رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني يلتقي نخبة من الجالية العراقية في المركز الكلداني العراقي بميشيغان      أول تعليق من كاهن كنيسة سيدني عقب "الهجوم الإرهابي"      مصدر: والد المشتبه به في هجوم كنيسة سيدني لم يشهد أي علامات تطرف على ابنه      أستراليا.. الشرطة تؤكد الطابع "الإرهابي" لهجوم في كنيسة      السوداني يسعى إلى حل التداعيات الناجمة عن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين غبطة الكاردينال ساكو      العيادة الطبية المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية بيرسفي      مارتن منّا: هناك محاولات لإعلان التوأمة بين عنكاوا و وستيرلينغ هايتس الأميركية      اللقاء العام لمجلس الرهبنات الكاثوليكيّة في العراق/ أربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل السفير الفرنسي لدى جمهورية العراق      قناة عشتار الفضائية تتمنى الشفاءالعاجل للمطران مار ماري عمانوئيل      سنتكوم: الولايات المتحدة لم تشن ضربات جوية في العراق      الكونغرس الأمريكي يوافق على تمديد برنامج التنصت على مواطني دول أخرى      هل تنقل سماعات الأذن بياناتك الشخصية؟      بوكيتينو وغوارديولا.. حديث عن "تعويذة تشلسي" يشعل الأجواء      البابا يستقبل أعضاء "الشبكة الوطنية لمدارس السلام"      معرض ميسي يفتح أبوابه.. فماذا يمكن أن تشاهد؟!      تقنية ثورية.. زرع جهاز في العين قد يعالج مرض السكري      رئاسة إقليم كوردستان: نجاح الانتخابات يعتمد على مشاركة جميع الأحزاب والكيانات السياسية فيها      العراق.. أكثر من 27 ألف إصابة بالحصبة و43 وفاة بالمرض      خطوة عراقية أخرى باتجاه وقف إهدار ثروات الغاز المصاحب
| مشاهدات : 1167 | مشاركات: 0 | 2016-05-23 09:32:09 |

الفقر والجهل والمرض منتجات اللاديمقراطية والاستبداد!

د. كاظم حبيب

 

 

من يدرس تاريخ العراق في فترة الحكم العثماني (العصملي)، يتبين له بسهولة كبيرة إن هذه المنطقة، باعتبارها كانت جزءاً من الدولة العثمانية بولاياتها الثلاث (بغداد والبصرة والموصل)، كانت تعاني بشدة وشمولية من آفات ثلاث هي الفقر والجهل والمرض في أوساط الشعب أو "الملة"، إضافة إلى الفساد وزرگات الجندرمة الوحشية على المدن والأرياف والاستغلال البشع للسكان، وكانت هي السمات المميزة لحالة الناس في هذه الولايات. كان هذا هو السائد في الوقت الذي لم يكن العراق، كشعب وأرض وثروات، فقيراً، رغم سيادة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية وتخلف القوى المنتجة المادية والبشرية. لقد كان النظام العثماني يلهب ظهر الشعب العراقي بالسياط ويسرق أمواله وينهب خيراته ويستغل ببشاعة شعوب هذه المنطقة بلا رحمة. وكانت المؤسسة العشائرية والمؤسسات والمرجعيات الدينية هي المهيمنة، بتقاليدها وعاداتها البالية وقيمها القديمة وتفسيرها البعيد عن روح العصر للقرآن والسنة، على عقول الناس وأفئدتهم، ودافعة إياهم إلى الغوص بالغيبيات لينسوا واقعهم المر وجحيمهم الدنيوي. لقد كان هناك تحالف مصلحي بين كبار ملاك الأراضي وشيوخ العشائر من جهة، والمؤسسات والمرجعيات الدينية من جهة أخرى، وكان هذا التحالف موجهاً ضد كادحي الريف على نحو خاص، وضد التقدم.  

لقد كانت الأوبئة والأمراض والفيضانات والمجاعات ونقص العناية الصحية والأدوية المطلوبة قد التهمت الكثير من البشر، وخاصة الأطفال وكبار السن والمرضى. ولعبت الأمية السائدة، أمية القراءة والمعرفة والمعلومات، وكذلك الفقر المدقع، دورها في جعل الإنسان، في ظل قمع الجندرمة والقضاء القرقوشي، عاجزاً عن التفكير بعقلانية للخلاص من هذه الأوضاع المريرة. فالركض وراء توفير لقمة العيش كان لا يسمح للفرد بغير ذلك، إذ كان مشغولاً بالركض الدائم وراء رزقه وتحمل سياط الإقطاعيين ... وكان رغم كل ذلك عشاء الفلاحين "خبازا" لا غير، كما يقول المثل الشعبي العراقي. لقد كان النظام العثماني الثيوقراطي جائراً وفاسداً وإرهابياً ضد الكادحين والمنتجين في الريف والمدينة. وقد خضع العراق لهذا النظام قرابة 400 سنة، تميزت بالجدب واليباب والخراب، ولم تعد للعراق في هذه الفترة أي علاقة تشده بتراثه الخالد، تراث السومريين والبابليين والآشوريين، ولا حتى مع التراث العباسي في القرن العاشر الميلادي، أي الرابع الهجري مثلاً.

وحين انفتحت أبواب الحضارة الغربية الحديثة أمام العراق وشعبه، بعد انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء، سعت بريطانيا المحتلة، ومعها حكام العراق، إلى غلق الكثير من تلك الأبواب والنوافذ ليبقى الهواء فاسداً يخنق رغبات التقدم عند الناس. ومع ذلك تركت قوى الاحتلال مواقع رخوة قليلة تنفذ منها نسائم المدنية والحرية في ظل النظام الملكي، ومنها وجود دستور مدني وحكومة عراقية، وأن كانت ترطن، كما قال عنها شعلان أبو الچون، وتعليم مدني ومكافحة الأمية ودخول المرأة في التعليم، ومكافحة الآفات والأمراض والفقر بحدود ضيقة جداً، ولكنها كانت مهمة. وبرزت في البلاد فئة مثقفة وأخرى متعلمة وطبقة عاملة وبرجوازية صغيرة ومتوسطة، كما برزت بعض منظمات المجتمع المدني، بما فيها بعض الأحزاب السياسية، التي لم تبن على أساس ديني أو مذهبي، رغم تكريس الدستور الجملة الخاطئة "الإسلام دين الدولة"، كما كان المذهب السني يعتبر المذهب الرسمي لها، وهي الدولة التي لا دين لها ولا مذهب، لأنها شخصية معنوية لا غير. وبالمناسبة فالعشق لا دين له، كما عبر عن ذلك جلال الرومي، ولا مذهب له ايضاً. وفي ظل الملكية بقيت العلاقات الإنتاجية شبه إقطاعية هي السائدة، كما كان قانون العشائر فاعلاً بجوار الدستور والقوانين المدنية الحديثة، كما كانت هيمنة العشائر والمؤسسات والمرجعيات الدينية هي المؤثرة والفاعلة في المجتمع، رغم تقلص نفوذها بسبب العلمانية التي التزم بها الحكم عملياً، مع ضعف شديد في ممارسته للديمقراطية. وكان خنق الديمقراطية سبباً في إعاقة الخلاص من الآفات الثلاث تماماً. فكانت الانتفاضة العسكرية لعام 1958، إذ برزت دلائل تشير إلى بشائر مكافحة هذه الآفات والتحول صوب المدنية والديمقراطية وتصنيع البلاد وتغيير بنية المجتمع ووعيه. ولكن الانتفاضة أجهضت في مهدها ولم تتحول إلى ثورة شعبية، إذ تم إسقاط الجمهورية الأولى بانقلاب شباط، ليعود الثلاثي المريع إلى الساحة مستنداً إلى أكثر دول العالم تقدماً وادعاءً زائفاً بنشر الحرية والديمقراطية بالعالم، إلى الولايات المتحدة التي ساهمت في التنظيم والتخطيط والتنفيذ لأبشع انقلاب فاشي دموي بالعراق، انقلاب شباط/فبراير 1963 بقيادة البعثيين والقوميين الناصريين. فسقط العراق، على امتداد الفترة الواقعة بين 1963-2003 في قبضة الدكتاتورية والذهنية الشوفينية الغاشمة لحزب البعث العربي الاشتراكي وقادته الذين نسقوا مع الولايات المتحدة وبريطانيا لضرب حركة التحرر الوطني بالعراق والقوى التقدمية واليسارية. ورغم رغم محاربة الجمهوريات الثانية والثالثة والرابعة للفقر والجهل والمرض في فترات قصيرة، فأنها أعادت العراق، عبر الحروب الداخلية والخارجية والاستبداد البشع والقمع الدموي، إلى دوائر الفقر والجهل والمرض من جديد وأشد من أي وقت مضى. وكما عبر عن ذلك وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جيمس بيكر، قبل نشوب حرب الخليج الثاني 1991، بأن الولايات المتحدة ستعيد العراق إلى ما قبل التصنيع، في حالة عدم انسحاب العراق من الكويت، ولم ينسحب، وهكذا أعيد العراق إلى فترة ما قبل التصنيع، إلى العشرينات من القرن العشرين. وإذا كانت الولايات المتحدة وراء البدء بهذه المرحلة المدمرة في العام 1963، فإنها كانت وراء نهاية هذا النظام البعثي- الصدامي الدموي، ولكنها ايضاً بداية إقامة نظام طائفي مستبد ومحاصصي مقيت في العام 2003، وبهذا قصمت من جديد ظهر العراق، ووسعت من دوائر التخلف الثلاث، الفقر والجهل والمرض وعمقتها وأضافت إليها الاحتلال والفساد والإرهاب والموت والخراب.

هذا هو الواقع، وهذا هو المستنقع، الذي يعاني منه العراق حالياً، وبأشد الحالات سوءاً، مصحوباً بالاحتلال لجزء من أراضيه وبالفساد والإرهاب والتدخلات الفظة من دول الجوار بشؤونه الداخلية!

إذن، أعيد العراق إلى المربع الأول، إلى فترة الهيمنة العثمانية باستبدالها بهيمنة فارسية ثيوقراطية، أعيدت إليه العلاقات العشائرية والمؤسسات والمرجعيات الدينية لتلعب أدوارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولتنشر بصورة مشتركة الفاقة الفكرية، والبؤس الثقافي، والخراب الاقتصادي والبيئي، وتعيد صراعات قرون التخلف والجهل والفقر وما يصاحبها من صراعات طائفية إلى صدارة الموقف، بدلاً من سيادة هوية المواطنة الحرة والمتساوية والمشتركة، بدلاً من التعاون والتضامن والتفاعل بين سكان العراق. وعاد التحالف العشائري مع المؤسسات والمرجعيات الدينية إلى سابق عهده ليمارس الحكم تحت واجهات حزبية إسلامية ذات أصول عشائرية وريفية رثة.   

نحن اليوم، ورغم وجود فئة مثقفة عالية المستوى وواعية لما يجري في أوساط الشعب والنخب الحاكمة ومناضلة لصالح التغيير، أمام عودة ثقيلة للفقر والجهل والمرض إلى صفوف الغالبية العظمى من بنات وأبناء الشعب العراقي، وهي التي تسمح بمرور النخب الحاكمة المتسمة بالرثاثة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتسمح بانطلاء الأكاذيب والوعود الزائفة والزيف والتشوه الديني، على الناس الطيبين، الذين عانوا أكثر من نصف قرن من مرارات النظم المستبدة وغاصوا في الغيبيات علها تنقذهم من الوحل الذي هم فيه!! ولكن هذه النخب الحاكمة غنية بما تنهبه من أموال الشعب وخيراته وبرواتبها التي تفوق رواتب أكبر وأغنى دول العالم، وما تسرقه من تراثه الحضاري وبيعه في الأسواق الموازية، تماماً كما فعل المجرم صدام حسين في العقدين التاسع والأخير من القرن العشرين بشكل خاص. إنها القطط السمان التي اغتنت وسمنت بكروشها المنفوخة على حساب قوت وأمن وحياة الشعب العراقي. إنها المأساة والمهزلة في عراق اليوم، الذي لا يحكم من بغداد، بل من عاصمة أخرى، وتتحرك عواصم أخرى ضد هذا الواقع لصالحها، فتتلاطم الأمواج الهادرة ليتساقط من سفينة العراق، التي هي اليوم في مهب رياح صفراء عاصفة، المزيد من البشر ليغرقوا في أمواج البحر وتلتهمهم الحيتان. إنها الكارثة المحدقة بالعراق وشعب العراق، إنها العلل الثلاث القديمة، هي التي تتآكل الشعب وتجهز عليه وتمتص رحيق حياته وتلفظه مريضاً وجائعاً وجاهلا ومقتولا. إنها الحالة الراهنة. وما تزال النخب تعمل بوصية ذلك الفاشي الألماني (هتلر) الذي قال: "افتروا، وافتروا، ثم افتروا، لعل بعض افتراءاتكم تعلق بأذهان الناس!" إن النظام السياسي المحاصصي الراهن يدفع بالعراق إلى أعماق الهاوية، ويذكرنا بقول علي جودت الأيوبي في النصف الأول من ثلاثينات القرن العشرين: "العراق ليس سوى سفينة تحترق، وعلى كل منا أن ينقذ ما يشاء مما فيها لنفسه قبل أن تغرق في البحر"! هذا هو حال عراق اليوم، فما هو الحل؟          

الحل ليس سهلاً، ليس سريعاً، ولا قريباً، كما إنه ليس وصفة قابلة للتطبيق، بل إن الحل عملية معقدة، مركبة، صعبة ومتشابكة في آن، إنها عملية سيرورة وصيرورة نضالية لكل الشعب العراقي بطلائعه الوطنية والديمقراطية، مليئة بالآلام والأحزان والضحايا، رغم الضعف الذي تعاني منه هذه الطلائع حالياً. فقوى الحكم الراهن تقدم للشعب ما يساعد على تجاوز الضعف الراهن، لأنها ضد الشعب وإرادته ومصالحه. إن الحل بيد الشعب من جهة، وبالدور الذي يمكن أن تلعبه القوى المدنية الحية، القوى الديمقراطية العلمانية والتقدمية وكل قوى اليسار العراقي والناس المؤمنين بعراق حر وديمقراطي، وبممارسة التوعية السياسة والاجتماعية، ومواجهة الفكر الشمولي السائد والمنطلق من أيديولوجيا الأحزاب الإسلامية السياسية وتشكيلاتها العسكرية بالنقاش والنقد والتعرية وبالطرق السلمية، التي ستساعد على إفشال ربط الدين بالدولة والسياسية، وبالطريقة التي يراد فرض حكم الطوائف المتناحرة ومحاصصاتها المذلة. إضافة إلى تأكيد الحقيقة الدستورية التالية: إن تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني ومذهبي يعتبر مخالفة صريحة للدستور العراقي وتجاوزاً فظاً عليه لا يجوز استمراره. ولو كان القضاء نظيفاً، نزيهاً، وحيادياً لحرَّم وجود هذه الأحزاب أصلاً، ومنعها من العمل السياسي، لأنها أحزاب غير دستورية، ولأنها مفرقة للصفوف وناشرة للكراهية والأحقاد في صفوف المجتمع ومثيرة للصراعات والنزاعات والموت والخراب. والحالة الراهنة بالعراق تؤكد ذلك بأسطع وأصدق الأدلة!  

إن التغيير بالعراق قادم لا ريب فيه، ولكن لا يأتي هذا التغيير من ذاته، من دون عمل جاد ودؤوب من جانب الذين يسعون للتغيير، وكشف زيف الحكام الذين يدعون زيفاً إلى الإصلاح والتغيير، والذين ركبوا الموجة، ولكن الأحداث الأخيرة التي اقترنت بالدخول إلى مجلس النواب والجلوس على "القنفة (الكنبة) البيضاء المقدسة!"، فضحت زيفهم وكذبهم، فالمثل الدولي يقول "حبل الكذب قصير"، أو إن "الكذب له أرجل قصيرة"              

إن وحدة القوى الديمقراطية والتقدمية، وحدة القوى المدنية العلمانية، وحدة الكادحين والمثقفين والطلبة وبقية فئات المجتمع، وحدة العرب والكرد والكلدان الآشوريين السريان والتركمان، ووحدة المتدينين المخلصين وغير المتدينين، ووحدة الهدف، هما السبيل للخلاص من القوى والأحزاب التي تواصل قهر الشعب وتجويعه والسماح بقتله ليل نهار، والمشاركة في نهبه وسلبه. إن وحدة القوى ووحدة الهدف والنضال السلمي الديمقراطي، هم السبيل للخلاص من النظام السياسي الطائفي ومحاصصاته المذلة ونهجه المدمر لوحدة العراق أرضاً وقوميات وأتباع ديانات ومذاهب واتجاهات فلسفية وفكرية. إنه الطريق الأسلم للوصول إلى شواطئ التغيير والسلام والنجاة والتقدم.

 

 

 

 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5856 ثانية