عام مضى على سيطرة إرهابيو مايسمى بـ (الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش) على قضاء سنجار ومعظم مناطق إستيطان الإخوة الإيزيديين في 03-08-2014.
وأيام معدودة وتحديداً في 06-08-2014 تفصلنا عن الذكرى الأولى لغزو التنظيم عينه منطقة سهل نينوى وطرده لأبناء شعبنا (الكلداني السرياني الأشوري). هنا لايسعنا طرح المعاناة العظيمة التي مر بها الشعبان في تلك الأيام ولازالوا إلى يومنا هذا. من الصعب وصف محن هذين الشعبين في ظل حكم غوغائيين لايعرفون الرحمة. وفاشلة هي محاولات كل من يسعى لتجسيد معاناة وألام الثواني والدقائق والساعات، التي قضاها البعض تحت رحمة سيف الإرهاب الذي حملوه بحجة فرض كلمة الله على شعوب هو خالقها وهم ليسوا عليها بأولياء.
غايتي من هذا المقال لاتكمن في وصف تلك التراجيدية المؤلمة التي عاصرها شعبنا وأشقاءنا الإيزيديين، بل غايتي هي المشاركة في إستذكار فاجعة هذا الإسبوع الدموي في تأريخ العراق الحديث، والدعوة لإنزال القصاص العادل بالجهات والشخصيات المسؤولة عن ترك ساحة الوغى، وتسليم ألاف الأرواح لبرابرة لاتعرف قلوبهم الرحمة والشفاعة، ليعيثوا في الأرض خراباً كما أسلافهم، فدمروا وسرقوا وسبوا وقتلوا ومارسوا أشنع الجرائم التي لايستوعبها العقل البشري.
في هذه الذكرى الدموية، علينا أن نتعض مما مر به شعبينا على مر التأريخ. فالذكريات الأليمة والأحداث المفجعة التي تجمعنا أكبر بكثير من تجاوزها وعدم الوقوف عندها ودراستها وتحليلها تفادياً لتكرارها.
فإذا عدنا بالذاكرة التأريخية إلى الوراء قليلاً وقمنا بإستقراء لأجزاء معينة من التاريخ، سيتجلى لنا أن معظم الحملات الهمجية التي شنت على شعبنا أصابت الإيزيديين أيضاً والعكس بالعكس. فبعد أن أصبح الإسلام الدين الأول في العراق والمنطقة، أمسى أبناء الديانات الأخرى ـ ديانات أصحاب الكتاب ـ يُحكمون وفق توجيهات الرسول(ص) والمعاهدات المبرومة بينه وبين كبار رجال الدين المسيحيين، وأيات القرأن الكريم والشريعة[1]. إلا أن الوضع لم يكن كذلك بالنسبة للإيزيدية كونهم ووفق المنظور الإسلامي ليسوا من أصحاب الكتاب. وعن أحوال المسيحيين في ظل الدولة الإسلامية يقول بعض الكتاب العرب المسلمين :" برغم تجذّرهم تاريخياً وجغرافياً في الجزيرة وفي بلاد الشام سواء في اليمن أم نجران أم جنوب سورية والعراق (المناذرة والغساسنة) أم قبائل الحجاز (بنو تغلب) وقبائل بين النهرين والبادية السورية (بكر وربيعة وتنوخ)، لم ينالوا قط المساواة الكاملة مع المسلمين امتثالاً لرغبة الحكام والطبقات الاجتماعية العليا والفقهاء، إلا أنهم لاقوا معاملة حسنة في مراحل التاريخ المختلفة كانت تقترب أحياناً من المساواة، وقد تحقق التعايش النسبي في بعض البلدان العربية وفي بعض مراحل التاريخ بسبب سكوت المسيحيين على المظالم وتحمّلها وعدم إمكانهم المطالبة بحقوقهم، وهذا ما سُمّي بالتعايش، وهو في الواقع تعايش إلزامي، وتعايش ضعيف مع قوي".[2] وفي هذا الكلام الكثير من الصدق لاسيما الشق الأخير منه، ويظهر جلياً لمتتبعي التأريخ. فالتعايش وفي الكثير من المراحل الزمنية كان إلزامياً ومن طرف واحد، وهو قائم على مبدأ القوي والضعيف، والإذعان للواقع المرير. وفيما يخص الحريات فيقول الدكتور رشيد الخيون:" إن هذه الحريات والحقوق كانت تختلف بإختلاف الخلفاء والولاة، الذين كانوا يتشددون ويتسامحون حسب أمزجتهم ومستوى ثقافتهم وإنسانيتهم، فكان البعض لايراعي الذمم في تعاملاتهم مع المسيحيين"[3].
لقد كان الإيزيديون والمسيحيون ضحية عنف المغول لاسيما بعد إعتناقهم الإسلام، في عهد
( غازان إبن أرغون) 1295-1303، وكذلك في عهد ولده (أولجايتو) الذي أسلم وسمى نفسه (خان محمد خدابنده)[4]. وإستمر الحال كما كان عليه إبان الحكم الجلائري ( 1337-1411)[5]. وفترة حكم السلالات التركية القره قوينلو ( 1411-1467) والأق قوينلو (1467-1508)[6]. وفي عين الوقت تعرضا لمظالم وتعسف الفرس أمثال " نادر شاه الفارسي" أعوام 1732 و1743[7]. وتوالت هذه الحملات وشاركت فيها بعض الإمارات المحلية الكوردية وفي مقدمتهم الأمير محمد، أمير الإمارة السورانية التي كان مركز حكمها راوندوز. فهذا الأمير وبتحريض من رجال الدين قاد حملتين دمويتين شرستين على الإيزيدية والمسيحية منطلقاً من قلعته راوندوز بإتجاه سنجار وسهل نينوى، وكان ذلك عامي 1832 و 1834 فقتل وسبى ودمر وسرق كل ماوجده في طريقه[8]. ومن بعده جاء دور " بدرخان بك" فشن الأخر حملة دموية لم تكن أقل عنفاً من حملة أمير سوران، وكان ذلك العام 1843[9]. ولم تمضي سنوات حتى طالتهما الحملة التطهيرية التي قام بها (حزب الإتحاد والترقي التركي) من أجل التأسيس لتركيا خالصة من الأجناس غير التركية، وكان ذلك إبان حملة سيفو سيئة الصيت العام 1915. وخلال السنوات الأخيرة أثقلت كاهلهما حملات الجيش الملكي العراقي إبتداءاً من مذبحة سميل الأشورية عام 1933 مروراً بحملات قمع التحركات الإيزيدية عام 1935. كما كانا ضحية حملات الأنفال التي قامت بها الحكومة العراقية منذ العام 1963. وأخر المصائب التي تقاسمها هذين الشعبين المسالمين والتي نتمنى أن تكون خاتمة أحزاننا وأحزانهم، كانت فاجعتا سنجار وسهل نينوى.
وفي النهاية أيها القاريء الكريم، ماهذه الكلمات التي سطرتها سوى شذرات من تأريخ دموي حافل، أضعها بين يديك، تاركاً الحكم والإجابة على السؤال التالي لك: هل ترابط جميع هذه المأسي كان مجرد صدفة؟ أم أنها مخططات تستهدف وجود شعبين عريقين، والقضاء على فسيفساء إثنية في وطن ينادي فيه الجميع علماء دين وسياسيين بالتعايش الأخوي المشترك؟.
1- للوقوف على تفاصيل حياة المسيحيين العراقيين في ظل الدولة الإسلامية راجع: سهيل قاشا، مسيحيو العراق، دار الوراق للنشرالمحدودة، بيروت، 2009.
2- للمزيد راجع: حسين العودات، المسيحيون العرب والمظالم، جريدة السفير، 23 ـ 05 ـ 2015. http://assafir.com/Article/421191/MostRead
7- الليدي درور، على ضفاف دجلة والفرات، تعريب: فؤاد جميل، دار الوراق للنشر المحدودة، بيروت، 2008، ص164.
أ- عثمان عبدالرحمن سمايل، إمارة سوران، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجس كلية الأداب، جامعة صلاح الدين – أربيل، 2009، ص45.
ب- علي سيدو الكوراني، من عمان إلى العمادية أو جولة في كردستان الجنوبية، دار البشير، عمان، 1996، ص123.
[9] إيليا أبونا، تأريخ بطاركة البيت الأبوي، تحقيق وترجمة/ بنيامين حداد، مطبعة خاني، دهوك، 2008، ص130.