دخل يوم الجمعة المصادف 2/10/2015 عشرات ألوف المتظاهرين أسبوعهم العاشر معلنين عن إرادتهم وإصرارهم على تحقيق الإصلاح والتغيير ومطالبة رئيس الحكومة العراقية بتنفيذ ما التزم به أمام الشعب قبل أكثر من 15 شهراً، ثم أكدها بعد صدور تأييد المرجعية الشيعية لمطالب المتظاهرين والتي طالبته مباشرة بمحاربة الفساد وإصلاح القضاء ومكافحة الإرهاب ومحاربة عصابات داعش بعزيمة أكبر وبناء المجتمع المدني، كما أيده الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي. وعلى نفس المنوال كانت مظاهرات يوم 9/10/2015 في عموم العراق. فهل تحقق ما يسعى إليه المتظاهرون؟ لم يحصل شيء جاد يذكر في هذا المجال سوى الكلام العام. فالفساد جار على قدم وساق والفاسدون يحتلون مواقعهم ويعملون بكل صلافة ضد المتظاهرين: يختطفون ويعتقلون ويعذبون ويهددون بالموت لكل من يتظاهر! والإرهابيون ما زالوا يسطون على دور الناس ويختطفونهم ويبتزونهم ويقتلونهم في الشوارع ويفجرون في مناطق مزدحمة ليرتفع عدد القتلى شهرياً.
يعلن رئيس الوزراء عن وجود من له 800 فرد في الحماية، وهناك من يمتلك حمايات أكثر عدداً! فيا ترى من المسؤول عن إزالة ظاهرة الفساد هذه: رئيس الوزراء أم أنا أم المتظاهرون الذين يطالبون دون توقف قطع دابر الفساد والمفسدين وإبعاد من كان يقول "أخذناها بعد ما ننطيها" والقاضي الذي كان يحميه؟ اعتقد إن الرجل في خشية من أمره، وإلا لما أعلن عن استعداده للموت مقابل عدم الحيد عن الإصلاح والتغيير! ذكرني موقفه هذا بمناضل ريفي نقل مع مجموعة من الشيوعيين العراقيين في العهد الملكي إلى سجن بعقوبة. كنا عشرة أشخاص حكم علينا بأحكام مختلفة، وكان هذا المناضل على امتداد الطريق الرابط بين بغداد وسجن بعقوبة يهيب بنا أن لا نخشى الجلادين في السجن، وكان يسعى إلى تقوية عزائمنا ويطالبنا باصمود أمام الجلادين, وحالما دخلنا بوابة السجن وبدأ الضرب العشوائي من قبل عدد كبير من السجانة على رؤوسنا وأجسامنا والدماء تسيل منا حتى كان الوحيد الذي أنهار أمام البرابرة ووافق على إعطاء البراءة. لقد كان يعيش الصراع مع نفسه وكان يطفح نحو الخارج في محاولة منه لتحفيز نفسه على الصمود من خلال شدّ عزائمنا. والسؤال هل يتصرف رئيس الوزراء على هذا المنوال، إذ يعلن بإن المظاهرات لا تزعجه وتشد أزره وتمارس الضغط على الحكومة وعليه، ولكن العبادي لا يتجاوب مع المتظاهرين، والتسويف يجهز على القضية!!!
أمن المعقول أن يبقى قاضي قضاة العراق في مركزه رغم معرفته بدوره وعلاقته بصدام حسين وبول بريمر ونوري المالكي وخضوعه لهم جميعاً! يبدو إن ميزان القوى، كما يشعر رئيس الحكومة، ليس في صالحه، وعلينا العمل على تغيير ميزان القوى لصالح الإصلاح والتغيير. وهذا يتطلب من المتظاهرين وبكل وضوح العمل من أجل التوسع بنضالهم اليومي بأساليب نضالية جديدة أخرى لا تتوقف وتجمد عند المظاهرات في أيام الجمعة من كل أسبوع.
إن جميع المشاركين في المظاهرات ومنظميها، الذين اصطفتهم المظاهرات ذاتها ومن أبناء وبنات الحركة الشعبية العفوية ذات الوعي الإنساني العميق بأوضاع الشعب ومطالبه وذات الاستقلالية في العمل وفي طرح رؤية المتظاهرين وتطلعاتهم والمدافعين ببسالة عن حرية الرأي، تقع على عاتقهم تطوير أساليب النضال السلمية والديمقراطية التي يقرها الدستور العراقي، وأعني بذلك ممارسة الاعتصامات والإضرابات والتجمعات اليومية وتعطيل الدراسة في الجامعات والكليات والمدارس من جانب الأساتذة والطلبة، وأن لم تنفع كلها فلا بد من التفكير بالعصيان المدني للموظفين والمستخدمين والعاملين في مختلف المشاريع والصحف العراقية وكل الناس الآخرين لشل الحياة فعلياً وبما يجبر رئيس الحكومة، الذي أغلق أذنيه عن سماع أصوات المتظاهرين التي وصلت إلى عنان السماء وبلغت المئة ألف متظاهر تقريباً في يوم الجمعة المصادف 2/10/2015 ببغداد وحدها، ولم يعد يسمع إلا صوته كما يفعل كل الحكام السائرين على طريق الحكم الفردي!!
إن الإصلاح والتغيير الحقيقيين والتخلص من الطائفية المقيتة ومحاصصاتها، التي كان رئيس الوزراء أحد مؤسسيها والفاعلين القياديين فيها، شاء ذلك أم أبى، بسبب عضويته في حزب طائفي أذل الشعب العراقي وساعد قادته وحكامه على سرقة أموال الشعب واحتلال ثلث العراق ونزوح وتشريد سكانه وسبي واغتصاب أخواتنا من النساء الإيزيديات من قبل الأوباش الداعشيين وبيعهم في سوق النخاسة الإجرامي، هي التي ستلهم المقاتلين في جبهات القتال العزم والاستعداد للتضحية في سبيل عراق حر، مدني وديمقراطي، عراق خال من كل أشكال التمييز والفساد والإرهاب والاختطاف وغياب العدالة الاجتماعية.
على رئيس الحكومة أن يصغي بعناية لرأي الشعب وإلى مرجعيته الدينية الشخصية، وأن لا يخشى من أفراد قيادته الذين ربما جمعوا عليه ملفاً لدى المالكي، فالشعب يمكن أن يسامح من لا تأخذه العزة بالإثم ويعود إلى صف الشعب وينفذ إرادته ويستجيب لمصالحه ويكافح ضد أعداء الشعب والوطن!!