الصوم يعني الإمساك والإنظباط للجسد والنفس ، والله أوصى آدم أن لا يأكل من شجرة الحياة ، وإن أكل فموتا ً يموت ، وهو الأمر الأول بالصوم ، ( التكوين 2:17 ،3،4،5) . والصوم هو عبادة بين الأنسان والخالق ، ويعني أن تكون سيداً على أهوائك وشهواتك ، وإذلالاً للنفس المؤدي إلى التواضع والتنقية ، وكما يحتاج الجسد إلى التنظيف ، كذلك النفس تحتاج إلى التنقية ، بالصوم والصلاة والإبتعاد عن الشرور ، مقروناً بإلإحسان المؤدي إلى اليقظة .
والصوم هو إخصاءاً لرغبات الجسد وشهواته ، وترويضاً للنفس من الشرور والتخيلات المنحرفة .
ويقال للصوم جناحان هما الصلأة والإحسان ، لا يطير إلا بهما ، وهو كالشمس التي تزيل غشاوة الضباب عن النفس تدريجيا ً ، وهو سلاح فعال لمحاربة الشيطان ، وهو نور للنفس ويقظة للعقل ، وهو الجهاد ضد الشهوات وكبح لجماح الغرائز .
وصام موسى أربعين يوماً على الجبل قبل تسلّم الوصايا فصار معايناً الله (خروج 18:24، 28:34) .
وصام سيدنا المسيح أربعين يوماً ، فحارب شهوة الجسد ، وإنتصر على إغراءات الشيطان ، ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله) .
وفي القرون الأولى ، كان الصوم إنقطاع كامل عن الأكل نهاري الجمعة والسبت العظيم . وفي القرن الثالث ، جاء في مخطوطة ذيذافي ، إمتد الصوم لكل الأسبوع العظيم ، وفيه : إنقطاع عن اللحم والبياض حتى الغروب .
وفي القرن الرابع كانوا يصومون في أورشليم أربعين يوماً ، كما أوردته إمرأة أثريا والقديس كيرلس الأورشليمي .
وهناك مخطوطة (400)سنة م من قوانين الرسل : الصوم أربعين يوماً من الصباح حتى التاسعة مساءً وإنقطاع عن اللحم والبياض ، وتضيف المخطوطة : إن كانت صحتكم تسمح لكم.
وليست في الكنيسة قوانين واضحة محددة وثابتة للصوم ، فأصبح تقليداً ، والذي بات فيما بعد كقانون ، والآن هي إرشادات وليست أوامر قاطعة .
وفي مجمع ترلو (692) م أصدر قانوناً برقم 56 يتكلم عن اللحم والبياض ، ويقول الصوم إلزامي .
وفي القرن الثامن والتاسع ، أصبح الصوم الأربعيني المقدس في الكنيسة اليونانية رسمياً ، دون تمييز الأديار عن الرعايا .
ويقر علم الإنسان ( الأنتروبولوجي) ، بأن جمجمة الإنسان القديم كانت صغيرة لكونه نباتياً ، والذي يصوم يصبح دمه خفيفاً ، ويصبح لديه فقر دم ، ولكن تتنشط الروح ويصفى العقل والفكر .
والصوم لا يعني التمسك بالقشور وترك الجوهر ، والصوم هو : الإبتعاد الطوعي عن كل ما لا يحسن في عينيّ الله ، كالكذب والسرقة والقذف والشهوات والأنانية والكراهية ، وعدم التعامل مع الناس بتأفف وغضب بحجة الصوم ، وكأن الناس مدانين لنا أو نعمل فيهم معروفاً ولا نقود سياراتنا بسرعة ونتجاوز على الآخرين ،والصوم هو إطعام للجياع وإكساء للعراة ، فنمرّن أنفسنا عن الإستغناء عن هواية أو طعام أو شراب أو عادة محببة ، وبذلك تسمو نفوسنا وتتعزز قدراتنا الإنضباطية على أجسادنا ونفوسنا وأفكارنا ، مع تحياتي للجميع بالصيام المتنور والفهم التام المتيقّن بإدراك فلسفة الصوم ، ولماذا نصوم ؟