أعلنت وزارة التجارة العراقية عن زيادة الحصة التموينية خلال شهر رمضان المقبل لبعض مفردات البطاقة التموينية , حيث تكرمت الحكومة مشكورة بإضافة نصف كيلو غرام عدس لكل فرد وربما تعتبره انجازا تاريخيا على الصعيد الوطني , وهذا الخبر ذكرني بحكاية من حكايات جدتي رحمها الله .. وتتلخص الحكاية ب ( كان يا ما كان .. كان هناك رجلا فقيرا يعمل سائسا للخيول في سرايا احد الملوك , وهذه المهنة كان ورثها أبا عن جد, وكانت خدمته مقابل ثلاث وجبات طعام يوميا , وفي احد الأيام تهيأ الملك للخروج بحملة عسكرية , وقبل خروجه من القصر , اسرع اليه السائس وطلب منه ان يبدل سيفه بسيف احد حراسه , فضحك الملك لغرابة الطلب , ومع ذلك لبى طلبه , وخلال الاشتباك والقتال , انكسر سيف الملك الذي كان بحوزة الحارس , وبسبب ذلك لقى الحارس مصرعه , وعندما عاد الملك الى القصر طلب احضار السائس امامه , فشكره لأنه انقذ حياته وامر بمكافأته , حيث طلب من رئيس الطباخين ان يضيف ملعقة عدس على وجبة طعام السائس , فشكره وقال للملك : (هذا من اصلك يا جلالة الملك) وفي احدى المرات أراد الملك الخروج برحلة صيد , فاسرع اليه السائس وقال اطلب من جلالتكم تبديل حصانكم بحصان احد مرافقيكم , وفعل الملك ذلك , وخلال جولة الصيد , هاج الحصان الذي كان مع مرافق الملك ولم يستطع كبح جماحه وسقط في الوادي وتوفي المُرافق , وعندما عاد الملك الى القصر , أيضا شكر السائس وامر بتكريمه واضافة ملعقة عدس الى وجبة طعامه , وبدوره شكره وقال ( هذا من اصلك يا جلالة الملك ) ... وحدث ان اقام شاهبندر التجار في المدينة مأدبة طعام ودعي اليها الملك و وجهاء المدينة , وقبل ان يغادر الملك القصر اسرع اليه السائس وترجاه ان لا يباشر بالأكل قبل ان يطعم كلبه من طعام الوليمة , وفعل الملك ذلك , وما هي الا لحظات حتى نفق الكلب بسبب كون الطعام مسموما , وكالعادة شكر الملك السائس لأنه انقذه من الموت للمرة الثالثة وقرر تكريمه كالمرات السابقة بإضافة ملعقة عدس الى وجبته , و كرر السائس عبارته ( هذا من اصلك يا جلالة الملك ) .. ولكن الملك في هذه المرة انتبه الى كلام السائس بان لابد انه يلمح الى شيء او فيه لغز ... فامر السائس ان يوضح معنى كلامه من عبارة (هذا من اصلك يا جلالة الملك ).. فرد عليه السائس ,مولاي الملك , الجواب هو لدى والدتكم الملكة , فاسرع الملك الى والدته والشك يساوره , واخذ معه إناء فيه زيت مغلي , ودخل على والدته وامسك بيدها وقال : سأحرق يدك بهذا الزيت ما لم تقولي ما هو اصلي .. فاضطرت الوالدة بالاعتراف واخبرته الحقيقة , وقالت بان في احدى الرحلات الطويلة لزوجي الملك , ارتكبت الفاحشة مع فلاح القصر , وانت ابن ذلك الفلاح , أي لست ابن الملك الحقيقي ... عندئذ عرف الملك اصله وانه ولد من فعل الزنا ... وعلم بان السائس كان يقول له (هذا من اصلك) كلما امر بإضافة معلقة عدس على وجبته لكون التكريم الذي يقدمه له مقابل انقاذ حياته ولثلاث مرات, لا يتناسب مع أفعال الملوك ...)
ولهذا فان الحكومة التي تتجاوز وارداتها الشهرية اكثر من سبع مليارات دولار , وتصرف فقط نصف كغم عدس للمواطن وفقط في شهر رمضان ...يحق للشعب العراقي ان يقول لها ( هذا من اصلكِ يا حكومتنا الكريمة )....كما نذكرها بمطلع قصيدة للمتنبي والتي يقول فيها :
على قدر اهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
ملاحظة : ( السائس في اللغة تعني الشخص الذي يقوم بتربية الخيول وترويضها وتدبير امورها , ومنها جاءت كلمة السياسة ..وساسة البلاد هم قادتها الذين يديرون شئون البلاد والعباد )