لم يكن الإندفاع الروسي محض صدفة ، بل كان ردّ فعلٍ للتراجع الأمريكي كقوة عالمية لها مسؤولياتها كدولة عظمى للحفاظ على السلام العالمي . فإتسمت الفترة الأوبامية بالضعف والنأي بالنفس والتراجع وتوخِ الحذر في القضايا العالمية ، فترك فراغاً فاغرى روسيا لملء ذلك الفراغ ، ومما زاد في الطين بلّه التطورات غير السارة على الساحتين الأفغانية والعراقية فتدخلت روسيا في جورجيا في إقليم اوسيتيا في 2008 ثم في شبه جزيرة القرم 2014 ثمّ شرق اوكرانيا في2014 أيضاً ، ومن ثمّ إتجهت نحو الشرق الأوسط وخاصة سوريا وإيران بالوقوف بقوة خلف بشار الأسد ، والآن لها اليد الطولى كلاعب دولي في أية تسوية ، يقابلها تراجع في الدور الأمريكي ، مما جعل حلفاء اميركا يخافون من الإندفاع الروسي الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حرب عالمية ثالثة ولا يستبعد إستخدام الأسلحة الفتاكة ومنها النووية والبايلوجية المدمرة .
في الحقيقة إن سياسة العقلنة الأوبامية جعلت أميركا تخسر نفوذها وأصدقائها في مختلف بقاع العالم وولدت خوفاً لدى اوروبا من الشراسة الروسية ، ولسان حالهم يقول : ربما إندفاع بوتين غير المستقر قد يغريه بشن حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر ، لكون بوتين ببساطة يحلم بإعادة أمجاد الإتحاد السوفيتي ، وسابقاً قدمت اوروبا تنازلات لهتلر النازي لعقلنته من قبل رئيس وزراء بريطانيا نيفل شامبرلين ، لكن التنازلات سببت غروراً لهتلر والمحصلة الحرب العالمية الثانية وعشرات الملايين من الضحايا .
وفي كتاب وليم بيري ، وزير الدفاع السابق في عهد بيل كلنتون ونائب وزير الدفاع في عهد جيمي كارتر ، يحذر من تفاقع إحتمالات الحرب العالمية الثالثة ، إذا لم تضطلع أميركا بدورها كقوة عظمى للجم بوتين . وفي الحقيقة وجود السلاح النووي في يد أكثر من دولة آسيوية قد يؤدي أي خطأ غير مقصود إلى إندلاع حرب نووية كارثية على العالم ، والحرب الآن غير مباشرة بين أكثر من لاعب في سوريا ، فروسيا تقف بقوة خلف بشارألأسد وكذلك إيران وحزب الله اللبناني وأميركا تقف بقوة خلف الأكراد ضد داعش ، وتركيا تضرب اكراد سوريا وتعتبرهم منظمة إرهابية وتضرب داعش من آن لآخر لذر الرماد في العيون تساعدها في ذلك السعودية وقطر بالمال والسلاح والمقاتلين . وقد تحدث مواجهة بين هذه الدول ، وستكون منطقة الشرق الأوسط ساحة الصراع ، وهذا ببساطة سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة ، قد تستعمل فيهاالأسلحة النووية .
وقد يقول قائل إن الدول تعلم مخاطر المجازفة بالأسلحة النووية ، ولكن قد تتصرف بعض القيادات بجنون أحيانا وبأفعال غير متوقعة . وهذا يشكل خطراً جسيماً على منطقة الشرق الأوسط الذي يغلي على برميل من البارود الآن ، وعلى مختلف بلدان العالم وعلى السلم والإستقرار العالمي .