الرسالة البطريركيّة لقداسة البطريرك مار آوا الثالث لمناسبة العيد العظيم لقيامة ربّنا للعام 2024.      صور.. رتبة غسل أقدام التلاميذ - كنيسة الصليب المقدس للأرمن الأرثوذكس/ عنكاوا      غبطة البطريرك يونان يحتفل بقداس خميس الفصح ورتبة غسل أقدام التلاميذ في كنيسة عذراء فاتيما، جونيه – كسروان، لبنان      البطريرك ساكو في قداس الفصح في قرية هزارجوت: غسل الارجل يرمز الى غسل القلوب      المديرية العامة للدراسة السريانية تفتتح معرضا للرسم والخط والزخرفة باللغة السريانية في محافظة البصرة      الرسالة البطريركيّة لقداسة البطريرك مار آوا الثالث، لمناسبة رأس السنة الآشوريّة الجديدة 6774      الثقافة السريانية وفرقة شمشا للتمثيل يحتفيان بيوم المسرح العالمي- عنكاوا      سوق خيري‏ بمناسبة عيد القيامة المجيد - عنكاوا      تخرج دفعة جديدة من طلبة كلية نصيبين اللاهوتية المسيحية الاشورية في سيدني      الثقافة السريانية تهنئ المسرحيين السريان بيومهم العالمي      قرار لتخفيض أسعار اللحوم في إقليم كوردستان يدخل حيّز التنفيذ      دعم الكورد وتقليص الهيمنة الايرانية شرط أساسي لزيارة السوداني الى واشنطن      يباع بنحو ألف دولار.. باحثون: أوزمبيك يمكن إنتاجه بكلفة 5 دولارات      روسيا تضرب صواريخ على أوكرانيا.. وبولندا تستعد      موجة إقالات تضرب كبرى الشركات العالمية! 25% منها تستعد لشطب ملايين الوظائف عام 2024      "يورو 2024".. اليويفا يدرس مشكلة تؤرق بال المدربين      البابا فرنسيس: لنطلب من الرب نعمة ألا نتعب من طلب المغفرة      الإبداع والتميز مع الشابة العراقيّة فبيانا فارس      ليس العمر.. ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله      خبيرة ألمانية تدعو إلى الصيام عن البلاستيك
| مشاهدات : 3589 | مشاركات: 0 | 2017-07-25 09:53:09 |

علم النفس ونظرية (فرويد) في التحليل النفسي

فواد الكنجي

 

 

 عرف  العالم النفساني (سيغموند فرويد، 1856- 1939 ) طبيبا ومعالجا نفسيا وعالما فسيولوجيا، إضافة إلى كونه فيلسوفا تعمق في دراسة وتحليل الكثير من مظاهر التي ثائر على سلوك الإنسان وحياته، وقد إلف وكتب العديد من الكتب والدراسات في التحليل النفسي والتي تعتبر من أهم مصادر البحوث في علم النفس و نذكر هنا بعض من مؤلفاته وهي (تغلب على الخجل) و (قلق في الحضارة) و (مستقبل وهم) و (الحلم وتأويله) و (الهذيان والأحلام في الفن) و (ثلاث مباحث في نظرية الجنس) و (التحليل النفسي للهستريا) و (السيكولوجيّة النفسيّة) و (الإدراك و السلوك)  و (تطور المعالجة النفسية) و (خمسة دروس للتحليل النفسي)  و (نقطة الضعف)  و (الذاكرة)  و(الحياة الجنسية( و (تفسير الأحلام(  و (حياتي والتحليل النفسي( و (علم نفس الجماهير( و (رجل الجرذان( و (النظرية العامة للأمراض العصابية(  و (الحب والحرب والحضارة والموت( و ( المجتمع البشري)،وعليه يعتبر (فرويد) مؤسس (التحليل النفسي) الذي اعتبر بان (العقل اللاواعي) هو من يحكم في سلوك الإنسان وان هدف من (التحليل النفسي) هو في إمكانية (العقل اللاوعي) بجعله (واعيا) .

ولما كان (فرويد) في مطلع أبحاثه اتخذ من (التحليل النفسي) منهجا لعلاج الطبي خاصة في حالات (الاضطرابات العصبية)، ولكن فيما بعد توسع في مجال أبحاثه ليجعل من (التحليل النفسي) فنا للبحث في أعماق النفس، فانصب اهتمامه على (الأحلام) و (الإبداع الفني) و (النسيان) و (القيم الأخلاقية) و(الظاهرة الدينية) و (نشوء الحضارة ) و(التاريخ الإنساني)، وهكذا وسع (فرويد) أفق (التحليل النفسي) بالتنظير والتفلسف إلى ميادين الفكر والفلسفة، فوضع نظرية متكاملة في (الغرائز) وبذلك تجاوز (فرويد) حدود التي انطلق منها في (التحليل النفسي) الذي كان أصل انطلاقه كوسيلة لـ(لعلاج)- كما قلنا سابقا -  فوسعه إضافة إلى ذلك ليكون مبحثا (لعلم العمليات النفسية اللاشعورية) ليتسع تأثير (التحليل النفسي) ليس على مذاهب الفلسفة الحديثة بل تعدى تأثيره في (الأدب) و (الفن)  و (سائر العلوم الإنسانية من علم النفس والاجتماع والتربية والسياسة والتاريخ)، لدرجة التي أصبح (التفسير الفرويدي) أساسا في تفسر مختلف الظواهر الاجتماعية والذي من خلاله يمكن تفسير كل شيء، وهذا الانجاز قاد المفكرين إلى تطوير علم جديد تحت عنوان (سوسيولوجيا التحليل النفسي)، بكون (فرويد) يرجع مسؤولية كل أفعالنا وقراراتنا (الواعية) و (اللا واعية) إلى (العقل)، ولما كان لهذا (العقل) ثلاثة جوانب وهي:

أولا- (الذات-اللهو او الهي) .

وثانيا- (الأنا) .

وثالثا - (الأنا العظمى) .

فكثير من الرغبات (اللا واعية) هي التي تقوم بتحفيز الإنسان على التصرف وفق لهذه الجوانب (الثلاثة) والتي على ضوئها تشكل شخصية الفرد  .

فـ(فرويد) يقصد بـ(الذات-اللهو او الهي) أو (الهو المشتهية)، ((طبيعتنا الفطرية التي لم تهذب بالتربية ولا بالتعلم ولا بالقيم الإنسانية))، وهي الغرائز والرغبات الجامحة والمطالب لإشباعها دون الاعتبار لأي قواعد أو معايير الأخلاقية، والمبدأ الذي يحكمها هي(اللذة) ويستمد (الهو) طاقته من الاحتياجات الجسم مثل نقص الطعام أو الجنس الذي يتحول إلى طاقه نفسيه ضاغطة.

إما الجانب (الأنا) فان (فرويد) يقصد بها ((شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالا بين (الهو) و (الأنا الأعلى)..))، حيث تقبل بعض التصرفات من هذا وذاك، وتربطها بقيم المجتمع وقواعده، حيث من الممكن لـ(لأنا) أن يقوم بإشباع بعض الغرائز التي يطلبها (الهو) ولكن في صورة متحضرة يتقبلها المجتمع ولا يرفضها (الأنا الأعلى)، ويعمل (الأنا) كوسيط بين (الهو) والعالم الخارجي فيتحكم في إشباع مطالب (الهو) وفقا للواقع والظروف الاجتماعية، وهو يعمل وفق لذلك، ويمثل (الأنا) الحكمة والإدراك والتفكير والملائمة العقلية، ويشرف (الأنا) على النشاط الإرادي للفرد، ويعتبر (الأنا) مركز (الشعور) إلا أن كثيرا من عملياته توجد في ما قبل (اللاشعور)، وتظهر (للشعور) إذا اقتضى التفكير بذلك، ويوازن (الأنا) بين رغبات (الهو) والمعارضة من (الأنا الأعلى) والعالم الخارجي، وإذا فشل في ذلك أصابه القلق ولجأ إلى تخفيفه عن طريق (الحيل) الدفاعية.

إما ما يقصد (فرويد) بـ(الأنا الأعلى) فهي ((شخصية المرء في صورتها الأكثر تحفظا وعقلانية))، حيث لا تتحكم في أفعاله سوى القيم الأخلاقية والمبادئ المجتمعية، مع الابتعاد عن جميع الأفعال الشهوانية و الغرائز، و يمثل (الأنا الأعلى) بـ(الضمير)، وهو يتكون مما يتعلمه (الطفل) من معايير أخلاقية وذلك من (والديه ومدرسته والمجتمع)، و(الأنا الأعلى) هي بطبيعتها (مثالية) وليست (واقعية)، وتتجه لـ(لكمال) لا إلى (اللذة ) بمعنى أنها تعارض (الهو) و (الأنا)، وإذ استطاع (الأنا) أن يوازن بين (الهو) و(الأنا الأعلى) و(الواقع) عاش الفرد (متوافقا)، أما إذا تغلب (الهو) أو (الأنا الأعلى) على الشخصية الفرد فانه يعيش (مضطرب(، والأنظمة الشخصية ليست مستقلة عن بعضها ويمكن وصف (الهو) بأنها الجانب (البيولوجي) للشخصية، و(الأنا) بأنها الجانب (السيكولوجي) للشخصية، و(الأنا الأعلى) بأنها الجانب (السوسيولوجي) للشخصية.

 ومن هنا انطلق (فرويد) في تفسير سلوكياتنا الخاصة او للآخرين مؤكدا بان النشاط العقلي الواعي نادرا ما يعطي الدافع الحقيقي لتصرفنا وهذا السلوك لا يمثل حقيقته باعتباره (كذبا متعمدا) بل هو سلوك لقدرة العقل البشري في السرد بطريقة (خادعة) بعيدا عن الحقيقة، لذا ركز (فرويد) في طريقة (التحليل النفسي) لإيجاد طرق لاختراق هذا (التمويه الخفي) الذي يلجئ إليه الفرد، لان حسب تحليل (فرويد) بأن الإفراد لا يقولون ولا يفعلون شيئا (مصادفة) من غير (قصد)، لان النشاط العقلي غير المدرك، يؤدي إلى مثل تلك المصادفات، كـ(زلة اللسان) أو (نسيان موعد) و (الهزار) بكون نشاط العقل (الغير مدرك) هو أكثر من نشاط العقل (المدرك(، ومن هنا فان (الاضطرابات النفسية) ممكن علاجاتها عن طريق الكشف عن هذه الرغبات وعن مخاوف المريض الغير المدركة لديه، لان (فرويد) اعتقد بان (( كل سلوكيات الفرد تتأثر بالغرائز والمخاوف ونشاط العقل غير المدرك الذي لا يخضع للتفكير المنطقي)) واعتقد بان ((المعاناة البدنية في فترة الطفولة المبكرة، خاصة الجنسية منها، تشكل سلوك الفرد في مستقبل حياته)).

ومن هنا فان كل تجارب المنحرفة أو الشاذة أو البغيضة في (مرحلة الطفولة) تستقر في العقل الباطني فتسبب مرضا نفسيا ويتم علاجه عبر (التحليل النفسي) وذلك بنزع هذه التجارب من عقل الباطني للمريض إلى حيز (الوعي) عن طريق تداعي الأفكار بحرية، فكلا الطرفين من المحلل النفسي و المريض  يحاولان تفهم المعنى النفسي للأحلام والأفكار والخيالات والمشاعر التي عبر عنها، وخلال العلاج يعبر المرضى للمعالج عن مشاعر قوية يكونها نحو أناس آخرين تسمى هذه العملية (التحويل) حيث يكشف (التحويل) عن مواقف معينة اتخذها المرضى في حياتهم المبكرة، واستمرت تشوب علاقاتهم مع بقية الإفراد وعبر هذا التفسير يحاول المعالج مساعدة المرضى على تحقيق قدر أكبر من النضوج والحرية في علاقاته.  

ومن هنا تكمن أهمية (الطفولة) بكون (الأطفال) حينما يولدون، يولدون ومعهم (ذات) وهذه (الذات) هي عبارة عن ((مجموعة الغرائز داخل اللاوعي))،  وحينما ينمو (الأطفال) كما يقول (فرويد)، فإنهم يكتسبون (الأنا) و (الأنا العليا)، فـ(الأنا) تحكم على مناطق (الذاكرة) و(الحركة الإرادية) و(اتخاذ القرارات)، إما (الأنا العليا ) فتكمن في (العقل) بالتمييز بين الصحيح والخطأ.

 وقد تسبب المشاكل (العاطفية) الخلافات الحادة بين اثنين من الأقسام الثلاثة إي بين  الذات (الهو والهي) و (الأنا) و(الأنا العليا) ، وقد تنشأ صعوبة، إذا أفرزت (الذات) رغبات قوية لفعل أشياء، بينما تصر (الأنا العليا) على أن هذه الرغبات الخاطئة، ويذهب ( فرويد) في الاعتقاد بأن (الأطفال) بصورة عامة يمرون بـ(خمسة مراحل) متداخلة سماها بـ(النمو الجنسي النفسي) وهذه المراحل هي:

 اولا - مرحلة التلقي، وهي مرحلة التي يتلذذ الأطفال بالرضاعة .

ثانيا - مرحلة الشرجي،  وهي مرحلة تدوم إلى سن الرابعة حيث يستمتع الأطفال بالسيطرة على خروج فضلات الجسم .

ثالثا  - مرحلة الذكورة (القضيبية)،  وهي مرحلة التي يصبح الأطفال على وعي متزايد بأعضائهم الجنسية، وتنشأ عندهم عقدة (أوديب) وهي انحياز قوي نحو الوالد من الجنس الأخر .

رابعا - مرحلة (الكمون)، وهي مرحلة تبد أثناء المدرسة الابتدائية حيث يتحول الأطفال إلى الطور الذي يقل فيه (كمون) العواطف .

خامسا - مرحلة المراهقة، وهذه المرحلة تتسم بصراع بين المشاعر الطفولة بالاعتماد على الوالدين وبين التطلع لبلوغ مرحلة الاستقلال .

وعلى ضوء هذه المراحل يؤكد (فرويد) بان المشاكل (العاطفية) أثناء أي مرحلة من مراحل الخمسة هذه  يمكن أن تجعل سمات تلك المرحلة تستمر إلى سن البلوغ، لذا فان (فرويد) يعتبر بان ((الخمس سنوات الأولى من حياة الفرد هي أهم مرحلة في حياته، لان خبراتها تؤثر في مستقبل الفرد والمجتمع)) .

ونلاحظ  مما تقدم بان الطفولة في مراحلها الأولى هذه، تتطور ويطرد تناميها وفق أسس معينة وصولا إلى السنة الخامسة من العمر، حيث تبلغ ذروتها وبعدها تتوقف لفترة من الزمن، وعند تلك المرحلة يقف التقدم، وتدخل بعض الصفحات من هذه الحياة طي النسيان وتتراجع، فبعد هذه المرحلة التي يقال لها مرحلة (الكمون)، يعاود (الجنس) إلى ظهوره ونموه عند البلوغ، ومما يجب ذكره بان مرحلة (النشاط الجنسي) المبكرة هذه - عدا استثناءات نادرة - تطوى في (النسيان) ولكن علينا إن لا نقابلها بعدم الاكتراث، لان جل (إمراض الأعصاب النفسية وطرق علاجها تكمن من خلال هذه المرحلة المبكرة)، بكون أولى مناطق (الشهوة) تطرح نفسها - ومنذ الولادة - بمطالب (اللبيدو) هو (الفم)، فالنشاط النفسي يتركز مطلبه في  إشباع حاجات هذه المنطقة، فالتغذية تنطلق حاجة لحفظ الحياة، فـ(الطفل) يدلل بتشبثه بـ(المص) في وقت مبكر جدا من حياته بكون هذا الفعل يرد له بالرضا، وهذا الشعور يستمد كنهه من التغذية، وما كانت هذه الحاجة توليد عنده بـ(المص) لذة، فمن الممكن إن نقول عنها بان هذه (اللذة) توصف بكونها (لذة جنسية)، فمنذ تطور النشاط  في مرحلة(التلقي - الفموي) وظهور الأسنان الأولى، تبرز بعض الدوافع الغريزية( السادية ) بصورة منعزلة ويزداد نشاطها بشكل ملحوظ في المرحلة الثانية التي نسميها بالمرحلة (السادي -الشرجية)، لان الشعور بالاستمتاع الأطفال بالسيطرة على خروج فضلات الجسم يقابل عندهم بـ(الرضا) وهذه السيطرة تشكل نوع من (العدوان) على الوظيفة الإخراجية، ومن هنا فان نوازع (العدوانية) تدرج في (الليبيدو)، لان (السادية) ما هي إلا مزيج من دوافع غريزية ( اليبيدو) ومن نوازع (تدميرية) وهذا الفعل يدوم بدوام العمر عند الفرد.

اما مرحلة الثالثة  وهي مرحلة الذكورة (القضيبية) وهي الحالة التي تسبق الشكل النهائي للحياة الجنسية، ومع المرحلة (القضيبية) تدرك جنسية الطفل ذروتها فالذكر والأنثى يبدءان نشاطهما الذهني نحو الاستقصاء الجنسي، رغم إنهما وفي وقت الذي يسير فيهما الجنس سيفترقان، فـ(الذكر الصغير) يدخل في مرحلة ((الاوديبيه)) ويشرع بالعبث بقضيبه ويرفق هذه المعابثة بتخيلات ذات صلة بنشاط جنسي موضوعه (الأم)، فهذه العقدة التي نسميها بـ(عقدة أوديب) وهو رد فعل على النوايا الإجرامية في سن الطفولة، عندما يطمح الطفل بصورة (لا شعورية) إلى إبعاد (أبيه) والحلول محله في علاقات غرامية مع (أمه) غير إن هذا (الذكر) الصغير لا يعتم تحت تأثير التهديد بـ(الاخصاء) وملاحظة فقدان (المرأة للقضيب)، ان يتعرض لأعظم (رضة) في حياته، وهي (الرضة) التي تعقبها لاحقا مرحلة (الكمون) بكل نتائجها.

 إما (الأنثى الصغيرة) فبعد محاولات فاشلة لتقليد الصبي تدرك فقدانها للقضيب لتجد بدلا عنه (بضرها)، الأمر الذي تشعر بخيبة كبيرة يكون له آثار دائمة في تكوين طبعها، وخاصة في أيطار المنافسة مما تجعلها تعزف عن (الحياة الجنسية) عزوفا تاما في كثير من الأحيان .

ومما يجب ذكره هنا بان المراحل الأنفة الذكر ليس لكل مرحلة حدود ثابتة، فكل مرحلة من هذه المراحل مستقلة عن أخرى، فهي إما إن (تتداخل أو توازي أو تتطابق) ولا يكتمل التنظيم إلا مع البلوغ، ففي مرحلة الرابعة وهي مرحلة (الكمون)، وهو الطور التناسلي يتمحور أفعالها على النحو الآتي:

 تبقى توصيفات القديمة (الليبيدو) قائمة، ومن ثم  تندمج توصيفات أخرى في الوظيفة الجنسية لتشكل الأفعال التمهيدية التي ينشأ عن إشباعها ما يمسى بـ(اللذة التمهيدية)، وأخيرا يجري استبعاد نوازع أخرى إما بـ(القمع) و (الكبت) وإما بتعديل دورها في (الأنا) فتشكل بعض سمات طبيعية أو تخضع لتهذيب، ولا تتم هذه الصيرورة على الدوام بلا ضرر، فهناك ضروب الكف قد تعيق مجراها فتتظاهر في شكل اضطرابات مختلفة في الحياة الجنسية وتحدث هذه الضروب من الابتعاد عن الهدف السوي فتسمى بـ(الانحرافات)، وتقدم لنا (الجنسية المثلية) مثالا على اضطرابات التطور هذه، ويبين (التحليل النفسي) بان هناك على الدوام رابطا (مثليا) موضوعه (جنسيا)، ولهذا فان (الجنسية المثلية) تبقى في اغلب الحالات كامنة وكصيرورة حالة سوية لا تتحقق أبدا بتمامها، كما لا تنعدم أبدا بتمامها، و(الانحرافات الجنسية) تكمن حينما لا تستخدم المناطق التناسلية بصورة اعتيادية بكون بعض الأشخاص لا يشعرون بانجذاب إلا نحو أفراد من نفس جنسهم ولا نحو الأعضاء التناسلية ويسمى هؤلاء الأشخاص بـ(المنحرفين)، لان (الجنس الطبيعي) يتحقق بالاتصال بين الأعضاء الجنسية لفردين من جنس مختلف، وتعد القبلات والنظر إلى جسم الشريك ولمسة تظاهرات ثانوية وأفعالا تمهيدية، والمفروض بـ(النازع الجنسي) ان يظهر عند البلوغ، أي في زمن النضج الجنسي وأن يكون هدفه (التناسل)، غير إن بعض الوقائع المنحرفة - كما قلنا - لا تدخل في الإطار الضيق لمثل هذا التصور لان وفق التحليل النفسي فان شخصية الفرد السوية السليمة عقليا  - كما تصورها (فرويد) - متكونة من (ألهو) و (الأنا ) و (الأنا العليا) والتي بمجمل هذه المكونات الثلاثة مجتمعة تكون كيانا متجانسا للفرد تمكنه من ممارسة أنشطته بطريقة فعالة ومجدية وبعيدة عن (الانحرافات) لان الانحراف والشذوذ يأتي حين تضطرب موازين تلك الشخصية أي بين (ألهو) و (الأنا ) و (الأنا العليا)، وإذ اختل (التوازن) فان الفرد يصاب بـ(الشذوذ) فيقال عنه (شخص شاذ).

وهكذا فان (فرويد) لم يقتصر تحليله النفسي عن الظواهر المرضية التي منها انطلق في تأملاته ونظرياته في (التحليل النفسي) بل شملت (الثقافة) و(الفن) و (الأدب) و(الأساطير) و(السياسة) و(الدين) و(التاريخ) - كما قلنا سابقا - حتى أصبح (التحليل النفسي)  بمفهومه الذي انطلق منه ( فرويد) في نظرية الغرائز والجنس والكبت ومفاهيم المقاومة واللاشعور، وخبرات الطفولة، ليفسر كل ظاهرة انطلاقا من نفس التصور وبواسطة نفس المفاهيم، وهنا يطرح (فرويد ) مفهوما في غاية الأهمية حين أكد بان (ليس كل شعور مكبوتا) لانا جزءا من (الانا) ينطلق فعلها من (اللاشعور) كونها ينم عن تصور منحرف وخطير ومسيء للمسؤولية والإرادة عن الإنسان، فـ(اللاشعور) من المفاهيم النفسية لـ(لحضارة الغربية- الصناعية) والتي هي من أفرزتها، كون تصورها للإنسان تصورا خاصا جاء ليتلاءم وينسجم مع معطياتها الثورة الصناعية وأهدافها، فالضغوط السياسية والاجتماعية والثقافية والتي ما يزال الإنسان الغربي ومجتمعه يرزح تحت طائلة الصناعة الغربية والتكنولوجيا وتشيئه، وهذا (التشيئ) كان سببا رئيسيا في تغيير شخصية ونفسية هذا الإنسان، مما سبب لظهور مفاهيم نفسية تعبر عن الواقع النفسي المعقد و الصعب الذي يعيشه الإنسان الغربي، مع محاولة (علم النفس) وقيامه بـ(التحليل النفسي) لفهم هذا الواقع  المرير وتبريره،  فوجدوا بان ضغوط المجتمع الصناعي والتكنولوجي أقوى مما يتحمله الإنسان كونه فقد جزءا من إرادته (الشعورية)، وبدأ يفسر ويعلل سلوكه بنشاط وتصرف الجانب (اللاشعوري) المفترض، بكونه يمثل جزءا من شخصيته ونفسيته، فإن هذا التحليل (الوهمي) لم يكن سوى تعبير عن ضعف هذا الإنسان أمام الأيديولوجية المجتمع الغربي ومؤسساته الصناعية والتكنولوجية، لأننا إذا اعترفنا بالسلوك (اللاشعوري) أو بدوافع لا يكون الإنسان منتبها إليها تحرك سلوكه دون علم منه، فإننا لا محال سوف نسقط جانبا من المسؤولية في الأفعال الإرادية الصادرة عن الشخص السليم، وبالتالي سنبرر تصرفات الأشخاص وسنعذرهم لكونها صدرت عنهم (لا شعورية)، ومن هنا نعود لنؤكد ما قاله (فرويد) بان (ليس كل شعور مكبوتا) لانا جزءا من (الانا) ينطلق فعلها من (اللاشعور) كونها ينم عن تصور منحرف وخطير ومسيء للمسؤولية والإرادة عن الإنسان ومن هنا تكمن قيمة (التحليل النفس) كونها تفسر كل الظواهر انطلاقا من نفس التصور وبواسطة نفس المفاهيم في التحليل النفسي .

 

 

 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5638 ثانية