واحتضنوا أسامة بن لادن، ومنهم نشأ تنظيم القاعدة أو قاعدة الجهاد في الفترة بين 1988-1990. وقد أعلن التنظيم جهاده ضد الوجود الأجنبي ومصالحه وسفاراته في دول العالم الإسلامي. وهنا يمكن القول بأن السحر انقلب على الساحر، إذ من أفغانستان ومن حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وأبناء التنظيم الوهابي، برمج تنظيم القاعدة ونظم ونفذ كل العمليات الإرهابية التي قادها التنظيم ضد المصالح والسفارات الأمريكية وبشكل خاص في دار السلام (تنزانيا) ونيروبي (كينيا) في العام 1998 في آن واحد وفي الذكرى السنوية الثامنة لدخول القوات الأمريكية إلى السعودية، ومن ثم جرائم 11 سبتمبر 2001. وهنا يشير الكاتب بصواب تام إلى إن واشنطن والرياض هما القابلة التي ساعدت على ولادة القاعدة، وهما اللتان وفرتا الأرضية الصالحة لبروز ونمو داعش وبالتعاون الوثيق مع تركيا وقطر وبعض دول الخليج وشخصيات وجماعات إسلامية في مختلف بقاع الأرض.

يمنح الكاتب الكاتب في دراسته أهمية خاصة لتقديم الأدلة القاطعة والمقنعة على الدور الكبير والأساسي الذي لعبته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها (السعودية  وتركيا وإسرائيل وقطر وغيرها) بمنطقة الشرق الأوسط في نشوء وتطور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) من خلال السياسات الأمريكية والفكر الوهابي السعودي والأموال السعودية والخليجية عموماً والدعم اللوجستي التركي في مسألتين رئيستين هما:

أولاً: يتساءل الكاتب عن حق عن مضمون الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد إسقاط النظام الدكتاتوري البعثي وصدام حسين ببغداد. ويجيب عليها بنقاط نلخصها فيما يلي:

** الفراغ الكبير الذي نشأ بغياب السلطة المركزية وتفشي الفوضى والعبثية والنهب والسلب للوزارات والمؤسسات والمتاحف والمكتبات ودور مئات المسؤولين البعثيين التي كانت تتم تحت سمع وبصر ورضا الجنود والضباط الأمريكان. ولم يكن أي اهتمام من جانبهم لما كان يحصل في ما عدا حمايتهم لوزارة النفط العراقية! وقد عانى الناس من نقص شديد في الخدمات بسبب العواقب التي نجمت عن الضربات الجوية والمدفعية التي دمرت البنية التحتية كالماء والكهرباء والكثير من المؤسسات والمدارس وغيرها ولوثت بذلك الأرض والماء والسماء والإنسان.

** الدور الذي لعبه باول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي والمستبد بأمره الذي شكل مجلس الحكم الانتقالي ولم يسع للتعاون مع القوى العلمانية بل ركز على إقامة الحكم الطافي والمحاصصة الطائفية والتي أسست لنشوء وتفاقم صراع طائفي بين القوى والأحزاب السنية والشيعية والتي أدت إلى القتل على الهوية في الصراع من أجل السلطة والمال والجاه. وفي مثل هذه الأجواء ظهر ونما دور تنظيم القاعدة بالعراق ومن ثم نشأ عنه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

** وأخيراً يطرح الكاتب العامل الثالث والجوهري مشيراً إلى قرار حل الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والاستخبارات العراقية وفدائيي صدام حسين والحرس الجمهوري وتركهم جميعاً في الشوارع دون رواتب أو رقابة ودون مسؤوليات، مما دفع ب بالكثير منهم، وبشكل خاص البعثيين منهم، إلى التحول صوب مواقع المقاومة العسكرية المسلحة، وخاصة بعد إعلان احتلال العراق بقرار من مجلس الأمن الدولي...الخ. ويشير هنا إلى إن السياسات التي مارسها باول بريمر في تقسيم الحكم بين الشيعة والسنة والكُرد والتمييز الذي مارسه قادة الأحزاب الشيعية إزاء السنة وبشكل خاص في فترة حكم نوري المالكي (2006-2014) قد كانت هذه السياسات السبب المباشر وراء نهوض أو تصاعد المقاومة السنية للحكم الشيعي والتي ساعدت على نمو تلك القوى التكفيرية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وداعش نتيجة ممارسته سياسة طائفية ممعنة في التشدد وإبعاد السنة عن ممارسة الحكم بشكل سليم. وأصبحت مجاميع من السنة حاضنة لهذه القوى المتطرفة وحامية لها. ويحمّل الكاتب بصواب المليشيات الشيعية المسلحة مسؤولية المشاركة الفعالة في نهوض المقاومة السنية المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي لعبت دوراً كبيرا فيما بعد وخاصة في أعوام 2011-2014. وهنا يؤكد الكاتب الفجوة الواسعة والعميقة بين الإدعاء بالحرية والديمقراطية وواقع الصورة المشوهة لهما التي برزت بالعراق خلال هذه الفترة وسكوت الولايات المتحدة عن كل التجاوزات التي حصلت من قبل رئيس الحكومة نوري المالكي على  الدستور والحقوق والأعراف. وهنا تتشكل بوضوح اللوحة المشوهة التي تجسد التناقض الفظ بين سياسات الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق وادعائها الفارغ بأنها تريد نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد مارست الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد الفترة التي وجدت قواتها بالعراق سياسات مناقضة لكل ذلك ومنها الممارسات اللاإنسانية في سجن "أبو غريب"، حيث مورست أبشع أشكال التعذيب الوحشي الذي لا يمت حتى لفصيلة الحيوانات بصلة مع المعتقلين العراقيات والعراقيين والأطفال في آن واحد. إنها وصمة عار أبدية في جبين الإدارة الأمريكية إدارة بوش. والغريب بالأمر أنهم لم يعتذروا عن ذلك حتى الآن!! ومن هنا يأتي الطلب العادل والجرئ الذي يطرحه الدكتور ميخائيل لودرز بتقديم جورج دبليو بوش وديك جيني ودونالد رامسفيلد وبول بريمر والجنرال ديفيد بتريوس والجنرال ريكاردو سانشيز وقادة سياسيين وعسكريين أمريكيين آخري، إضافة إلى رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، إلى المحاكمة أمام محكمة العدل الدولية ومحكمة حقوق الإنسان لينالوا عقابهم جراء ما تسببوا به للعراق وشعبه.

ثانياً: الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في الموقف من النظام السوري وبشار الأسد والمعارضة السورية والتي سارت وراء، أو ربطت سياساتها بسياسات تركيا والسعودية وقطر التي التزمت بتنشيط المعارضة الدينية المتطرفة والتكفيرية الوهابية وتلك التي ارتبطت بقطر وتركيا مباشرة ولم تمنح نفسها فرصة الاستقلالية في نضالها من أجل دحر النظام الدكتاتوري في سوريا. كما يرى الكاتب لودرز بأن ليس كل الشعب السوري انتفض على النظام البعثي الاستبدادي القائم بسوريا، وهذا صحيح، ولكن هذا لا يعني بأن موقف القوى المدنية والعلمانية الديمقراطية من النظام السياسي البعث الاستبدادي كان خاطئاً في الانتفاضة السلمية الأولى على النظام ولكن رفض النظام الاستجابة لمطالب غالبية الشعب هي التي وفرت الأرضية للفوضى والعبثية والموت والتدمير الراهن في أغلب المدن السورية وأريافها.

لم ينطلق موقف الدول التي ناهضت النظام السوري الحالي ديمقراطي أو في صالح الشعب السوري، بل انطلق من مصالح تلك الدول. وهي المسألة التي كان لا بد للقوى الديمقراطية المدنية أن تنتبه له. وكان لتلك الدول العربية زائداً تركيا تأثيراً مباشراً على الوضع بسوريا باتجاهين هما: 1) الإمساك بخيوط الجيش السوري الحر والتحكم به وبإمكانياته في الحصول على الموارد المالية والسلاح والتجييش من جهة، والعمل الدؤوب على دعم وتعزيز وجود ونشاط قوى الإسلام السياسي المتطرفة والتكفيرية المناهضة للنظام السوري من جهة أخرى. كما إن قوى الإسلام السياسي التكفيرية والدول العربية وتركيا الحاضنة لها يقفان على طرفي نقيض مع القوى المدنية والديمقراطية السورية ومناهضتان لها في كل الأحوال. أي إنها كانت تناهض قوى ونشاط الجيش السوري الحر وتحد من إمكانياته وحركته فعلياً. هذا الواقع قد أدى إلى تغيير سلبي في موازين القوى في غير صالح الجيش السوري الحر والقوى الديمقراطية السورية وعزز في الوقت ذاته القوى التكفيرية مثل داعش وجيش النُصرة، كما أن نظام بشار الأسد لم يسقط، كما توقعت تركيا وقطر والسعودية ودول خليجية أخرى، وكذا الولايات المتحدة الأمريكية بل صمد حتى الآن بفعل دعم إيران وروسيا والصين الشعبية. ويشير الكاتب إلى إن المأزق قد تفاقم حين تشكل معسكران أحدهما على الصعيدين الإقليمي والدولي، أحدهما يؤيد بشار الأسد وبقاءه في الحكم ويمنع سقوطه، والآخر يعمل على إسقاطه دون جدوى. كما إن الولايا المتحدة تخشى من انفلات الوضع كلية، وكأنه الآن غير منفلت، لصالح القوى التي ساعدت على نشوئها وتطورها، والمقصود هنا قوى الإسلام السياسي التكفيرية المتطرفة. والخشية تمس إسرائيل التي لا تعرف تماماً كيف ستتصرف إن خلا الجو لها بسوريا إزاء الجولان وعموم فلسطين، رغم إن هذه القوى لم تتحرش حتى الآن بإسرائيل بل كان عملها كله موجه ضد الشعوب العربية.

ويؤكد الكاتب بشأن الوضع بسوريا إن الحلول العسكرية غير قادرة على حسم الموقف لصالح أحد الأطراف الأربعة: الجيش السوي الحر، داعش، النُصرة (القاعدة)، والنظام السوري الذي تسانده قوات حزب الله ومليشيات شيعة عراقية مسلحة والحرس الثوري الإيراني، وبالتالي ارتفعت الدعوة إلى حل سلمي والذي يؤيده الكاتب إذ لا يرى حلاً أخر يتجنب الحوار مع بشار الأسد. وهي مسألة بحاجة إلى مناقشة جادة. ويرى صواب المقترح المطروح من روسيا في انخراط القوى المعارضة المدنية في عملية سلام مع النظام السوري لمواجهة قوى الإسلام السياسي التكفيرية باعتبارها المهمة الأساسية التي تفوق مهمة الخلاص من بشار الأسد ونظامه بالتالي فالسلام يفترض أن يتم مع نظام بشار الأسد.

إن الدكتور لودرز يدين النظام السياسي في سوريا ويعتبر بشار الأسد دكتاتوراً لا يتورع عن كل شيء للاحتفاظ بالسلطة ونظام البعث. إن متابعة الأحداث بسوريا يمكن القول بأن بشار الأسد مسؤول عن قتل عشرات الآلاف من السوريين من مختلف الأعمار، إذ استخدم مختلف الأسلحة، بما في ذلك السلاح الكيماوي وبراميل النفط المتفجرة، وساهم بتدمير الكثير من المدن السورية والتراث الحضاري السوري. ولكنه يرى في الأسد أيضاً شخصية براغماتية استطاعت أن تستفيد من الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية للحفاظ على السلطة وعلى مواقعه بسوريا والاحتماء بمناطق العلويين وقواهم. ويرى إن القوى الأخرى المدنية ضعيفة وغير قادرة على إحراز النصر، في حين تعززت خلال الفترة المنصرمة قوى الإسلام السياسية التكفيرية داعش والنُصرة، وبالتالي فإن الحرب الأهلية لا تقود إلى حسم الموقف والضحية الرئيسية هم المدنيون السوريون واللاجئون والنازحون السوريون. واستناداً إلى هذا الموقف يدعو المعارضة المدنية والقوى التي تسمي نفسها أصدقاء الشعب السوري بالانخراط بالعملية السياسية التي تدعو لها إيران وروسيا والصين الشعبية. 

انتهت الحلقة الثانية وتليها الحلقة الثالثة:   

2/8/2015                            










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6209 ثانية