لأنني أثق بالمسؤولين قاطبة في كل زمان ومكان، لا (خوفا) ولا خشية ولا اكراها ولا محاباة ولا (نفاقا) ولا ذعرا من التصرفات (الانسانية) لبعض حماياتهم واستعداد بعضها لقطع الالسن الطويلة للصحفيين (المنافقين) الذين لا يجيدون التصفيق لهم وتمجيد (انجازاتهم)، انما من منطلق ايماني الذي لا يتزعزع بنزاهتهم وعدالتهم و حرص معظمهم على تطبيق كل بنود وفقرات ونقاط وفواصل الاعلان العالمي لحقوق الانسان بمواده الثلاثين التي يحفظونها عن ظهر قلب هم ومستشاروهم وموظفوهم وابناؤهم وحماياتهم ويطبقونها بحذافيرها أحيانا، وبعد تحويرها وتطويرها وإغنائها وأدلجتها غالبا، لتتماشى مع أهدافهم (الثورية)، لاسيما وأن معظمهم في هذه الدولة أو تلك, ترجموا ويترجمون احترامهم لشعوبهم باستيراد أجهزة التعذيب الرومانسية من أرقى المناشئ العالمية لإدخال البهجة والمرح والسعادة على نفوس المعتقلين وبما يكفل اعترافهم بكل الجرائم التي لم يرتكبوها وحتى تلك التي لم تحدث بعد، لاسيما سجناء الرأي منهم وإعادة (تأهيلهم) وبما يؤدي الى مضاعفة أعداد اليتامى والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع.
فقد أذهلتني وأدهشتني وأفرحتني وملأتني سرورا وزهوا قهقهات مسؤول رفيع فوجئت بها ترن مدوية كهلاهل الاعراس المصلاوية، متوقعا ان تكون حاملة لبشرى، متفردة، وذلك خلال حوار (تأريخي) اجرته معه احدى الفضائيات، حيث سرعان ما انتقلت تلك (القهقهات) المسؤولة بأسرع من الصوت والصورة، الى معظم أجهزة الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي محتلة بشكل خاص صفحات الفيس بوك مزدانة بتعليقات مناسبة.
قهقهات ذلك المسؤول الرفيع جعلتني أتوقعها فخرا وفرحا وغبطة وفخرا بتحقيق أرفع الانجازات وأهمها، وإلا ما قهقهه فرحا وربما فخرا بذلك الشكل المدوي؟ لذا فقد مرت في مخيلتي بسرعة البرق صور العديد من الانجازات الستراتيجية التي يمكن ان تكون تلك (القهقهات المسؤولة) سببا لها وبوابة لبشرى الاعلان عنها، إذ توقعت نجاح حكومتنا الرشيدة في تحرير الموصل وتطهيرها كاملة من رجس عصابات داعش الارهابية، أو ايقاف الاستقطاعات من رواتب الموظفين والمتقاعدين، أو تعيين جميع العاطلين من خريجي المعاهد والجامعات، أو تبرع المسؤولين والسياسيين بجزء من ثرواتهم المليارية دعما للموازنة المالية، أو تقليص عدد أعضاء مجلس النواب وجعلهم ثلاثين نائبا من اجل ضغط النفقات ودعم ميزانيتنا الخاوية، أو صدور قرار بصرف مائة دولار لكل نازح او مهجر للاستمتاع بالعيد (السعيد) أو إعادة الاموال المسروقة والمهربة من الخارج أو اختيار العراق مستشارا للامين العام للامم المتحدة نظرا لعبقرية سياستنا الخارجية، أو دخول أول مسؤول أو قائد عسكري هرب من الموصل, بدل ان يواجه عصابات داعش, موسوعة غينيس للارقام القياسية كأسرع قائد هارب من ارض المعركة في التاريخ، أو العثور على ميزانية البلاد لعام 2014 بعد سنتين من اختفائها الغامض في جهة مجهولة، أو تطبيق قانون (من أين لك هذا؟) بحق السياسيين والبرلمانيين والوزراء والمسؤولين عامة، أو أن الجهات المعنية أبرمت عقودا مع شركات كورية ويابانية وصينية لإعادة إعمار المدن التي هدمها مجرمو داعش خلال فترة قياسية وفق تصاميم حضارية تنافس تصاميم المعمارية العراقية العالمية زها حديد رحمها الله، لاسيما وان الصين سبق أن أذهلت العالم بإنجازها بناء فندق مكون من (30) طابق خلال (15) يوما فقط (تماما مثل تجربتنا الفاشلة في بناء 200 مدرسة بكلفة 280 مليار دينار تركتها الشركة المنفذة مجرد هياكل حديدية ولم تنفذها منذ سنوات)، أو عبور التكتلات السياسية لخلافاتها والاتفاق على برنامج عمل وطني موحد أو منع المسؤولين من تعيين أبنائهم وأقاربهم وأعضاء أحزابهم من أنصاف الأميين في السفارات والملحقيات والدرجات الخاصة قبل اجتيازهم لامتحان الكفاءة وخوضهم المنافسات النزيهة مع الخريجين الآخرين، أو وقف الحكومة الفلندية مبادرتها القاضية بتوزيع مبلغ مقطوع بداية العام القادم لكل مواطن قدره (560) يورو شهريا والاستعاضة عنه بتطبيق تجربة حكومتنا (الملائكية) في التوزيع العادل (للنكبات)، عفوا، للثروات، أو أن الاتحاد الأوربي طلب رسميا من العراق ترؤس لجنته الاقتصادية للاستفادة من خبرات معنيينا العباقرة الذين أسهموا في بناء تجربتنا الاقتصادية (الكارثية) الراهنة التي (نجحت) بامتياز في تحويلنا الى دولة (تسولية) ونحن من أغنى الدول النفطية.
لكن ذلك المسؤول (الرفيع) انتشلني بعنف من أحلامي وتوقعاتي الرومانسية بعد انتهاء (قهقهاته) المدوية ليضعني أمام الحقيقة المأساوية، التي تتلخص بإقدام شقيقه الذي كان يشغل موقع (المدير العام للادارة والمالية) في الدائرة نفسها التي كان يرأسها ذلك المسؤول (الرفيع) على اختلاس مبلغ (متواضع) قدره وفقا للمصادر الاعلامية (16) مليار دينار عن صفقة شراء سيارات مصفحة، في حين إدعى المسؤول (الذي كان يقهقه فرحا وربما فخرا وربما استهانة بالاخرين) بأن المبلغ بحدود (20) مليون دينار.
وفي الوقت الذي كان فيه ذلك المسؤول (الرفيع) يحاول نفي التهمة عن شقيقه عبر تهرب مخجل قائلا (هذه القضية من الفها ها هيء.. يعني مفبركة ليس لها من الصحة يعني ادنى شيء.. يعني ادنى.. يعني اي شيء ما عده من الصحة)، عاد بعد أن أحرجه محاوره ليعترف امام الرأي العام بالحقيقة المخزية قائلا: (من اثيرت هذه القضية وانا ... عملت لجنة.. اللجنة برأت.. برأت. برأت أل أل أل لجنة المشتريات.. هي مشتريات اتلث سيارات هي الحقيقة.. اتلث سيارات مصفحة وبرأته، سويت لجنة ثانية.. سويت لجنة ثانية، وهذا الشخص رئيس اللجنة هو احد اعدائه وهمين برأه، فشسويت.. ما اقتنعت بكل اللجنتين.. حلته للنزاهة وحلته بنفس الوقت الى القضاء وانتهى أأو هرب.. شسويله هرب زين).
ولم يذكر بأن المحكمة أصدرت حكمها بـالسجن (15) عاما بحق المدان بتلك التهمة المخلة بالشرف.
اخيرا يسأله مقدم البرنامج (هسة ما گتلي هو يقربلك لو ما يقربلك)، ويعترف ذلك المسؤول (الرفيع) والعضو في جبهة الاصلاح ضد الفساد، مؤكدا(هو شقيقي بس انا ما عينته چان موجود يعني.. أي أي أي ما عينته اني).
ربما سيعود يوما ذلك (الفارس) الهمام في ظل قانون العفو العام ليواصل (بفروسيته) ومن هم على شاكلته نهب المزيد من المال العام... وعلى وطننا السلام.