يقول علم النفس ، إن فاعل الإثم خائف في اعماق نفسه أن يكتشفه الآخرون ، ويحاول أن يداري فعلته والتستر عليها ما امكنه إلى ذلك سبيلاً ، وعند التلميح أو توجيه التهمة له ، يغضب وينفعل ، ولهذا السبب إخترعوا أجهزة إكتشاف الكذب ، فعند توجيه التهمة للمستجوَب بفتح الواو) يقيسون ضربات القلب والنشاط الدماغي والحركات اللاإرادية كتحريك الأصابع وحركات الأرجل وتجنب النظر في عين المستجوِب ( بكسر الواو) وحرف النظر ، كل ذلك يجعل المتهم في وضع لا يحسد عليه فتحوم الشبهة حوله ، وبعد أن يواجه بالأدلة إن وجدت أو بوسائل التعذيب السائدة في دول العالم الثالث ، فيعترف مضطراً ويتبين المستور.
وفي السياسة ، عندما يوجه الإتهام للسياسي فإنه يغضب ويزبد ويحاول إتهام الغير لحرف الإستجواب أو التحقيق إلى وجهة مغايرة ، وفي كل الأحوال يزيد من الشكوك التي تحوم حوله ولهذا السبب الحاذق الحصيف عندما يشاهد بعض السياسيين المتهمين بالفساد المالي والإداري لا يحتاج إلى الكثير من التفكير العميق لإكتشاف فسادهم ، وخاصة الموارد المالية المهولة التي إختفت ، ومظاهر الثراء الفاحش التي ظهرت على أحوال بعض السياسيين ، وكانوا في الأمس القريب لا يملكون شيئا ً، بالإضافة إلى الفضائج التي تتسرب في وسائل الإعلام من صفقات مشبوهة وقبض عمولات من شركات ومقاولات وهمية ومن حراس فضائيين لا وجود لهم على أرض الواقع ، وقوات في مختلف صنوف القوات من جيش وشرطة وأمن ومخابرات في قوائم وهمية وتعدادها عشرات الألاف يقبضون رواتبهم من خزينة الدولة منذ سقوط النظام البعثي السابق ، كما إعترف بذلك حيدر العبادي وغيره من المسؤولين .
والسؤال الذي لا بدّ منه : أين المحاسبة ؟ وأين الرقابة وأين الوطنية ؟ وأين الدولة الحريصة على أموال الشعب ؟ يقول المثل المصري :( المال السائب يعلم السرقة) ، وهذا يعني غياب الدولة التي ينخر في جسدها الفساد المالي والإداري وخاصة في عهد المالكي المشؤوم لدورتين ، ومن قبله الجعفري وعلاوي ، لقد إختفت مئات المليارات ، ولكن هل يعقل أن الدولة لا تعلم ؟ ولماذا هذا التستر على الفاسدين ؟
الجواب ببساطة : من كانت بيده السلطة هو المسؤول، وإذا قلنا الجميع ، قد نظلم بعض الشرفاء النزيهين ، وهم قلة قليلة ، ولهذا صوتهم خافت غير مسموع ، والبقية تتسترعلى بعضها البعض ، ولا نرى أحداً من حيتان الفساد قد دخل السجن ، ولكن يحاسبون البسطاء ليكونوا كبش الفداء لغض النظر عن الرؤوس الكبيرة المتنفذة ، وهي لها مستمسكات ضد بعضها البعض ، ولهذا يخافوا من المحاسبة ويتجنبوها بقوة .
خلاصة القول : البريء النزيه الوطني لا يهاب ولا ينفعل ، إذا كائن من كان أراد محاسبته ، ولكن العكس مع الفاسد والسارق والمرتشي ، يغضب وينفعل ويحمّر وجهه وتنتفخ أوجاده أثناء الإستجواب او التحقيق .
فهل نرى في قادم الأيام بعض الرؤوس الكبيرة تدخل السجون ، وتعود الأموال التي سرقت إلى خزينة الدولة للنهوض بالعراق الجريح النازف منذ عقود ؟ نتمنى ذلك بكل جوارحنا .