( فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ ) " كول 1:3 "
تَجَسَدَ المسيح في عالمنا فصار واحداً منا لكي يموت على الصليب ، وعلى الصليب يدفع فدية خطيئة الأنسان . فالصليب والقيامة هما حدثان أساسيان في إيماننا المسيحي ، وفي خلاصنا . شاء المسيح أن يموت مصلوباً أمام الجميع لكي لا يُنكِر موضوع الصلب من قبل اليهود ، وتم توثيق صلبه في سجلات الدولة الرومانية مع أسباب صلبه التي علقت على الصليب بأمرمن الحاكم بيلاطس البنطي الذي سلمه للموت رغم أعترافه ببرائته . لكن قيامته من بين الأموات وبسبب تواضعه لم يظهرها إلا للقليلين ومنهم الحراس . فبسبب قيامة المسيح حدث تغَيّيرَ وتطوَرَ وتحرير النسان من الشك ، أجل قِوة القيامة هي اقوى من كل شىء . القيامة غيّرَت أمور كثيرة ، في جماعة المؤمنين أولاً ، فتحول حزنهم إلى فرح ، وشبح الموت إلى حياة جديدة ، والخوف إلى فرح ، وجبنهم إلى شجاعة ونحدي . وضعفهم إلى قوة ، والأمل بعد الخيبة . القبر الذي كان فيه الجسد المقدس كان مقفولاً بأحكام ، ومختوماً بأختام ، ومحروساً من قبل حراس مدججين بالسلاح . لكن في فجر يوم الأحد وجد الحجر مدحرجاً ، والقبر فارغاً ، والأكفان مرتبة مع منديل الرأس وهذا برهان واضح بأن جسد المسيح غير مسروق ، لأن ليس للسارق أن ينزع الأكفان ويرتبها ، بل عليه الهروب بالجسد مع الأكفان ، أو على الأقل نزعها ورميها بدون ترتيب من أجل الوقت للهروب قبل أن يشعروا الحراس . إذاً المسيح لم يسرق جسده ، بل قام بقدرة خارقة وخرج من الأكفان وتركها مُرتبَة مع المنديل . وبسبب منظر قيامتع المخيف هرب الحراس المذعورين من موقع الواجب .
الحجر يرمز غلى الحجاب الحاجز بيننا وبين الرب ، لكن في يد المسيح مفتاح الحياة ، يفتح ولا أحد يغلق ، وبذلك صار لنا ممراً مفتوحاً ليس لكي ندخل إلى القبر مثل النسوة ، بل إلى الفردوس السماوي .
كانت شهادة الحراس الأولى قبل أستلامهم الرشوة من قادة اليهود ، بأن زلزالاً عنيفاً قد حدث ومنظر لملاك كان بالبرق ، وثوبه ابيض كالثلج . بعد القيامة مباشرةً حضر النسوة فشاهدن ملاكين في داخل القبر وأخبروا النساء بقيامة السيد . وبعد خروجهن من القبر ألأتقى القائم معهن وتحدث مع المجدلية . كم ألتقى يسوع القائم مع بطرس وكل الرسل فغيّرَ حياتهم جميعاً ، وكذلك ألتقى مع تلميذي عمواس الذين تركوا أورشليم خلفهم ليعودوا غلى قريتهم وحياتهم السابقة بعد أن صلب سيدهم ، ألتقوا مع القائم من بين الأموات فعادوا في الحال إلى أورشليم ، إلى دائرة أيمانهم . آمن جميع التلاميذ ، ومنهم توما الغائب الشكاك فقال للقائم ( ربي وإلهي ) أي شهادته كانت أقوى أعتراف بالقيامة وبآلوهية المسيح.
جسد المسيح القائم هو حالة تجلي جديدة لن يتغيّر بعد القيامة ، ولكنه صار في وضع ممجد ، وقد سبق وأن أعطى للرسل الثلاثة عربوناً لها على الجبل المقدس . أصبح جسده جسداً روحياً مرئياً وملموساً ، لكن لا يجوز لأحد أن يلمسه ، لهذا لن يلمسه توما الذي أراد لمسه ، بل رفعه الرب إلى درجة الأيمان وأعترف بقيامته دون أن يلمسه ، كذلك لم يسمح للنسوة أن تلمساه رغم ما كتبه الرسول متى ( وأمسكتا بقدميه ) " مت 9:28 " هذه الآية تعطف إلى آية أخرى لتكتمل المعنى ، حيث قال يسوع ( لا تمسكي بي ! فإني لم أصعد بعد إلى الآب ) " يو 17:20" . ظهر يسوع للكثيرين وألتقى بهم ثم صعد إلى السماء ليجلس بذلك الجسد عن يمين القدرة .
حدثت تطورات كثيرة بعد القيامة ، فتغيَرَت حياة المؤمنين الذي فقدوا الرجاء بسبب موت سيدهم . بالقيامة كسرت شوكة الموت لكي يصبح للمؤمن فرح وتغيير للدخول إلى عالم النور . رغم وضع أجسادنا تحت التراب لكي تتفسخ كالحنطة التي تزرع في التربة ، لكن ينبت لنا جسداً جديداً لا يقبل الفساد . وقد وصف لنا الرسول بولس هذه الحالة ، وقال ( يزرع الأنسان في فساد ، ويقوم في عدم فساد . يزرع في هوان ، ويقام في مجد . يزرع في ضعف ، ويقام في قوة . يزرع جسماً حيوانياً ، ويقام جسماً روحياً ) " 1قور 15: 42-43"
. فقيامة المسيح عملت تطوراً عجيباً للأنسان بقيامة الأجساد الممجدة لاحقاً وكذلك قيامة الروح التي ستلحق بذلك الجسد ، فلم يبقى للموت الثاني سلطاناً على القائمين بالرب يسوع إلى عالم الأرواح ، وهناك الحياة الأبدية والخلود . القيامة زرعت الفرح في التلاميذ " يو 20 : 20 " . القيامة اعطت للمؤمن بالقائم الحرية لأنها حررته من قبضة الشيطان ، ومن الموت الثاني ، لهذا نقرأ عن ثورة التحرير من الموت الأبدي تحدياً واضحاً له ، يقول ( أين شوكتك يا موت ، أين غلبتك يا هاوية ) " 1قور 55:15" طالع أيضاً ( عب 14:2" .
ثورة المسيح في التغيير لا تقتصر في القيامة فحسب ، بل في تعليمه المبني على المحبة والعدالة . التغيير لايحصل بدون جهد جهيد وإرادة قوية وثابتة ، لأن ملكوت الله يحتاج إلى جهد أيضاً ، والمجاهدون يأخذونه عنوة ، هذه هي ثورة الأنجيل ، إنها ثورة المحبة المسيحية والتسامح ، فالمسيح القائم من بين الأموات أعطانا مثالاً على هذه الثورة حينما أوصانا قائلاً ( أحبوا أعداءكم ، وأدعو لمضطهديكم ، وأحسنوا إلى من يبغضكم ، قتكونوا بني أبيكم الذي في السموات ، الذي يطلع شمسه على الأشرار والأخيار ) " مت 5 : 44-45 " وهكذا يجب أن يثور كل واحد على ذاته ليستحق الملكوت .كلاك المسيح واضح لا لبسَ فيه ولا غموض ، قال ( إن لم يفِق بِركُم بر الكتبة والفريسيين ، لا تدخلوا ملكوت السموات ... فإن أحببتم الذين يحبونكم ... أو ليس الوثنيون أيضاً يفعلون ذلك ؟ ) " "مت 5 : 20 ، 46-47 " فكل مؤمن بالمسيح يجب أن يكون المثل الأعلى للآخرين ، لا يتوقف ، بل يتخطى إلى الأمام ليعمل من أجل تغيير العالم بقوة الروح الساكن فيه ، وهذا ما يطلبه منا القائم من بين الأموات في إنجيله . أي أن يكون المسيحي نور العالم وملح الأرض ، والخميرة في العجينة " طالع مت 5: 13-14" .
ونتائج قيامة المسيح من بين الأموات أعطت لنا الرجاء إلى حياة جديدة مع المسيح ، ومن الأدلة المادية والبراهين القاطعة لقيامة المسيح ، هو ظهوره حياً للكثيرين بعد القيامة . قال الرسول بطرس في عظته الشهيرة يوم العنصرة ( يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات ... وهذا أخذتموه بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه ، الذي أقامه الله ناقضاً أوجاع الموت ) " أع 22:2" .
أثناء الصلب والقيامة تحققت عشرات النبؤات التي تطابقت مع تلك الأحداث ، كما تحققت نبؤات المسيح نفسح عن ذاته .
القيامة حولت رمز الصليب الذي كان يرمز إلى العار ، إلى أفضل علامة وفخر ، بل إلى علامة الأنتصار وشعار وعلم للمسيحية يحمل أسراراً كثيرة ، وبه يفتخر كل مؤمن كالرسول بولس . ظهر المسيح بعد القيامة للرسول يوحنا الرائي ليقول له ( أنا الحي وكنت ميتاً ، وها أنا حيّ إلى الأبد الآبدين ، ولي مفاتيح الهاوية والموت ) " رؤ 8:1" .
المسيح قام لأنه واهب الحياة ومصدرها ليقيمنا معه في الحياة الأبدية ونسكن في المنازل التي وعدنا بها ، وعلينا أن نشهد للعالم ونقول
قام المسيح ... حقاً قام