الرئيس بارزاني يستقبل بطريرك كنيسة المشرق الآشورية وأساقفة المجمع المقدس      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يترأس الاحتفال بالقدّاس الإلهي ‏لمناسبة تذكار مار كيوركيس الشهيد‏ - نوهدرا (دهوك) ‏      أحتفالية بمناسبة الذكرى 109 للأبادة الجماعية الأرمنية - كنيسة القديس سركيس في قرية هاوريسك      بحضور السيد عماد ججو .. انطلاق المهرجان الادبي الاول للغات الام (الكردية والتركمانية والسريانية ) في محافظة اربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل راعي الكنيسة المشيخية في اربيل      بالصور.. انطلاق اعمال المجمع السنهادوسي لكنيسة المشرق ‏الآشوريّة ‏- أربيل      سيادة المطران يلدو يختتم مهرجان كنيسة مار كوركيس في بغداد بالقداس الاحتفالي      مسؤول كنائس نينوى الكاثوليكية: عدد المسيحيين في العراق آخذ في الانخفاض      رئيس "السرياني العالمي": ليومٍ وطني يخلّد ذكرى الإبادة التي تعرض لها مسيحيو الشرق      قسم الدراسة السريانية لتربية نينوى يقيم درساً تدريبياً لمعلمي ومدرسي مادة التربية المسيحية في قضاء الحمدانية      فرنسا.. إلقاء القبض على "إرهابي" الأولمبياد      كهرباء كوردستان: التيار الكهربائي سيعود إلى طبيعته غداً الجمعة      بدء عملية أمنية واسعة في البتاوين ببغداد تستمر عدة أيام      البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية      الأف بي آي يحذر مجدداً.. أميركا قد تشهد هجوماً داعشياً      يشبه يوتيوب.. منصة "إكس" تعلن قرب إطلاق تطبيق لمقاطع الفيديو      أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض      هل يمكن لفيزياء الكم أن تقضي على الشيخوخة وأمراض السرطان؟      بعد مهلة العام.. 3 بدائل أمام "تيك توك" للبقاء حيا في أميركا      حكومة إقليم كوردستان: الأنشطة السياحية تتزايد يوماً بعد آخر وفقاً لخارطة تطوير القطاع السياحي
| مشاهدات : 1823 | مشاركات: 1 | 2015-11-30 10:42:51 |

هيثم بردى: لجأت إلى تدوين التاريخ خوفاً من سطوة الملك… الجائر


عشتار تيفي كوم/

في حوار أجرته معي الصحفية سجا العبدلي، ونشر في صفحة (ثقافة) من صحيفة السياسة الكويتية في العدد 16918 الصادر يوم الخميس الموافق 26/11/2015

*******

روائي عراقي نسج في «أحفاد أورشنابي» أحداث قرية في شمال وطنه

هيثم بردى: لجأت إلى تدوين التاريخ خوفاً من سطوة الملك… الجائر

بيروت – سجا العبدلي

https://docs.google.com/gview

http://al-seyassah.com/%D9%87%D9%8A%D8%AB%D9%85-%D8%A8%D8%…/

عن «أحفاد أورشنابي» يقول الروائي هيثم بردى: «التأريخ ذاكرة الزمن لا مراء ولا جدال فيها، ولا مناص من تقبلها باعتبارها حقيقة ثابتة.. ويضيف: «نسجت روايتي حين نقلت وبكل أمانة، أحداث قرية في شمال وطني العراق، أيام الحرب العالمية الأولى، التي اكتوى بنيرانها أبناء العراق والشام ولبنان وسواها.. حين سيق رجالها ليكونوا حطباً لنيران أشرس حرب ضروس استعر أوارها لأربعة أعوام والتي أطلق على هذه الممارسة الشنيعة «السفر برلك»، وتجولت عبر ذاكرة شيخ في حوله الثمانين بتفاصيل تلك الأيام الممهورة بالحزن والفجيعة والموت».

هيثم بردى روائي وقاص عراقي صدر له في الرواية : الغرفة 213، مار بهنام وأخته سارة، قديسو حدياب، واخيراً أحفاد أورشنابي. وفي القصة: حب مع وقف التنفيذ، الليلة الثانية بعد الألف،عزلة أنكيدو، الوصية، تليباثي، التماهي، نهر ذو لحية بيضاء، أرض من عسل. بالإضافة إلى عدد كبير من الأبحاث في مجال الشعر والقصة والرواية وإصدارات كثيرة في أدب الطفل. ترجمت قصصه إلى اللغة الإنكليزية والهولندية والفرنسية والإيطالية والسريانية والكردية. وحاز الكثير من الجوائز الأدبية.

س1: حدثنا عن عنونة الرواية؟

ج1: ثمة بدهية تشرعنها وتبرهنها وترسخها الدراسات والتنظيرات المعاصرة تتعلق بالعنونة باعتبارها عتبة تشرّع الأبواب نحو النص وتفضي إلى تبئير ماهيته وكينونته، شعراً كان أم سرداً بكافة أجناسه، أم منظوياً تحت يافطة الأجناس الإبداعية الأخرى، فلو نظرنا إلى عنوان الرواية وجدناها تترسم من كلمتين حسب [أحفاد أورشنابي] الأولى واضحة دارجة تتماهى وتتنرفن مع الثانية، وبتآصرهما الذي يعني بحسب ما جاء في الرواية كدلالة للمفردة الثانية (أورشنابي... وهو ملاّح "أوتونبشتم" الذي عبّر ملك أوروك "كلكامش" بطل الملحمة المسماة باسمه، بزورقه في مياه الموت، قبل وبعد حصول كلكامش على عشبة الخلود)، بحسب أولى الملاحم العالمية التي نبعت من أرض العراق، أرض ما بين النهرين، وأعني بها (ملحمة كلكامش) تنشرع العتبة مفتوحة على مصراعيها وتتجلى كنقطة تثوير واخزة ملحاحة في ذاكرة المتلقي كي يضع النقلة الأولى التي تفضي إلى عوالم النص الروائي الذي يكون قطعاً لمقصدية العنونة محاكاة الحفيد المعاصر لسلفه الأول أورشنابي.... وبطبيعة الحال لا يمكن للتوقع أن يغادر قط ذائقة المتلقي بأنه إزاء رواية عراقية قح، تستلم الخيط، كسمة ودلالة وإشارة، وليس كمحاكاة حرفية ناقلة عن النص الأصيل، وبناء علية فأن [أحفاد أورشنابي] هم سليلو ذلك العبّار الذي تمظهر في مستقيم طرفاه، العدم والخلود، والذي ترك في مديات زورقه ومجذافيه الرغبة الأثيلة للملك المتدله بالإستحواذ على عشبة الخلود، لا لكي يحظى هو بمفرده بها ويكتب له الخلود، بل لكي يطعم كل سكان عاصمته أوروك وأركانها المترامية الأربعة ليكتب لهم جميعاً الخلود، ولله دره من ملك حوّلته التجربة الحياتية القاسية المضنية من ملك غرّ مستبد إلى ملك معطاء....

س2: لم تعتمد الأسلوب التقليدي في حبك أحداث هذه الرواية وإنما نستطيع أن نلمس انحرافاً عن الأسلوب المعتاد في كتابتها وبهذا خرجت بها من نفق الرتابة والكلاسيكية.. حدثنا عن هذا التكنيك.

ج2: ذائقة التلقي لدينا كقراء بقيت مرتكنة إلى البنى المرسّخة منذ عقود طويلة والتي لا تتعدى القوالب الجاهزة المتوارثة والمتمثلة بالوحدات الأرسطية، في حراكها المعروف، -إلاّ ما ندر وهو قليل-، قياساً بما تلفظه دور النشر من مئات الروايات سنوياً عبر امتداد الأرض من المحيط إلى الخليج، وبتموسق لا فكاك منه مع التابوات المحرمة، وعندما أقول التابوات لا أعني بها ما هو متعارف عليه مذ نشأ الفن السردي العربي، بل أعني القوالب الفكرية والفنية والثقافية المتقاطرة التي تتعاقب بآلية تشبه حالة الخيول المغماة، وآلية صماء مسحورة كما السائر في نومه، والتي تنأى عن خوض غمار الخلخلة والمغامرة والاندفاع نحو الأقاصي الغامضة من مديات السرد الحديث الذي يبحر في التجريب والمغادرة والمغايرة والتجديد واجتراح الفعل الخارق، تماماً كما حدث في فرنسا مطلع الثلث الأول من القرن الفائت بظهور موجة الرواية الجديدة، بسبق لا يتجاوز العقد والنيّف عن اجتراح مصطلح الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية، وفي تجربتي المتواضعة على قلة من نشرت من روايات (أربع روايات) حاولت أن أغامر من خلال إدخال الطرائق المعاصرة المرسخة في الكتابة السردية كالمنولوج وتيار الوعي وتداخل الأزمنة والأمكنة، انتهاء في [أحفاد أورشنابي] من خلال تداخل الأزمنة والأمكنة والشخصيات بشكل يوهم القارئ أنها غير تراتبية، ولكن الذات القارئة الواعية تستطيع بعد لأي أن تعيد ما خلخلته المعالجة الفنية للذات الساردة، بوحدات بنائية متسلسلة تستنبطها وتستغورها الذات القارئة المتلقية.

س3: ماذا عن لغة العمل؟ كيف استطعت من خلالها كسر روتين الكتابة الروائية؟

ج3: يحتار الكاتب عندما يعزم تدوين التاريخ في قالب روائي معاصر، في كيفية صياغة العمل من ناحية اللغة، وجلّنا يعلم أن السرد الروائي العالمي المعاصر صار يولي اللغة اهتماماً استثنائياً من ناحية تثويرها للنص في ذائقة المتلقي من خلال نحت اللغة بقوالب تتشظى فيها الكلمة والجملة إلى دلالات إشارية تلج عميقاً في بنية الذاكرة وهي تحاول استشفاف النص لكشف مكنوناته العصية القصية، وايقنت أني يجب أن أوائم بين السارد (ثمانون عاماً) وبين المتلقي الراهن، فانحاز العمل الروائي إلى إصرار السارد العتيق على ان يلقي بكل (خزعبلات) البنيوية والحداثة وما بعد الحداثة إلى سلة مهملات زمانه وان يستعيد الأحداث بلغة المقهى والرجال وسجاف الليل والحكواتي، ولكنه لم يلتزم ذلكم الجد العنيد العتيد بالطرائق الأرسطية المتداولة، ليس في فن القصة والرواية المعاصرة فحسب، بل حتى في طريقة الحكي المتوارث، فقفزت ذاكرته عابرة موانع الزمان والمكان والحدث ليتجلى نصه كاسراً إياها في صيغة لم تألفها الحكاية فتواشجت النهاية بالذروة مروراً بالبداية ثم قفل الحكاية، وبذلك تحول الحكواتي إلى راوٍ يستنبط المدارس الجديدة في صياغة العمل الروائي.

س4: تقول التأريخ ذاكرة الزمن.. لماذا قررت العودة بالزمن إلى هذه الفترة والكتابة عنها؟

ج4/ التاريخ في مفهومي الخاص عبارة عن إطار تمور في داخله تفاصيل الصورة، ومن اليسر أن تخلع الإطار وتضع في داخله تفاصيل جديدة مغايرة تبعاً لرؤى مغايرة، فإن كانت بفعل أصابع منحازة إلى وجهة نظر معينة تجافي وتبتعد وتخاصم الحقيقة مبتعدة عن الحقيقة المحررة والوقائع يمكن أن تنتج صورة مغايرة تماماً، بل على النقيض من الصورة الحقيقة بكل صدقها، ويمكن أن نقول أنها تغالي في تزييف وقائع الصورة، وإن كانت بفعل مدلّس يحاول من خلال وضع إطار التاريخ في نسيج صورة حيكت في أقبية سرية همها الرئيسي خلط الأوراق كي تضيع حقيقة التاريخ في متاهات ومطبات الصورة النتنة المنسوجة والمعروضة من تينك الذاكرة والذائقة المأفونة، فأنها تكون صورة قوامها الكذب وطمس معالم الحقيقة، وهذه الافتراضية تقودني إلى حادثة افتراضية أيضاً مفادها أن أحد الملوك في الزمن القديم جاء بمدونين ووضعهم في قصر وأملى عليهم أحداث حكمه الجائر على أنها سنين وردية عاشها شعبه المرفه، وعندما حاججه أحد المدونين الشطار أسر في أذنه قبل أن يجهز عليه،

أن ما أقوله هو الحقيقة وبعد قرن أو قرنين سيكون ما دونه زملائك هي التاريخ المشرعن لمملكتي الزاهرة.

ولخشيتي من هذا الملك الجائر، وللأمانة التاريخية، كانت مدونتي السردية هذه.

س5: من اي مصادر استقيت أحداث روايتك خصوصا حين تقول "نقلت وبكل أمانة أحداث قرية في شمال العراق أيام الحرب العالمية الأولى؟

ج5: مدننا وقرانا مرت بفترة عصيبة ببشر بسطاء مغلوبين على أمرهم مطحونين برحى حرب مجنونة لا تذر ولا تبقي، ولكون البشر في هذه البقعة يرزحون تحت لظى حكم امبراطورية تدل كافة الدلائل والمؤشرات على هزيمتها وتقوضها وتلاشيها، فكان لا بد من ذاكرة.... ذاكرة بكر، نظيفة، أمينة، ترى الحقيقة مثلما نعاين الشمس البكر في أول الشفق، فكانت ذاكرة جدي "جرجيس بردى" الذي عايش وزامن هذه الفترة في ذروة شبابه، ورواها لي أنا الفتى اليافع، ناصعة فوارة ندية صادقة بعد مرور خمسة عقود على افتضاضها، وجسده الثمانيني المكدود يقتعد تخته الخشبي الأثير ويروي لي تاريخ قرى في ريف الموصل وهي تظفر أيامها مثل فتاة تفتحت في حشاياها العميقة أمائر الشبوة، ترى الحياة نقية عذراء مثل عذرية سنينها، فكان يحكي لي كحكواتي "قصّخون" متمرس وهو يعجن تينك القرى ببعضها ببعض من خلال رموزها وطقوسها وخصوصيتها واشتراكها بسمة واحدة هي المقاومة الباسلة، رغم أنهم، في الغالب الأعم، عُزّل مسالمون،.... لممارسة "السفر برلك"، أي التجنيد الإجباري للشباب وأخذهم إلى متاهات الحروب الكونية العبثية.... لينتج عن العجينة خميرة ناضجة خبزتها تنور ذاكرة حكواتية بيضاء، لتشّكل سفراً أبيض يتوسط إطار التاريخ.

س6: "ذاكرة زمن لما يزل حياً في وجدان شعب حي"، ما مدى صحة هذه المقولة خصوصاً في زمن كهذا الزمن؟

ج6: عندما يكون الضمير الحي والسيرة الحسنة والإباء وعدم السكوت على الضيم ومقارعته، إضطراراً وليس طوعاً، تكون صفحة ذلك الشعب الحي ناصعة كنديف ثلج بكر في شعف جبل شاهق، عندما تشرق شمس الربيع عليها يكون نصوعها كنصوع ضوء الشمس، وهذه السجية الثمينة "الضمير الحي" تسجل لها حضوراً دائماً في كل الأزمنة، وتأسيساً على هذا فذاكرة الزمن التي تؤرشف مسيرة شعب حي تكون دائماً كخلية النحل مشغولة دائماً بإنتاج العسل المصفى.

س7: في أحداث هذا العمل تجولت في ذاكرة جرجيس، الشيخ الذي وصل لحوله الثمانين.. لماذا اخترت هذه الشخصية تحديداً؟

ج7: من المتعارف عليه، ان الإنسان في تسابقه مع السنين ذاكرته إما تتعامل طردياً مع رحلة العمر الطويلة، أو تتعامل عكسياً مما يؤدي به الى النسيان ان لم يصبه داء الخرف، وجرجيس رغم جسده المتداعي كان يمتلك ذاكرة وقادة لا تتعب من تذكر تلك السنين الخوالي وتحشيتها في ذاكرتي الطرية، وحين صممت على افراغ ما في جعبة ذائقتي السماعية لما سردته أخيلته، أبى إلاّ أن يأتيني بعد رحيله الجسدي، ويكون هو السارد للرواية.

س8: الموصل والأحداث المؤسفة التي تمر بها الآن، هل تعتقد أن في قضيتها مادة دسمة لعمل روائي يحاكي واقع الحال؟

ج8: الذي يقول خلاف ما ورد في السؤال يكون مجانباً للحقيقة، مؤكد أن هذا الفعل الاستثنائي يوّلد أدباً استثنائياً، ولكن هذا مرهون بتوازي الحدث والزمن ومسيرتهما جنباً لجنب، فمع تقادم الأيام والشهور والسنين سيكتب أدب يتكلم عن هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المدينة وسائر المدن والقرى المحيطة بها والتي هُجر أهلها في شتات الأرض، وأنا أحدهم،... في الأيام الأولى كان الناس عموماً والمثقفون منهم في حالة صدمة وذهول، وتبعاً لذلك ظهرت كتابات، وخاصة شعرية، تحاول ان تستوعب ما حدث، ولكن جلّ ما كتب هي انفعالات لم تقترب من جوهر الواقع الجديد وتفاصيله وتجلياته، ولا يمكن ان نقول إلاّ أن ثمة روايات وقصص ستكتب بعد حين، حين تتجلى المواقف ويبان كل ما حدث بكل جلاءه، وحينئذ ستكتب روايات كثيرة عن هذا الأمر.

س9: ما بين كتابة القصة القصيرة والرواية.. أين تجد قلمك أقرب؟

ج9: مقارنة عصية قطعاً، الأعّم الأغلب من قصاصي جيلي بدأوا مع القصة القصيرة - لكون الرواية في حقبة مستهل سبعينات القرن الماضي فن نخبوي لمن يمتلك تجربة طويلة في الكتابة السردية-، حيث كنا نحرث حقل الإبداع بمحاولتنا الخجولة الواعدة الأولى، كانت في القصة القصيرة، لكون كتابة الرواية كانت مقتصرة على أسماء من الجيل الخمسيني والستيني لا يتجاوزن أصابع اليدين، كون الفن الروائي، كما تلقينا مما سبقونا فن صعب جداً، وكانت القصة القصيرة ملكة السرد ليس في العراق فقط بل في جل البلدان العربية، إذا استثنينا سوريا ومصر ودول المغرب العربي التي كان لها تجربة ممتازة في كتابة الرواية، فكان انحيازنا التام للقصة القصيرة، والمفارقة عندي أن أول اصدار لي كان رواية اسمها (الغرفة 213) أصدرتها عام 1987، ولكني كنت عاشقاً للقصة القصيرة والقصة القصيرة جداً، ولم أعد للرواية إلاّ عامي 2007 و 2008 حيث أصدرت روايتين أُخريتين، أما من هي أقرب مني فإني أحب اجتراح السرد، دون الالتفات إلى جنسه، أن كان قصة قصيرة جداً أم قصة قصيرة أم رواية.

س10: ما هي قراءتك لتطور القصة القصيرة في العراق وما هو تقييمك لواقعها المعاصر؟

ج10: منذ عشرينات القرن الماضي حيث انبثق فن القصة وحتى الآن مروراً بمراحل نموها وتطورها، حاكت القصة القصيرة في العراق المدارس الفنية التي سوّقت إليها من مظانها، بدءاً من السرد الروسي في القرن التاسع عشر بالترادف مع السرد الفرنسي في عين القرن، فكانت بواكير القصص متأثرة بهاتين المدرستين، فضلاً عن السرد التركي الذي كان العديد من المبدعين العراقيين يتقنون لغته وبالتالي نهلوا من فنه السردي، فكانت القصة العراقية تتوشح بالواقعية التي تنقل الواقع كما هو – تماماً مثل سالب الصورة الشمسية -، واستمر الحال حتى ولادة الجيل الخمسيني الذي قام بالثورة على القوالب العتيقة متوشحاً بالواقعية الانتقادية، فكانت مرحلة الخمسينات انتقاله حقيقية بوأت التجربة العراقية إلى المصاف المتقدم من القصة العربية، ثم جاءت الانعطافة الأخرى التي قلبت الموازين متسربلة بالمدرسة الوجودية وما أخذته من مساحة واسعة في عقول الشعوب في أرجاء المعمورة وخاصة المثقفين، فانتشر الأدب الوجودي وخصوصاً في القصة في العراق، مما أدى إلى انحسار الجيل الخمسيني إلى الجيل الذي تلاه والذي انشغل بالوجود والجدوى والماهية، فاصطخب العراق وسائر الدول العربية الأخرى بهذه الموجة التي سرعان ما سلمت أمرها منتصف السبعينات إلى الواقعية من جديدة ولكن بعنوان آخر "الواقعية الاشتراكية"، الذي لم يدم ربيعها طويلاً لتجتاحها واقعية بديلة هي "الواقعية السحرية" جاءت هذه المرة من أقاصي الأرض، من أمريكا اللاتينية، التي شملت العالم بأسره ببنائها السحري وأجواءها المحلية البحتة التي جعلت العالم ينتبه إلى حقيقة أن الانطلاق نحو العالمية يأتي من المحلية. والنتيجة الحتمية لهذا يمكن أن نقول أن القصة العراقية انتجت خلال عمرها الذي يربو على عقود تسعة ونيّف من الأسماء القصصية التي كانت تجد نفسها في متن سجل القصة العربية.

س11: ماذا عن الرواية؟

ج11: الرواية العراقية كما وضّحتُ قبل قليل، لم يتعمق بها المبدع العراقي إلاّ قليلاً، فمنذ الرائد محمود أحمد السيد مروراً بعبدالحق فاضل وذي النون أيوب في الثلاثينات والأربعينات لم يطأ عوالمها إلاّ القليل جداً من المبدعين العراقيين باستثناء غانم الدباغ وآخرين، ولكن النقلة المهمة والتي جعلت المبدع العراقي ينتبه إليها ويجرب كتابتها حتى دون أن ينشره كانت رواية (النخلة والجيران) لغائب طعمة فرمان التي تعد البداية الحقيقية للرواية بكل مقومات نجاحها، ثم كتب الستينيون والسبعينيون الأجيال اللاحقة وإلى هذه الساعة المئات من الروايات، حتى أن سحرها الأخاذ جعل الشعراء يكتبونها وبنجاح كبير (يوسف الصائغ مثالاً)، وبقيت على حال مدّ وجزر رغم أن الواقع الثقافي العربي والعالمي كان ينبئ عن انفجار هائل في الكتابة الروائية وكأنها موضة سرعان ما تزول، ولكن الحقيقة كانت خلاف ذلك فمع تصرم الحقب تضاعف النتاج الروائي مرات كثيرة مما جعل القصة القصيرة تتوارى خجلاً بإصداراتها القليلة، ولكن هذا المد لم يخنق القصة لكنها بقيت رغم كل شيء متعلقة بأهداب التجدد، وإزاء هذه الظاهرة يدور في خلدي سؤال: أمام هذا الكم الكبير من الروايات العراقية التي صدرت خلال العقود الفائتة، كم رواية سطرت لها تواجداً في الميدان الإبداعي عراقياً وعربياً؟ وأترك الإجابة للذائقة النقدية والقرائية.

س12: كتبت لأدب الطفل .. ما هي برأيك أبرز التحولات التي طرأت على هذا الأدب؟

ج12: الحديث عن أدب الطفل في العراق بكافة أجناسه ولكافة الأعمار يقودنا إلى إشكال قد لا يتوافر في أجناس الأدب الأخرى كالقصة والرواية والشعر والمسرح... الخ، يتمثل بكون هذا الجنس الأدبي يبدو شاحباً، لا لكونه جديداً بل لأنه ضارب في القدم، فإن استثنينا آداب ما بين النهرين " حكم أحيقار الآشوري مثلاً "، وأدلينا بدلونا لدراسة بداياته في مستهل القرن العشرين حيث لبست القصيدة والقصة والرواية والمسرح والسيناريو، الموجهة للأطفال لبوسها الحديثة، تأثيراً بما وفد إلينا من الغرب من قص وحكي وشعر ومسرح متقدم، لوجدنا أن الأديب العراقي، وخاصة القاص العراقي حاول أن يجرب الكتابة للأطفال، لا سيما عندما تيقن أن القصة الموجهة للطفل لها: (أثر في تعلم اللغة، عندما تكون مناسبة لميول الطفل واستعداده وقدرته فهي تزيد من ميله نحو التعلم ) "1"، ولكون أدب الأطفال يعني: (الفن الهادف الجميل واللغة الأدبية المعبرة التي توجه للطفل من خلال الكلمة، شعراً أو قصة أو مسرحية وكل ما يدخل أبوابها من وسائل أدب الطفل) "2"، ولكون الطفل في مستهل عشرينات القرن الماضي قد تيسرت له وسيلة للإطلاع على هذا الجنس الأدبي الجديد، حين أصدر السيد سعيد فهيم مجلة خاصة بأدب الطفل أسماها (التلميذ العراقي) في 9/ ت2/ 1922م، فلا بد من وجود أديب ينشر فيها أدبه، وهكذا كان فقد نشر في العدد الرابع والصادر في نفس العام منها، رائد القصة القصيرة في العراق القاص محمود أحمد السيد قصته "أبن الدلال"، كون السيد: (أول من فكر ونشر قصصاً يوم لم تعرف بغداد معنى القصة) "3"، وبالرغم من وجود محاولة سابقة كتبها طالب مشتاق في العدد الثاني من المجلة إلاّ أن الدكتور جعفر صادق محمد يؤكد أنها كتبت بأسلوب التوليف، وبهذا لا يمكن أن تندرج تحت مصطلح قصة الطفل.

ومن رواد أدب الأطفال في العراق الذين يمكن أن نسجل أسماءهم بمداد من فخر واعتزاز ووفاء: محمود أحمد السيد، طالب مشتاق، عبدالمجيد يوسف، عزيز سامي، وعبدالعزيز أفندي بطرس. في القصة.

ومعروف الرصافي، مصطفى جواد، باقر سماكة، أحمد حقي، وبديع شريف. في الشعر.

ثم توالت المجلات المتخصصة بأدب الأطفال في العراق بالصدور وهي على التوالي: (الكشاف العراقي، التلميذ، الفتوة، صندوق الدنيا، النشاط المدرسي، الطلبة، سند وهند، ألف ليلة وليلة، الظريف).

وبقي أدب الأطفال في العراق بين مدٍ وجزرٍ، ولم تتحدد ملامحه الفنية، وبقي ضمن الاهتمامات الثانوية للأديب، وتشكلت تبعاً لذلك موازنة عكسية بينه وبين سائر الجناس الأدبية الأخرى كالقصة القصيرة والرواية والمسرح، فكلما تطورت هذه الفنون انحسر أدب الأطفال.

الانعطافة المهمة حدثت حين صدرت مجلة (مجلتي) في 1/12/1969 ومن ثم جريدة (المزمار) في 12/12/1970، حيث بدأت انطلاقة أدب الأطفال بشكل غزير مما جعل العديد من دارسي أدب الأطفال في العراق اعتبار هذا التأريخ البداية الحقيقية لأدب الأطفال، وظهر تبعاً لذلك جيل جديد كتب عليه مسؤولية حمل عبء هذه التركة الثقيلة التي مضى على تكدسها أربعة عقود ونيّف من شبه سبات وركود، رغم توفر كم جيد من المجلات، ولكني من وجهة نظري المتواضعة، لا يمكننا أن نوافق على الآراء التي دعت إلى شطب هذا الجهد النبيل بجرة قلم، لأن ما قام به الأولون هو الضربة الأولى الحريفة للإزميل الذي نحت في المستحيل والخواء، ليحفر في صخرة الجهل، ويشق طريقه بكده المتواصل ويخفر ملامح الدرب نحو رياض أدب الأطفال.

هذا الجيل الجديد الذي ولد مع مجلتي والمزمار قيض له أن ينبثق- مثلما تتفجر رشيشات الماء من الينبوع- أسماء محتشدة مهمة رسمت طريقها بالتألق والإبداع المتجدد، ليس على مستوى العراق حسب، بل على المستوى العربي أيضاً، وصاروا رموزاً لأدب الطفل في العراق وخارجه، وصرنا نزدهي بأسماء عديدة لا يمكن حصرها، فكان لنا في القصة: طلال حسن، د.جعفر صادق محمد، فاروق يوسف، عبدالرزاق المطلبي، حسن موسى، زهير رسام، صلاح محمد علي، سعيد جبار فرحان، حسب الله يحيى، حنون مجيد، عبدالآله رؤوف، د.طالب ناهي... وغيرهم. وفي الشعر : فاروق سلوم، فاروق يوسف، جليل خزعل، فاضل عباس الكعبي، خيون دواي الفهد، محمد جبار حسن، زهير بردى، سعد جاسم... وغيرهم. وفي المسرح فقد خاض به على استحياء القليل مثل : قاسم محمد، طلال حسن، عزي الوهاب،.... وغيرهم، وربما لكونه حقلاً مليئاً بالأشواك، لم يحرثه أحد من قبل.

أما الحكاية الشعبية، فقد صال وجال قصاصونا وحتى شعراؤنا في هذا الحزين الكمي والنوعي الهائل للحكي المتوارث، الشفاهي والمدون، فصار كاتبنا العراقي يدّون الحكايات المسّتلة من بطون كتب التراث كأساطير أرض ما بين النهرين، وألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، ومجمع الأمثال، والإمتاع والمؤانسة، وحرب داحس والغبراء، والزير سالم، وتغريبة بني هلال.... الخ، ووظفها بما يتوائم مع ذائقة الطفل العراقي بكافة مراحله العمرية، مما سجل ودوّن كما هائلاً من النتاج القصصي والسيري " السيرة القصصية".

***

): كتاب- مشكلات القراءة لدى الأطفال/ بيتر برانت ولنيث باولي/ ترجمة: شاكر نصيف لطيف.

(2): كتاب - قصة الطفل في العراق... النشأة والتطور1922- 1990/ طاهرة داخل طاهر.

(3): كتاب – محمود أحمد السيد رائد القصة الحديثة في العراق/ د. علي جواد الطاهر.

*

العشبة - مسرحية للفتيان


تجليات الفضاء السردي


تليباثي - مجموعة قصصية


غلاف المجموعات القصصية







مشاركاتكم (1)
جوزيف حنا يشوع | 2015-12-01 11:28:44
تحايا ورفع قبعات للادب النقي الموسوم بالانسانية والتشبث الروحي قبل المادي بالأرض.




أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6086 ثانية