اخواني واخواتي الاعزاء
هذه هو الجزء الثاني من ما كتبت سابقاً عن ( الحرب .. والاصدقاء ..والضياع ) وكان الجزء الاول عن انطون وسيكون الجزء الثاني عن ثامر
-----------
في منتصف العام الدراسي ١٩٧٠ انتقلنا من منطقة الدورة الزاهية الى منطقة كراج الأمانة الجميلة الخالدة وبعد ان رتبنا امورنا في المحلة الجديدة أخذتنا اختي الكبيرة انا واخي الأكبر واخي الأصغر الى المدرسة الجديدة والتي كان اسمها مدرسة النجاح الابتدائية الواقعة خلف قاعة النادي الاثوري الرياضي القديم .
وبعد نهاية عطلة منتصف السنة ابتداء الدوام وكان اول طالب أتعرف عليه هو مراقب الصف وكان اسمه ثامر جرجيس
ولد بعمري أطول مني جميل الشعر والوجه ذو ملابس أنيقة ونظيفة .
ومع مرور الأيام تقربت منه وبدأنا نكون اصدقاء حيث كانت تشدنا كرة القدم والرياضة وحيث كان بيتهم في منطقة ال ٥٢ على مسافة خمسة دقائق من بيتنا وكان لهم بيتاً كبيراً ذو حديقة كبيرة
و بعد ان اصبحنا اصدقاء كنّا نقضي أوقاتنا مع بقية الشلة في الحديقة الخلفية لبيتهم وكانت أمه خالة فيوليت تسمح لنا بذلك خوفاً علينا من اللعب في الشارع ولكي يكون ثامر في أمان حيث كان ثامر الابن الوحيد الغالي والمدلل لخالة فيوليت وعمو جرجيس .
كانت الخالة فيوليت من مدينة الموصل وتتكلم مصلاوي على طول الوقت في البداية كنّا لا نفهم أحياناً ما تقول حيث تستعمل اللهجة المصلاوية فكنا نضحك ونسمع ولا نرد عليها أبداً فقد كانت مثقفة وانسانية متعلمة ونشطة جداً ولكن بعد سنوات تعلمت اللهجة البغدادية وأصبحنا نفهم ما تقول ونحب ما تفعل لنا .
اما عمو جرجيس فكان من احدى القرى الكلدانية و كان تاجر أقمشة ويملك محلات في منطقة بغداد الجديدة وكان يأخذنا أحياناً هناك بسيارته ال dodge
كَانت أيامنا جميلة ونحن نكبر وتمر أوقاتنا ونحن نلعب ونمرح وندرس ومن ثما دخلنا معاً والشلة الى متوسطة صنعاء وبعدها اصبحنا مراهقين وانتقلنا ومع الشلة الى الإعدادية الشرقية وثم تخرجنا .
ثامر دخل كلية التجارة التي لم يحبها يوماً لانه كان يريد دخول كلية التربية الرياضية .
كان ثامر أعز أصدقائي وقريب من فكري وثقافتي ويفهمني جيداً .
ولعبنا معاً في كل الفرق الشعبية وفرق المدرسة والإعدادية والاندية ولم نفترق هو يلعب في مركز دفاع متقدم وان العب في مركز دفاع متاخر اي جنباً الى جنب مثلما كنّا في حياتنا الاجتماعية والعائلية .
كنت أزوره اكثر من بقيت الشلة وهو كان لا يرتاح الا معي وكنا نقضي أوقاتنا معاً واذهب معه الى محلات عمو جرجيس وكان هو يأتي الى بيتنا وكان يطلب من أمي ان تبلغه عندما تطبخ الرز الأحمر والدجاج حيث كانت هذه اكلته المحبوبة .
وكان اهلي يحبون ثامر جداً لانه كان خلوق وهادى وطيب ووفي ومطيع .
مرت الأيام وفي احدى الليالي وبينما كنّا في بيتنا نتفرج مباراة كرة قدم من الدوري الإنكليزي كان ثامر صامتاً ولا يتكلم كثيراً ويبدو منزعجاً فحاولت الكلام معه وحاولت ان اعرف مشكلته ولكني فشلت .
وبعد ايام ذهبت الى بيتهم ولم يكن موجود وبعد السؤال عن الحال والاحوال
قالت لي خالة فيوليت : هل تكلم معك ثامر ؟ هل قال لك ماهي مشكلته ؟
قلت لها : لا وماهي المشكلة
قالت : ان ثامر لا يريد الاستمرار في الدراسة في كلية التجارة
قلت : ماذا تقولين هل لا زال قلبه في كلية التربية
قالت : لا
قلت : إذن ماذا حصل
قالت : انه في مشكلة مع نفسه الان وأريد منك ان تكون معه كل الوقت وانا وعمو جرجيس خاءفين مضطربين لا نعرف ماذا نعمل انه ابني الوحيد ولا اريد ان اخسره
قلت : لماذا تبكين وتتكلمين هكذا وانت انسانة متعلمة وتفهمين الحياة
قالت : ان مصيبة ستحل علينا بسب زيارة اخواني من الموصل لنا قبل أسبوع .
قلت : انا سأبحث عنه في المنطقة وثم اعود إليكم
قالت : لا تنساني أرجوك
قلت : انا راجع
ذهبت أفتش عنه وانا في كل خطوة أفكر وتاخذني الهموم الى البعيد كنت اريد ان اعرف ماذا حصل وما قد يحصل وماذا اعمل وكيف أنقذ وأساعد ثامر واهله وكنت خائفاً فأنا عندي من هموم ومشاكل مع النظام ما يكفيني وكنت أتكلم و اسأل نفسي لماذا يريد ثامر ترك الكلية وأمه تبكي وزيارة خواله ماذا تعني ؟
بقيت ساعتين ابحث عنه ولم اجده وبسب تاخر الوقت ذهبت الى بيتنا وهناك عرفت من أمي ان ثامر جاء مرتين يساءل عني
فقلت. : تباً هو يبحث عني وانا مثل المجنون ابحث عنه
قالت أمي : ان ثامر كان يبدو شاحب اللون مريضاً متردداً ويبدو انه في دوامة وله مشكلة !
فقلت : صدقيني لا اعرف ما هي المشكلة لكن غداً سأعرف
وفي اليوم التالي وبعد ان رجعت من معهد التكنلوجيا الى بيتنا
قالت أمي : ان فيوليت كانت هنا وتريد ان تذهب عندهم كي تاكل الدولمة
قلت :ماذا
قالت : ان ثامر مريض وتريدك ان تذهب عندهم .
ذهبت وانا في طريقي كنت مكسور القلب والخاطر فصديقي في مشكلة والاهل مشغولين بمشاكلنا والحرب العراقية الإيرانية مشتعلة والشعب خاءف وقد تغير نمط حياتنا وشكلها ويبدو أن الفرحه هربت منا وهجرتنا وحلت الدمعة والحسرة محلها .
وصلت بيت صديقي وفتحت خالة فيوليت الباب وكانت تبدو باكية وحزينة رايتها في حالة يتحطم القلب لها وما أن تكلمت حتى بكت وصرخت
وقالت يارب ساعدني ... يارب أنقذ ابني .. يارب !!!
للقصة تكملة