أول تعليق من كاهن كنيسة سيدني عقب "الهجوم الإرهابي"      مصدر: والد المشتبه به في هجوم كنيسة سيدني لم يشهد أي علامات تطرف على ابنه      أستراليا.. الشرطة تؤكد الطابع "الإرهابي" لهجوم في كنيسة      السوداني يسعى إلى حل التداعيات الناجمة عن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين غبطة الكاردينال ساكو      العيادة الطبية المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية بيرسفي      مارتن منّا: هناك محاولات لإعلان التوأمة بين عنكاوا و وستيرلينغ هايتس الأميركية      اللقاء العام لمجلس الرهبنات الكاثوليكيّة في العراق/ أربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل السفير الفرنسي لدى جمهورية العراق      قناة عشتار الفضائية تتمنى الشفاءالعاجل للمطران مار ماري عمانوئيل      محافظ نينوى يزور مطرانية القوش      معرض ميسي يفتح أبوابه.. فماذا يمكن أن تشاهد؟!      تقنية ثورية.. زرع جهاز في العين قد يعالج مرض السكري      رئاسة إقليم كوردستان: نجاح الانتخابات يعتمد على مشاركة جميع الأحزاب والكيانات السياسية فيها      العراق.. أكثر من 27 ألف إصابة بالحصبة و43 وفاة بالمرض      خطوة عراقية أخرى باتجاه وقف إهدار ثروات الغاز المصاحب      فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة      السبب الحقيقي وراء انقطاع خدمات Meta المستمر      جدل حول آثار جانبية حادة لاستخدام الأدوية المضادة للذهان لتخفيف الزهايمر      مايلز كاغينز‏: الحوار حول استئناف تصدير نفط إقليم كوردستان سيبدأ قريباً      إلزام يوفنتوس بدفع 9.7 مليون يورو كرواتب متأخرة لرونالدو
| مشاهدات : 1381 | مشاركات: 0 | 2015-09-03 09:33:02 |

رسائل متبادلة بين زميلين حول علوم الاتصال والإعلام والاقتصاد

د. كاظم حبيب


أستاذي الفاضل الدكتور كاظم حبيب 

بعد التحية 

في هذا الكتاب عرض مكثف للنظريات والمقاربات الكبرى التي تناولت الاتصال الاجتماعي 

موْلف الكتاب أرمان ماتلار أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة باريس v111 وميشال ماتلار : كاتبة وباحثة لهما دراسات في الثقافة والاتصال ترجمت إلى لغات مختلفة 

ترجمة - نصر الدين لعياضى أستاذ سوسيولوجيا الإعلام ,وتكنولوجيا الاتصال بجامعة الجزائر والصادق رابح أستاذ التكنولوجيات الإعلامية الحديثة بجامعتي الجزائر والإمارات 

المنظمة العربية للترجمة

توزيع : مركز دراسات الوحدة العربية 

الطبعة الثالثة

فيما يلي فقرات مقتبسة من الكتاب

1- يعتبر الاتصال من العلوم القليلة التي تتكثف وتتقاطع فيها مجموعة من العلوم إذ يعتبر علما - ملتقى للكثير من التخصصات العلمية (Interdisciplinarity ) فقد أثارت سيرورات الاتصال اهتمام الكثير من العلوم المتنوعة ابتداءً بالفلسفة والتاريخ والجغرافيا وعلم النفس والسوسيولوجيا والاثنولوجيا والاقتصاد مرورا بالعلوم السياسية وعلم الأحياء وصولا إلى السيبرنيطيقا ( التحكم الآلي ) والعلوم الإدراكية وقد شكل هذا الحضور للتخصصات الأخرى داخل الاتصال وهو يؤسس لحقله المعرفي الخاص داخل فضاء العلوم الاجتماعية احد المداخل الأساسية للتساؤل عن شرعيته العملية كعلم قائم بذاته وهو ما جعله يبحث عن نماذج تضفي عليه الطابع العلمي حيث تبنى روْى علوم الطبيعة وقام بتكيفها مع خصوصيته الأكاديمية 

2- شهد القرن التاسع عشر ظهور الأنظمة التقنية الأساسية للاتصال وتكريس مبدأ التبادل الحر إذ يعتبر القرن الذي احتضن ميلاد روْى وأفكارا تأسيسية ترى في الاتصال عامل اندماج وتواصل للمجتمعات الإنسانية فقد تضمن مفهوم الاتصال في نهاية القرن فكرة إدارة التنوع الإنساني بعد أن تمركز في البداية في مساْلة الشبكات الفيزيائية ( المادية ) وغدا أساسا لايديولوجيا التقدم وقد تم استيحاء التصورات الأولى لـ( علم الاتصال ) من الفكر الذي يرى في المجتمع كيانا عضويا أو مجموعة أعضاء تؤدى وظائف متكاملة محددة بدقة 

3- يمثل مفهوم تقسيم العمل لحظة تنظيرية تأسيسية ظهرت صياغتها العلمية الأولى مع ادم سميث Adam Smith1723-1790وفي نهاية القرن الثامن عشر حيث ساهم الاتصال في تنظيم العمل الجَماعي في المصانع وهيكلة الفضاءات الاقتصادية ففي الحواضر (Cosmoplis) التجارية الكبرى المؤْسسة على حرية المبادرة  تناغم تقسيم العمل وشبكات الاتصال ( سكك الحديد - الطرق البرية والبحرية ) مع الثروة والنمو فبريطانيا كانت في تلك الفترة قد عرفت (( ثورة في حركة المرور )) حيث اندمجت هذه الأخيرة في المشهد الجديد للثورة الصناعية الزاحفة 

  وفي المقابل وفي نفس الفترة كانت فرنسا تسعى إلى توحيد فضائها التجاري الداخلي ففي هذه المملكة الزراعية شكلت الخطابات حول فضائل نظام الاتصالات انعكاسا للأوضاع المهترئة التي كانت تعيشها فالفجوة بين الواقع والتنظيرات الحالمة حول ضرورة السيطرة على الواقع الجديد ميزت لفترة طويلة الرؤى الفرنسية حول الاتصال كحامل للتقدم ورمز لقوة الفكر

4-لقد غذى مفهوم تنظيم العمل ونموذج التبادلات المادية الانسيابية المدرسة الكلاسيكية الانجليزية خاصة وعلى وجه الخصوص التحليلات التي قدمها جون ستيوارت ميل John Stuart Mill ( 1873-1806 وقد عبر عنها في ( نموذج سيبرنيطيقى للتبادل الانسيابي المادي مع انسياب التغذية المرتدة للمال كمعلومات )

5- بداْ الاقتصاد السياسي للاتصال في التطور في الستينيات من القرن الماضي وقد اتخذ في البداية شكل التساؤل عن الخلل في تدفق الإعلام والإنتاج الثقافي بين الدول الواقعة على جهتي الخط الفاصل (( للتنمية ))

6- شقت دراسات الاقتصاد السياسي للاتصال طريقها في سنة 1975 من خلال دراسة حول (( الصناعات الثقافية )) ولا (( الصناعة الثقافية )) ويكشف هذا الانتقال من المفرد إلى الجمع - بمعنى صناعات بدلا من صناعة عن التخلي عن روْية مفتتنة بأنظمة الاتصال في الوقت الذي اصطدمت فيه السياسات الحكومية الرامية لإحداث ديمقراطية الثقافة بالمنطق التجاري في سوق تسير نحو التدويل إن الأمر يدل على إننا نواجه تعقد الصناعات المتنوعة في محاولة لفهم السيرورة التصاعدية (( لإصلاح )) النشاطات الثقافية بواسطة رأس المال 

7- تحدث ماركس Marx وأتباعه عن الطابع الثوري للرأسمالية التي يكمن قانون بقائها في الانقلاب المستمر لقوى الإنتاج بفضل توسعه وتطوره الدائم اْنشأ النظام الرأسمالي بدون أن يدرى شروط فنائه  من خلال تطور القوى الاجتماعية واحتدام تناقضاته، إن تطور كل مجتمع خاص يتوقف أولا على تطور بنياته الداخلية ويمر كل مجتمع بالضرورة بعدة مراحل ويلبى تاريخ كل مرحلة نموذجا من نماذج التطور المتتالية 

8- وفي الاتجاه المعارض لهذه الروْية للتاريخ يقدم المؤْرخون والاقتصاديون النموذج التزامني الفوري مبينين ان تاريخ الرأسمالية في العديد من الدول لا يتطابق مع هذا المخطط وان (( التطور )) ليس مؤكدا بل نحن على العكس إننا نشاهد (( تطور التخلف )) في العديد من مناطق العالم إن وحدة تحليل الرأسمالية المعاصرة ليست الشركة الوطنية بل (( النظام - العالم )) الذي تكون فيه الأمم مجرد عناصر - هذه الفرضية حول الاندماج العالمي التي صاغها الاقتصادي بول باران Paul Baran سنة 1957 في كتابه الاقتصاد السياسي للنمو تلتقي مع تلك التي صاغها المؤرخ ايمانويل فالرشتاين Immanuel Wallerstein في حوار حول مفهوم (( اقتصاد- عالم )) الذي وضعه الباحث فيرناند بروديل Fernand Braudel

9- يتحدث مفهوم (( اقتصاد- عالم )) في الواقع على مستويات ثلاثة : فضاء جغرافي معين ووجود قطب (( مركز العالم )) والمناطق التي تتوسط هذا المحور المركزي والهوامش الواسعة التي تكون تابعة وخاضعة لحاجيات المركز من خلال تقسيم العمل ويسمى هذا المخطط من العلاقات غير المتكافئ إن الرأسمالية هي ( خلق عدم تكافؤ العالم ) ولا يمكن تصور عدم التكافؤْ  هذا إلا في فضاء واسع جدا (كوني ) 

إن خريطة (( الشبكات التجارية )) بما فيها شبكات الاتصال تشكل جزءاً أساسياً وبارزاً في صياغة مركزية العالم بتراتيبيته وبأنماط إنتاجه المختلفة 

10- إن الاقتصاد السياسي للاتصال الذي يمثل قطيعة مع أطروحة تاريخ الرأسمالية المعاصرة التي طرحها رواد الماركسية الكلاسيكيون يبتعد عن مخطط الشرق - الغرب الذي طبع سوسيولوجيا وسائل الإعلام الأمريكي إن القطبية التي أفرزتها الحرب الباردة طبعت الانقسام في العلوم الاجتماعية للاتصال 

11- إن انقسام الفضاء الدولي بما هو أرضية للمواجهة بين معسكرين وأيديولوجيتين قد نشط البحث والتطور الصناعي والعسكري لتكنولوجيات الاتصال والإعلام الحديثة ( من الكمبيوتر حتى الأقمار الاصطناعية ) 

أرجو التفضل بالاطلاع وبيان رأيكم

مع خالص الاحترام والتقدير 

 

 

أخي الأكرم وأستاذي العزيز

 

تحية قلبية حارة

شكراً جزيلاً على رسالتكم والمادة القيمة التي أرسلتموها لي والتي هي لكاتب وكاتبة معروفين ومميزين في أبحاثهما وكتبهما العلمية في مجالات الإعلام والاتصال وغيرها. أبدي رأيي بما تفضلت به، وهو كأي رأي آخر قابل للخطأ والصواب، خاصة وأنتم أقدر مني في هذا الحقل نتيجة المعارف الكثيرة التي تمتلكوها والخبرة العملية التي اكتسبتموها عبر السنين الكثيرة في العمل والنشاط في المجال الاقتصادي والاجتماعي، وأنتم وأنا، كما يبدو، من جيل واحد وربما من مواليد سنة واحدة. 

1) بصدد النقطة الأولى بودي أن أشير إلى إن الكاتب ارمان ماتلار والكاتبة ميشال ماتلار هما على حق حين يؤكدان علاقة علم الاتصالات ببقية العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية. وقد ازداد هذا التشابك والتفاعل والتأثير المتبادل نتيجة التطور الهائل في القوى المنتجة المادية والبشرية في ظل العولمة الرأسمالية الجارية وغير المكتملة حتى الآن، فهي ما تزال في عملية سيرورة وصيرورة نافعة جداً للدول الرأسمالية المتقدمة، كما يمكن أن تكون نافعة للدول النامية حين تكون الحكومات المحلية في كل دولة من تلك الدول قادرة فعلياً وعملياً على الاستفادة من علم الاتصالات والتقنيات الحديثة في ظل العولمة المهيمن عليها من قبل الرأسمال العالمي والمؤسسات المالية والنقدية والتجارية الدولية وعلى مراكز البحوث العلمية والتقنية الدولية والتي في الغالب الأعم تعيق إمكانية استخدامها الفعال من جانب الدول النامية. وحسب فهمي للأمور فأن كل علم من هذه العلوم مستقل بذاته من جهة، ومتشابك ومتفاعل ومتبادل التأثير مع العلوم الأخرى من جهة ثانية. وهكذا هو الحال مع علم الاتصالات. إذ إن إنجازات بقية العلوم تؤثر إيجاباً على علم الاتصال، كما إن علم الاتصال يسهل على بقية العلوم وصولها إلى المنتج والمستهلك في آن واحد وعلى تحقيق التعاون والتلاقح المنشود بين الثقافات على الصعيد العالمي. 

    

2) شهد القرن التاسع عشر تطوراً هائلاً في مختلف العلوم الطبيعية والإنسانية ومنها علم الاقتصاد، وكذلك في تقنيات الإنتاج وإنتاجية العمل. وشهد تقسيم العمل الاجتماعي قفزة كبيرة وخاصة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حين بدأ التبادل التجاري يلعب دوراً كبيراً لا في نقل وتبادل السلع المادية، بل وكذلك في تبادل السلع الروحية أو الثقافية ومنجزات العلم أيضاً. وشهدت هذه الفترة صراعاً محتدماً بين فئات البرجوازية الصغيرة التي كانت تقف ضد التطور السريع للصناعة والعلاقات الاقتصادية الدولية وبين البرجوازية الصناعية الكبيرة والبرجوازية التجارية التي كانت تسعى إلى توسيع قاعدة التبادل التجاري. وبقدر ما كانت الفئات الأولى تتسم بـ "الوطنية الضيقة" والرجعية والخشية من التقدم، كانت الفئات الأخرى تسعى إليه وتعتبر تقدمية في الإطار العام للعملية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على الصعيد العالمي. ومن هنا بدأت أولى سمات وبدايات ما أصبح في الربع الأخير من القرن العشرين نظام العولمة لا في مجال الاقتصاد حسب، بل وفي مختلف مجالات العلوم والحياة الاجتماعية والثقافية، بحيث أصبح العالم وكأنه قرية كبيرة متلاصقة المحلات والبيوت والعلاقات. كتب كارل ماركس بهذا الخصوص شيئاً مهماً أورده هنا للاطلاع على موقف ماركس من هذا الموضوع:

".. البرجوازية، باستثمارها السوق العالمية، طبَّعت الإنتاج والاستهلاك، في جميع البلدان، بطابع كوسموبوليتي، وانتزعت من تحت أقدام الصناعة أرضيتها القومية وسط غم الرجعيين الشديد. فالصناعات القومية الهرمة دُمّرت وتدمَّـر يوميا لتحل محلها صناعات جديدة، أصبح اعتمادها مسألة حيوية بالنسبة إلى جميع الأمم المتحضرة، صناعات لم تعد تستعمل المواد الأولية المحلية، بل المواد الأولية من أقصى المناطق، صناعات لا تُستهلك منتجاتها في البلد نفسه فحسب، بل أيضا في جميع أنحاء العالم. فمكان الحاجات القديمة، التي كانت المنتجات المحلية تسدُّها، تحُل حاجات جديدة تتطلب لإشباعها منتَجات أقصى البلدان والأقاليم. ومحل الاكتفاء الذاتي الإقليمي والقومي والانعزال القديم، تقوم علاقات شاملة في كل النواحي، وتقوم تبعية متبادلة شاملة بين الأمم. وما ينطبق على الإنتاج المادي ينطبق أيضا على النتاج الفكري. فالنتاجات الفكرية لكل أمة على حدة تصبح ملكا مشتركا. والتعصب والتقوقع القوميّان يُصبحان مستحيلين أكثر فأكثر. ومن الآداب القومية والإقليمية ينشأ أدب عالميّ."  (راجع: كارل ماركس وفريدريك إنجلز. البيان الشيوعي. الفصل الأول، ص 42-43).

 

3) لعب تقسيم العمل الاجتماعي دوراً كبيراً في خمسة مجالات مهمة: أ) تسريع عملية التطور في القوى المنتجة والتخصص في الإنتاج ورفع إنتاجية العمل وزيادة حجم الإنتاج السلعي وتقليص التكاليف وتحسين النوعية، ب) تطور مراكز البحث العلمي في حقول العلوم الطبيعية والإنسانية، ومنها تطوير التنظيم والإدارة الاقتصادية أو حتى عموم العلوم الإدارية، ج) زيادة التبادل التجاري والمنافسة على الأسواق وتوظيف رؤوس الأموال وحجم الأرباح، د) تطور علم الاتصالات والمعلومات وتدفقها بين البلدان، مع وجود احتكار واضح لعدد من الدول المتقدمة على علم ووسائل الاتصال واستخداماتها. هـ) التبادل والتعاون ومن ثم التلاقح الثقافي بين شعوب البلدان المختلفة والتأثير الأكثر بروزاً للدول المتقدمة على الدول النامية. وهذه العوامل كلها وفي ظل النظام الرأسمالي العالمي ساهمت في زيادة درجة استغلال المنتجين وزيادة حصة فائض القيمة، أو حصة أصحاب رؤوس الأموال في توزيع الدخل القومي.

ويبدو لي من المفيد هنا أن أشير إلى إن دور وأهمية الاتصال كان معروفاً منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأُشير إليه في أكثر من مكان في كتابات ماركس. وإذا كانت هناك إشارة بهذا الصدد حينذاك، فأن القرن العشرين عرف طفرة هائلة في علم الاتصال منذ الربع الأخير من القرن العشرين حيث تنامت عملية العولمة وتعاظمت في العقد الأخير منه، وهي ما تزال مستمرة ومتطورة في مختلف الاتجاهات. والعولمة عملية موضوعية لا يمكن الوقوف بوجهها، لأنها ترتبط بمستوي التطور الذي بلغته القوي المنتجة علي الصعيد العالمي والثورة المعلوماتية (الإنفوميديا) التي دخلها هذا العالم في ظل النظام الرأسمالي العالمي.

وعليّ أن أشير هنا إلى إن العولمة اقترنت بثورة فعلية في المكونات الثلاثة لما يسمى بالتقارب التكنولوجي،Convergence ، أي بين الحوسبة الحديثة (الكومبيوتر) والاتصالات والوسائط المعلوماتية (الالكترونيات) الأكثر حداثة التي تشكل مجتمعة المسار الجديد في البنية الصناعية الحديثة التي تتطلب المزيد من التوظيفات الرأسمالية، التي تخصصت بها ومركزتها لديها المراكز الصناعية الثلاثة فعلا حتى العقدين القادمين على أقل تقدير.، رغم البروز الجديد للصين بشكل خاص.

 

4 و5) يمكنني هنا أن أشير إلى إن التنظيم والإدارة والاتصال والثقافة العابرة للقارات لم تبدأ في القرن العشرين، بل كانت ظواهر ملموسة ومعبر عنها في كتابات الكثير من الكتاب منذ النصف الثاني من القرن التاسع، تماماً كما أشرتم أنتم إلى كتابات جون ستيوارت ميل وكذلك لدى كارل ماركس وفرديدريك إنجلز في كتابهما المشترك (البيان الشيوعي)، كما أشرت إلى ذلك في أعلاه.  وبصدد تأثر الدول المتخلفة بالتقدم الحضاري الدولي يشير البيان الشيوعي ذاته إلى ما يلي: "... وتبعاً لترقيتها السريعة لكافة أدوات الإنتاج , وتطويرها الفعال لوسائل الاتصال تجذب البرجوازية الأُمم كلها , بمن فيها الأكثر همجية , إلى موكب الحضارة, ذلك إن الأسعار المتهاودة لمنتجاتها هي بمثابة مدفعيتها الثقيلة التي بدأت تدك بها كل أسوار الصين وتدحر بها كل الكره العنيد للأجانب , وترغم بها كل الأمم , مخافة اندثارها , على تبني نمط الإنتاج البرجوازي , وتدفع بها كل الأمم إلى إدخال حضارتها المزعومة إلى عقر دارها, أي أن تصبح تلك الأمم نفسها برجوازية. وباختصار تقوم البرجوازية بخلق العالم على صورتها." (راجع: ماركس , انجلز. البيان الشيوعي. كولون، المصدر السابق نفسه).    

ولكن هذا الجانب من العملية الاقتصادية والحضارية أصبح اليوم ليس ظاهرة فحسب، بل عملية سائدة ولا يمكن تجاوزها.

 

6) إن الثقافة في الدول الرأسمالية المتقدمة تعتبر رأسمالاً لا بد من استثماره بما يجلب لها المزيد من الأرباح، فهو منتج يشبع حاجة روحية للإنسان، كما تشبع السلع المادية حاجة مادية عند الإنسان. وفي ظل العولمة تسعى الدول الرأسمالية المتقدمة إلى فرض ثقافتها المتقدمة على ثقافات الدول الأخرى مستخدمة في ذلك الإنفوميديا، وبضمنها، علم الاتصالات، لتحقيق ما تصبو إليه. وهنا تصطدم بثقافات الشعوب الأخرى ذات المستويات المتباينة في التقدم أو التخلف. لا شك في أن العولمة الرأسمالية تطرح مشروعا ثقافيا وحياتيا حديثا يتناغم مع مستوى التقنيات الحديثة الذي توصلت له ويختلف عن الماضي أو السائد حاليا ، ولكن العولمة ما تزال في بداية الطريق. وهذا الجديد بما يحمله من حداثة وتوافق مع الزمن قادر على إبعاد القيم والعادات والتقاليد القديمة والبالية العاجزة عن مسايرة الزمن المتكاثف بشدة , لا في المجتمعات العربية والإسلامية فحسب , بل في جميع المجتمعات. ولكن هذه الثقافة الحديثة ذات الاتجاهات العامة والمتباينة في مستوياتها من حيث الغنى والرداءة ستأخذ خصوصيتها الملموسة من واقع ومستوى تطور كل بلد من البلدان ومن خزين تراثها المتراكم نسبياً ومن تأثيرات القوى المحتكرة والمهيمنة على وسائل الإعلام والثقافة والاتصالات على الصعيد الدولي. وهنا تمارس الشركات المتعددة الجنسية سياسة فرض فكر وثقافة وأخلاقيات الثقافة الغربية بكل جوانبها على أنها العولمة الجارية. وهي تثير صراعات حادة في هذا الصدد فتثير حفيظة البلدان والشعوب الأخرى. ويبدو هذا واضحا من أساليب الدعاية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية في نشر فكرها وثقافتها على إنها فكر وثقافة العولمة وترفض الأخذ بالخصائص الوطنية لثقافات تلك الدول. (يمكن هنا إيراد مفهوم جورج دبليو بوش للحرية الأمريكية وهوسه بها باعتبارها النموذج المطلق للحرية ورسالته السماوية في إيصال تلك الحرية لكل الشعوب، وهو الممثل الشرعي للبرالية الجديدة). كما يمكن أن يلاحظ الإنسان ذلك في الدعاية المكثفة للمركزية الأوروبية , أو "للثقافة القائدة", كما يجري التعبير عنها في ألمانيا أو حتى عند القوميين العرب اليمينيين مثلا, أو الثقافة النقية التي يفترض أن لا تُشوه باحتكاكها مع الثقافات الأخرى , مع إن الثقافات الوطنية بحاجة حقاً إلى إغناء وتطعيم وتلاقح مع الثقافة الغربية الأكثر تقدماً والأكثر حضارية في المرحلة الراهنة من تطور العالم.

 

7، 8، 9) وعلى أهمية العولمة، وهي عملية  تتطور في عالم واحد، ولكن تتطور بشكل غير متكافئ, كما أن هذا العالم الواحد منقسم على نفسه إلى عالمين، عالم التقدم والتطور والثورة العلمية والتقنية والبحث العلمي, عالم الإنفوميديا، بما يصدره لنا من معلومات صحيحة ومزيفة أو مشوهة وما ينتشر فيه من غنى فاحش حتى التخمة واستغلال متفاقم من جهة , وعالم التخلف والفقر والحرمان والتشرد والمرض والجوع حتى الموت والهجرة المستمرة والمتفاقمة واستغلال فاحش للشعوب من جهة أخرى , عالم المراكز الرأسمالية الثلاثة الأكثر تقدماً حتى الآن (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان) , وعالم المحيطات (الأطراف) ذات المستويات المتباينة في التطور والتي تدور في فلك تلك المراكز على مدارات مختلفة في مدى بعدها أو قربها من تلك المراكز وهي تعاني من أبشع أشكال الاستغلال والأكثر شدة. وبعض تلك الدول التي تدور في المحيطات تقف على حافة الانتقال إلى الرأسمالية وتتوقع أن تنتقل إلى مواقع المراكز أو الاقتراب منها. والإشكالية هنا ليست في الغنى والفقر المالي أو في مستوى معدل حصة الفرد الواحد من الدخل القومي السنوي (على أهمية كل ذلك، حسب, بل وبالأساس في كون هذه المراكز الثلاث بشكل خاص تعتبر المواقع المنتجة والمصنعة والمصدرة للسلع والعلوم والتقنيات الحديثة وبراءات الاختراع وكذلك علم الاتصال, في حين لا تزال دول المحيط عموماً هي المستقبلة والمستهلكة لها, والتي تجد تعبيرها في تنامي التباين والفجوة في مستوى تطور الأبحاث والاقتصاد والمجتمعات والإنتاج وإنتاجية العمل ونوعية الإنتاج , وكذلك في مستوى حياة ومعيشة الأفراد ومدخولاتها السنوية وظروف عمل سكان البلدان المختلفة بشكل ملموس.

 

في رسالة الدكتوراه في ستينيات القرن الماضي والتي نشرت فيما بعد بكتاب للدكتور سمير أمين كتب عن واقع التطور والتبادل اللا متكافئ بين الدول الرأسمالية المتقدمة والدول النامية أو ضعيفة التطور، والمرتبطة عضوياً بمستوى تطور القوى المنتجة وإنتاجية العمل والقيم التبادلية للسلع. والتطور اللامتكافئ يعتبر أحد القوانين الاقتصادية الموضوعية الذي لا يمكن تجاوزه بسبب طبيعة النظام الرأسمالي العالمي وفعل بقية لقوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية على الصعيد العالمي، وكذلك على صعيد التطور الاقتصادي الرأسمالي في كل بلد من البلدان. فمقدار الربح هو الذي يفعل فعله ويؤثر على مجالات الاستثمار الرأسمالي في فروع وقطاعات الاقتصاد الوطني لهذا البلد أو ذاك، وهو كذلك على صعيد العالم. أرى بأن قانون التطور اللامتكافئ يمكن أن يفعل فعله في دولة واحدة وفي مجموعة من الدول وعلى الصعيد العالمي.

ولو تابعنا اليوم علاقات التبادل التجاري الدولي بين الدول الأوروبية مثلاً لوجدنا إن نسبة عالية من هذا التبادل التجاري يجري بين الدول الأوروبية ذاتها ونسبة ليست كبيرة مع الدول النامية بسبب واقع الضعف الذي تعاني منه الدول النامية، كما إن الدول الرأسمالية المتقدمة تجذب إليها رؤوس الأموال وتوظف في اقتصادياتها، في حين إن نسبة قليلة من رؤوس الأموال الموظفة على الصعيد العالمي تصل إلى الدول النامية، في ما عدا تلك الدول التي تمتلك مواد خام إستراتيجية تبقى تستقبل بعض رؤوس الأموال لتوظف في تلك القطاعات الاقتصادية.        

إن الإحصاءات الدولية المتوفرة تشير مثلاً إلى إن 20% من سكان العالم الذين يعيشون في الدول الرأسمالية المتقدمة يستهلكون 80% من النفط الخام والأخشاب والكثير من المواد الأولية الأخرى، في حين إن 80% من سكان المعمورة يستهلكون 20% من تلك المواد والسلع، وكذا الحال بالنسبة لحجم الإنتاج الإجمالي والدخل على الصعيد العالمي.

 

10) لا أجد ما يبرر القول بـ "أن الاقتصاد السياسي للاتصال الذي يمثل قطيعة مع أطروحة تاريخ الرأسمالية المعاصرة التي طرحها رواد الماركسية الكلاسيكيون يبتعد عن مخطط الشرق - الغرب الذي طبع سوسيولوجيا وسائل الإعلام الأمريكي إن القطبية التي أفرزتها الحرب الباردة طبعت الانقسام في العلوم الاجتماعية للاتصال". فالفكر الماركسي أكد على إمكانية تطور الرأسمالية مع حصول أزمات متنوعة فيها ليس فقط الأزمات الدورية، بل وكذلك أزمات طويلة الأمد التي أطلق عليها بأزمة كوندراتيف البنيوية، وإن الرأسمالية قادرة على معالجة الكثير من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية بفعل تطور وتقدم القوى المنتجة المادية والبشرية، وإن الرأسمالية ستصل في مرحلة من مراحل تطورها، لم ولن يحدد لها وقت، سيصل التناقض بين الطابع الخاص لملكية وسائل الإنتاج والطابع العام للقوى المنتجة إلى حد الذي يقتضي تغيير الطابع الخاص لملكية وسائل الإنتاج، بحيث تصبح عامة أيضاً ليتحقق التوافق والتناغم أو الانسجام بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة. إن تقدم الاتصال وتحوله إلى علم رابط وفعال بين مختلف العلوم ومؤثر بشكل مباشر على حركة العلوم وعلى تطور الرأسمالية وزيادة قدرتها على معالجة أزماتها لا يعني بأي حال إلغاء حقيقة التناقض الذي يمكن يفعل فعله بمعزل عن إرادة البشر أن يستفحل على الصعيد العالمي بين القوى المنتجة ذات الطابع الاجتماعي وبين علاقات الإنتاج الرأسمالية ذات الطابع الفردي.       

لا شك في وجود تباين في تطور الرأسمالية بالدول المختلفة من حيث الزمن والسرعة والأسلوب، رغم خضوعها كلها لقوانين التطور الرأسمالي، إذ لكل بلد من البلدان خصوصيات تطوره. وهو على العموم تطور غير متكافئ وغير متساوي على صعيد مختلف الدول. وحين يحصل أي اختلال في فعل أحد هذه القوانين الموضوعية، سيجد تعبيره وتأثيره المباشر على بقية القوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية، أي سيبرز في الواقع العملي في حركة وتطور فروع الاقتصاد وقطاعاته، وكذلك في الاقتصاد الكلي أو الجزئي. نحن شهود على أزمات الرأسمالية منذ النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين وحتى الآن، وهي ما تزال جارية على صعيد العالم الرأسمالي وعلى صعيد الاتحادات، كالاتحاد الأوروبي ، أو على صعيد كل دول من الدول الرأسمالية المتقدمة. ولا شك في المحاولات المستميتة التي تبذلها الدول الرأسمالية المتقدمة لرمي أعباء الأزمات المتنوعة على عاتق شعوب الدول النامية أولاً وعلى عاتق المنتجين الكادحين والفقراء في بلدانها.    

 

في العام 1989 كتب البروفيسور الأمريكي فرانسيس فوكوياما مقالة لمجلة أمريكية اسمها "المصلحة الوطنية" The National Interest، ومن ثم وسع المقال ليصبح كتاباً صدر في العام 1992 وتحت عنوان "نهاية التاريخ وخاتم البشرThe End of Hisory and the last Man“   ، الذي طرح فيه فكرة أساسية تؤكد: أن الفكر والنظام الديمقراطي اللبرالي، فكر الرأسمالية والنظام الرأسمالي، قد برهن على انتصاره عالمياً، وأن ليس هناك من نظام جديد آخر يمكن أن يلي النظام الديمقراطي اللبرالي أو الرأسمالية. وقد جاء هذا الكتاب في أعقاب انهيار النظام السوفييتي ونظم الديمقراطيات الشعبية أو الاشتراكية في أوروبا الشرقية، واعتبر ذلك سقوطاً ونهاية للفكر الاشتراكي. إلا إن هذا المفكر الاقتصادي البرجوازي الأمريكي عاد بعد فترة قصيرة وتراجع عن تلك الأطروحة واعترف بخطأ تصوره المتعجل عن تطور المجتمعات البشرية. ثم جاء من بعده بفترة قصيرة عالم أمريكي برجوازي آخر هو البروفيسور صاموئيل هنتنكتونSamuel P. Huntington  وأصدر كتابه الموسوم ""صراع الحضارات" The Clash of Civilization and the Remaking of World Order، الذي حاول فيه إلغاء الصراعات الطبقية، الصراع بين رأس المال والعمل الأجير، واعتبر إن العالم يواجه صراعا جديداً، صراعاً بين الأديان الثمانية العالمية أو بين حضاراتها، وهي سبعة أديان شرقية وواحد غربي، ولكن الصراع الأشد قوة وشراسة يدور بين الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية من جهة، والدين المسيحي والحضارة المسيحية الغربية من جهة ثانية. وهذا التحليل التبسيطي للعالم وصراعاته لم يصمد أمام حقائق الوضع الدولي. ورغم وجود مثل هذه الصراعات، ورغم كونها تبدو على سطح الأحداث وظاهرة محتدمة حالياً وأكثر من غيرها من الصراعات، إلا إنها لا تشكل الصراع الرئيس والأساس على الصعيد العالمي، بل كان وما يزال وسيبقى الصراع اقتصادي بين رأس المال والعمل الأجير، وكذلك بين الدول الرأسمالية المتطورة والدول النامية، وهما من حيث المبدأ في عالم واحد منشطر على نفسه. 

 

لقد أنجزت كتاباً بجزئين طبع في العام 2005 في وزارة الثقافة ببغداد تحت عنوان "العولمة من منظور مختلف"، أشرت فيه إلى أن سقوط تجربة الدول الاشتراكية لا يعني سقوط الفكر الاشتراكي بأي حال، كما إن انتصار الرأسمالية على تجربة الدول الاشتراكية لا يعني انتصاراً نهائياً للرأسمالية أو الاقتصاد الرأسمالي. إذ إن عوامل سقوط التجربة معروفة للجميع وهي مهمة حقاً وصدرت عنها دراسات كثيرة. ومع الأسف لم استطع حتى الآن إنجاز الكتاب الذي بدأت به قبل سنوات وتحت عنوان : "عوامل نهوض وسقوط الاتحاد السوفييتي" الذي أنجزت منه مائة صفحة ولم يكتمل بسبب أحداث العراق وانشغالي بكتابات سياسية واجتماعية واقتصادية يومية.

 

وعلى العموم فأن انهيار التجربة الاشتراكية في هذه الدول جاء نتيجة اختلالات منذ بدء التأسيس والمحيط الداخلي والدولي الذي تأسست فيه أولاً، وفي مجرى البناء الاقتصادي والاجتماعي حيث ارتكبت أخطاء فادحة وفاحشة فكرية وعملية، إذ جرى العمل على وفق الإرادة الذاتية والرغبات وبعيداً عن استيعاب حركة وفعل القوانين الاقتصادية الموضوعية ثانيا، وسيادة البيروقراطية والفساد وغياب الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ثالثاً والاعتقاد بعدم وجود تناقضات في مثل هذه المجتمعات أو نفي وجودها ووجود الصراعات الاجتماعية الناجمة عنها رابعاً ..الخ. أي إن الأساس في الانهيار هو داخلي بالأساس، ولكن العامل الخارجي لعب دوراً مهماً في ذلك الانهيار الزلزالي.

 

11) صحيح تماماً ما أشار إليه الأستاذ ارمان ماتلار والأستاذة ميشال ماتلار، إذ لا شك في أن الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي قد لعب دوراً كبيراً في عدد من المسائل المهمة منها على سبيل المثال لا الحصر:

** اضطرار الدول الرأسمالية على الدخول بمساومات مهمة مع الطبقة العاملة والمثقفين والكوادر العلمية والتكنوقراط في بلدانها، فحصلت تلك الفئات على مكاسب اقتصادية واجتماعية ومهنية مهمة حقاً، والتي جاءت بسبب المنافسة بين النظامين، خاصة وإن الدول الاشتراكية في الواقع قد قدمت مكاسب كثيرة لتلك الفئات دون أن تكون متناغمة مع قدراتها الاقتصادية ومع فعل القوانين الاقتصادية الموضوعية، مما ساعد على نشوء اختلالات شديدة في تلك الاقتصاديات "الاشتراكية". ولا شك في إن نضال الطبقة العاملة وفئة المثقفين في الدول الرأسمالية المتقدمة قد لعب دورهم الأساسي في انتزاع تلك المكاسب. واليوم نلاحظ إن الدول الرأسمالية تحاول انتزاع تلك المكاسب عبر الهجوم عليها وإضعافها، مما قاد ويقود إلى نضالات عمالية جديدة وصراعات طبقية جديدة.

** حصول الدول النامية على الكثير من المكاسب من الطرفين بسبب الصراع بين الشرق والغرب، ولكن في ذات الوقت لعب دوراً سلبياً في انخراط تلك الدول النامية في خضم الصراع بين المعسكرين وعواقبه السلبية على الدول النامية وصراعاتها الداخلية.

 

** حصول تقدم كبير في العلوم والتقنيات بشكل عام, ولكن وبشكل خاص في التقنيات العسكرية والأسلحة التقليدية الحديثة والأسلحة ذات الدمار الشامل وغزو الفضاء والأقمار الصناعية. وقد لعبت هذه المنافسة غير المتكافئة بين الشرق والغرب دورها في إجهاد الاقتصاد الحكومي السوفييتي، إذ تحول في السنوات الأخيرة على رأسمالية دولة بيروقراطية، على نحو خاص وساعد على انهياره، خاصة وإن هذه التقنيات الحديثة لم تستخدم في الاتحاد السوفييتي في تنمية وتطوير الاقتصاد المدني، وبشكل خاص تطوير الاقتصاد الصناعي والزراعي المدني لصالح الاقتصاد العسكري وإنتاج السلاح، مما تسبب في نشوء عنق زجاجة في الكثير من فروع وقطاعات الاقتصاد الوطني وفي توفير سلع الاستهلاك اليومي للشعب، وهو الذي ساهم في زيادة التذمر والاستياء الشعبي.  

          

** وقد أسهم الصراع الدولي بين المعسكرين إلى مسألتين مهمتين أيضاً هما:

غياب الحروب الدولية بسبب التطور الهائل والتقدم في الأسلحة التدميرية والخشية من الحرب.

التطور الهائل في مختلف العلوم، ولكن وبشكل خاص في علم الاتصالات والإنفوميديا بشكل عام، التي لعبت دوراً كبيراً في تقريب دول العالم من بعضها جغرافياً وكأنها في قرية صغيرة رغم التفاوت والفجوة في طبيعة السكن ومستوى السكان والمعيشة والدخل..الخ.

 

** ولكن غياب هذا الصراع من خلال غياب الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي قد ساهم في الجوانب السلبية التالية، منها مثلاً:

ممارسة الدول الرأسمالية المتقدمة سياسات اللبرالية الجديدة بكل جوانبها التي ألحقت أضراراً فادحة بشعوب البلدان النامية وبكادحي بلدانها. ولو كانت الدول الاشتراكية موجودة لما تجرأت على ممارسة تلك السياسات والكف عن سياسات المساومة مع الطبقة العاملة في بلدانها ومع شعوب الدول النامية. 

تحكم الولايات المتحدة الأمريكية بالسياسة العالمية حتى الآن وممارستها سياسات اللبرالية الجديدة وخوضها الحروب "الاستباقية" وعواقبها الوخيمة على العالم، ولكن وبشكل خاص على الشرق الأوسط.

ممارستها سياسات التهديد الاقتصادي وفرض الحصار الاقتصادي الأمريكي والدولي على الدول التي لا تتجاوب معها وتحت شعار "من ليس معك فهو ضدك". وطبقت هذه السياسة حتى على المركزين الآخرين للدول الصناعية، أي ضد اليابان ودول الاتحاد الأوروبي، دع عنك الدول النامية. أمثلة نموذجية، الحصار الاقتصادي الدولي وتحت الفصل السابع بين 1990-2003 ضد العراق وكذلك الحربين الخليجيتين الثانية 1991 و2003، دع عنك الضربات العسكرية في فترات مختلفة وخاصة العام 1998 في فترة بل كلنتون. 

 

مساندتها المستمرة للنظم الرجعية والمناهضة لشعوب بلدانها، كما في منطقة الشرق الأوسط، رغم الادعاء بدفاعها عن حقوق الإنسان والحريات العامة! وهنا يمكن الإشارة على الموقف من السعودية من جهة، والموقف من إسرائيل في موقفها من القضية الفلسطينية من جهة ثانية.

ولكن العالم لم يعد قادراً على الاستمرار بقطبية واحدة، ولهذا نلاحظ بدء نشوء أقطاباً أخرى وصراعات جديدة وتطور في الدور الصيني عالمياً والتحالف الجديد بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا (بريكس) في قارات أوروبا آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولكن هذه التحالفات الجديدة لم تلعب دورها الكبير حتى الآن، كما كان عليه الصراع في فترة وجود المعسكرين الشرقي والغربي، لأن النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في هذه الدول هو من حيث المبدأ من طبيعة النظام الرأسمالي ذاته.     

 

أرجو أن أكون قد وفيت ولو جزئياً بالإجابة. فالموضوعات التي أثرتها تستحق النقاش والتعمق فيها. ولم يكن الوقت كافياً للغوص بالإشكاليات وتكثيف الإجابات.   

مع خالص الود والاعتزاز بشخصكم الفاضل

كاظم حبيب

 

 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6311 ثانية