( بالأيمان ، كان ينتظر أبراهيم الأنتقال الى المدينة السماوية ذات أسس ثابتة ، التي مهندسها وبانيها هو الله ) " عب 10:11"
الأنسان يخضع في هذا العالم الى قوانين الطبيعة المقيّدة بالزمان والمكان . وفي الأول ، والوسط ، والأخير . أو هنا وهناك ، وفي الماضي والحاضر والمستقبل ، في البداية والنهاية . وأخيراً هناك نهاية للزمن , فالأنسان بعد الموت سيصبح في اللازمن ويتحرر من كل تلك القوانين فلا يخضع بعد الى (قبل) أو (بعد ) . بعد القيامة لم يعد هناك فصل بين هذا وذاك ، وليس هناك تحديد ، أو موت آخر ينتظرنا ، ولا نهاية أخرى ، بل سنخضع الى قوانين جديدة مع الله الذي هو مصدر الحياة والحب والجمال والخير ، بل هو مصدر النور فلا نتحتاج الى نور الشموس والوسائل الأخرى . كما سينتهي سلطان الموت ، أو الألم والمرض لكي نحيا مع الله بسعادة أبدية الى الأزل . أنه أحبنا منذ البدء وستستمر محبته لنا فيعطينا حياة أبدية . عندما أرسل أبنه الوحيد ليكون معنا ( عمانوئيل ) فعلينا أن نثق به وبكلامه ، ونؤمن بأنه مُحِب وغافر وهو الذي يستقبلنا في مساكن العليين ، في وطننا الجديد ، الوطن الذي يحتضن البشر المختارين . وفي الخليقة الجديدة نجد الحرية الكاملة لأبناء الله الذين يتم تجديدهم في القيامة ، وهذا التجديد سيشمل الكون كله ، حتى الطبيعة ، أنها رؤية الله العظيمة .
وصف لنا الرسول بولس النظام الكوني المخلوق كأنين المرأة عند الولادة ، ينتظر بشغف ليعطى ولادة جديدة للحياة مع الأنسان ،فقال ( فقد أخضعت للباطل ، لا طوعاً منها ، بل بسلطان الذي أخضعها ، ومع ذلك لم تقطع الرجاء لأنها هي أيضاً ستحرر من عبودية الفساد لتشارك أبناء الله في حريتهم ومجدهم ) " رو 8 : 20-21 " . فكل شىء مخلوق سيُرفع الى مجد الله . فلو تأملنا بعمق بالجبال والبحار والصحاري والغابات والحيوانات وبشموس السماء والنجوم وكل المجرات التي تُعِد بالمليارات وتبتعد عن بعضها آلاف السنين الضوئية فحتماً سنصل الى الفكرة بأنها ( تشارك أبناء الله في حريتهم ومجدهم ) " رو 21:8" . فعلاً سيكون للخليقة حصة في المجد بسبب تمجيد الأنسان بعد القيامة ، وكما كان لها نصيب في عقاب الأنسان بعد الخطيئة . أي ليس للأنسان فقط المشاكل في هذا العالم بعد الخطيئة ، بل لكل الخليقة ، فستتحرر من ذلك العقاب فتنتهي أهانتها وتشتكي مع البشر في رغبة منها للوصول الى الحرية الكاملة . وحتى الحيوانات الضعيفة المضطهدة من قبل الحيوانات القوية التي أراد الله أن يحافظ عليها كلها من الأنقراض بسبب الطوفان لهذا أمر نوحاً بأنقاذها بسفينته التي صممها له لأنها مهمة لديه لهذا قال لنوح (من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها ) " تك 20:6" . هكذا سيحفظها في أمان وحرية بعد القيامة .
قال النبي أشعيا ( فيسكن الذئب مع الحمل ، ويربض النمر الى جوار الجدي ، ويتألف العجل والأسد وكل حيوان معلوف معاً . وصبي صغير يسوقها . ترعى البقرة والدب معاً ، ويربض أولادهما متجاورين ، والأسد يأكل التبن كالثور . ويلعب الرضيع على جحر الأفعى ، ويضع الفطيم يده في وكر الأفعى فلا يصيبه سوء . لا يسيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي . لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب كما تغمر المياه البحر ) أشعيا 11: 6-9" .
فكل شىء في الخليقة الجديدة سينتمي مع البشر الى عائلة الله الواسعة . إذاً ليس بني البشر فقط سيميزون بأنهم أخوة وأخوات ، وهم فقط مدعوون للعيش في الوحدة وبحرية والمساوات ، بل كل أعضاء خليقة الله سيعيشون معاً بتوافق كامل . بمجىء يسوع الرب في يوم القيامة المجيد ستتحقق هذه الرؤية لكي يخلق عالم جديد ونظام عادل وعلينا أن نثق بهذه الرؤية التي نقلها لنا أشعيا النبي . وقد أكملها الرسول يوحنا الرائي برؤيته التي كتبها لنا عندما رأى سماء جديدة وأرضاً جديدة . كل الخليقة تحولت ولبست الخلود كي تكون عروس لبعلها . فقال (هوذا بيت الله والناس : يسكن معهم ويكونون له شعباً . الله معهم ويكون لهم إلهاً ، يكفكف كل دمعةٍ تسيل من عيونهم . لم يبق للموت وجود ، ولا للبكاء ِ ولا للصراخ ولا للألم ، لأن العالم القديم قد زال . وقال الذي على العرش استوى : " هاءنذا أجعل كل شىء جديداً " ) . " رؤ:21 : 3-5 " .
هكذا أكد لنا كل من أشعيا النبي والرسول يوحنا موضوع خلود الطبيعة مع البشر موضحين عمل المسيح القائم في خلق العالم الجديد .
سيتمجد أسم الرب الآن وفي يوم القيامة وألى الأبد