قناة عشتار الفضائية
 

خبير في ترسيم الحدود: بين العراق وإيران أكثر من 40 نهراً قطعت أو حولت مجاريها

 

عشتارتيفي كوم- رووداو/

 

أعلن خبير عراقي في ترسيم الحدود والمياه الدولية أن رئاسة الوزراء العراقية كانت حتى 2011 و2012 مهتمة جداً بملف المياه، وكانت تدعونا لتقديم إيجازات في المجلس الأمني المصغر، أما حالياً فلا يهتم بهذا الملف إلا وازرة الخارجية ومستشارية الأمن القومي.

 

وفي حوار أجرته معه شبكة رووداو الإعلامية، قال الخبير في ترسيم الحدود والمياه الدولية، اللواء الركن الدكتور جمال إبراهيم الحلبوسي، إن لدى محافظة السليمانية 11 نهراً، من المفترض أن تطالب بها، وديالى لديها 17 نهراً ومجرى، والكوت لديها 4 أنهار، والعمارة/ ميسان لديها 7 أنهار، والبصرة 3 إضافة لشط العرب، تم قطعها أو تحويل مجاري معظمها، "ولولا بحيرة دوكان، لما وصلت المياه إلى نهر ديالى".

 

ونوه اللواء الركن جمال الحلبوسي إلى أن العراق في أقصى حالات الجفاف الآن، وإذا نظرنا إلى التغيير المناخي وقلة الأمطار وحرماننا من حصصنا المقررة ما بين إيران وتركيا، الأخيرة قد قللتها، أما السدود العشر الأخيرة لإيران، فهي قطع أنهار، وما قبلها إذا جمعناها، فإن لدى إيران 123 سداً ما بين قطع أنهار كبيرة أو حصاد أمطار، هذه كلها تؤثر على المناطق المشتركة بين العراق وإيران وتركيا.

 

وفي أدناه نص حوار رووداو مع اللواء الركن جمال الحلبوسي:

 

رووداو: رغم مرور نصف قرن تقريباً على الاتفاقية الرسمية بين العراق وإيران، بشأن الاستفادة من الأنهر الحدودية التي تعد سارية المفعول حالياً، وجزءاً من اتفاقية الجزائر لعام 1975 المسجلة لدى الأمم المتحدة والمعتبرة دولياً، لكن قيام الجارة إيران مؤخراً ببناء السدود وتحويل مجاري أنهار أثار لغطاً وعلامات استفهام، وبدأت أصابع الاتهام تتجه إلى طهران بالتسبب في التصحر للجانبين الشرقي والجنوبي من العراق، فضلاً عن تسبب تركيا بخفض منسوب المياه في العراق، لذا سنستضيف في هذا الحوار الخاص، اللواء الركن الدكتور جمال إبراهيم الحلبوسي، الخبير في ترسيم الحدود والمياه الدولية، للحديث عن اتفاقية الجزائر وتفاصيلها بما يخص جانب المياه، ومدى تضرر العراق من هذا الموضوع، إضافة إلى التبعات القانونية التي تقع على إيران جراء قطع المياه.

 

رووداو: لو تحدثنا عن اتفاقية الجزائر من جانب المياه وترسيم الحدود، وكيفية تأثيرها على العراق، فبحسب ما يقال تراجعت إيران عن هذه الاتفاقية والتزاماتها تجاه العراق.

 

جمال الحلبوسي: شكراً لك، ما يربطنا مع إيران هو عدد كبير من الاتفاقيات، تمتد لأكثر من 500 عام، منذ تشكيل الدولتين العثمانية والقاجارية (الصفوية)، والعراق ورث عدداً من الاتفاقيات المعمول بها مع إيران تكملة للدور السابق، وآخر اتفاقية أبرمت بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية القاجارية، أي قبل عهد الشاه، كانت عام 1913، وسميت بروتوكول القسطنطينية، حيث حدد مع إيران وتركيا 226 دعامة حدودية، وورث العراق 120 دعامة، وهذه الدعامات مثبتة لولايات (البصرة، بغداد، الموصل)، وعندما تشكلت المملكة العراقية عام 1921، أصبحت هذه الدعامات التمثيل الأفضل للحدود بين العراق وإيران، واستمر لعام 1937، عقب انقلاب رضا بهلوي في إيران، وأصبحت الدولتان العراقية والبهلوية تقودان هذا الملف، ووقّعت اتفاقية بينهما مثّلت متغيرات من شط العرب، أما اتفاقية الجزائر بشقيها فهي معاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار بين العراق وإيران لسنة 1975، وفي كانون الثاني من ذات العام، تم توقيع 5 اتفاقيات، من ضمنها ملف الحدود المائية أو الأنهار أو المياه.

 

رووداو: ماذا كان ضمن المتفق عليه في ذلك الوقت، بما يخص العراق وإيران؟

 

جمال الحلبوسي: في وقتها كانت لدينا إعادة تخطيط الخطوط البرية، وهذا بروتوكول ثالث، ثم تحديد خط التالوك في شط العرب، ووفقاً لاتفاقية القسطنطينية، كانت الحدود بين العراق وإيران، بالنسبة لشط العرب، المياه بكاملها والضفة الغربية للعراق، والضفة الشرقية (اليابسة) لإيران، أي ليس لديها حق استخدام مياه شط العرب، واستمر ذلك إلى أن تم توقيع اتفاقية عام 1937، التي منحتهم 7 وربع كيلومتر من أمام مرسى المحمرة فقط (خرمشهر حالياً)، وبالتالي يعد بروتوكول شط العرب أول تحديد للمياه بين العراق وإيران، أما الموضوع الثاني فهو الأنهار المشتركة، وهو عبارة عن اتفاق يتعلق بـ42 نهراً دائم الجريان ومجرى موسمياً بين العراق وإيران، وهو ما حددتها اتفاقية الأمم المتحدة عام 1997، وهذه المشكلة المائية بين الدولتين ليست الوحيدة بين دول العالم، وجرى التوصل إلى أفضل الحلول خلال 200 عام من المداولات والمشاحنات والاستخدام التعسفي للمياه والمجاري وكذلك الاستحواذ عليها من دول المنبع، هذه الاجراءات ولدت اتفاقية حددت لكل دول العالم خطوطاً عريضة، وقانوناً يحمي حقوق كل بلد، لذا يقول العراق إن لديه اتفاقاً وبروتوكولاً مع إيران، وهذا بحاجة إلى دعم من قبل مسؤولي الدولة العراقية، من أجل استخدام هذا الاتفاق والبروتوكول بما ينفع وبما فيه مصلحة العراق الأولى.

 

رووداو: متى بدأت إيران بخرق هذا الاتفاق، واستقطاع وقطع المياه، إذ تم تدوال ان إيران بنت في الآونة الأخيرة أكثر من 10 سدود، وحولت مياه المجاري والأفرع المائية؟

 

جمال الحلبوسي: إذا عدنا للتاريخ، فإن عملية قطع الأنهار بدأت خلال فترة الأربعينات، ونهاية الأربعينات إلى بداية الخمسينات كانت أكثر فترة في الشرق الأوسط لمشكلة الأنهار، ليست بقلة جريانها أو تناقص كمياتها في مجاري الأنهار، على العكس، كانت هنالك دول من بينها العراق تعمل على إقامة سدود لتخفيف الضرر على المدن المطلة على هذه الأنهار، أما بالنسبة لإيران فقد بدأت في بداية الخمسينات، منذ أيام الشاه، ببناء السدود وأنشأت عدداً من السدود على الأنهار الكبرى، امتدت من نهر ألوند إلى نهر الكارون، وقسم من هذه السدود أقامتها على متر من المياه وحولتها لداخل إيران، وقسم آخر شق قنوات ومجارٍ تعدل مجرى النهر وحولتها لداخل إيران، وصنفت هذه الأنهار بين العراق وإيران حسب معاهدة حسن الجوار، بـ(أ، ب، ج)، هذه التصنيفات أعطت وحددت درجة أهمية كل نهر، وعليه لم تكن تشكل هذه الأنهار بين الدولتين أي مشكلة، رغم كل ما قام به الشاه إلى العام 1971، إذ كان للعراق فقط لديه 10 أنهار تواجه مشكلة، من مجموع 42 نهراً ومجرى مائياً، ولم تكن كنفس المشكلة التي نراها الآن في الواقع، بل كانت مشكلة بسيطة تتعلق بتقليل جريان مياه هذه الأنهار العابرة للحدود، لأن تركيا وإيران وعدداً من الدول تنظر للاتفاقيات الدولية على أنها غير ملزمة...

 

رووداو: خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، هل كانت هذه الأنهار تجري بصورة طبيعية إلى الأراضي العراقية؟

 

جمال الحلبوسي: نعم.. كانت تجري لأن وضع الحرب أجبر الطرفين على عدم التدخل في أعمال متعلقة بقطع الأنهار أو إنشاء السدود نظراً لانشغالهم بالحرب، ولم تكن هنالك قدرة على غلق هذه الأنهار إزاء مواسم الامطار والفيضانات، إلا أن العراق قام باستخدام سد ترابي في هور الحويزة الواسع، الذي يبعد عن الحدود العراقية الإيرانية أكثر من 30 كيلو متراً، وهذا السد منع تدفق المياه وتغلغل بعض العناصر الإيرانية تجاه القطعات العراقية، خلاصة ذلك، لا يوجد في الحرب العراقية - الإيرانية، أي تدخّل من الطرفين في قطع هذه الأنهار، عدا أن إيران كانت مستمرة في عملية تقليل حصة العراق من منابع الأنهار البعيدة بأكثر من 100 كيلومتر، مثل نهري ألوند والكارون.

 

رووداو: وفقاً للأعراف والقوانين الدولية، هل على إيران دفع تعويضات للعراق جراء قطع المياه؟

 

جمال الحلبوسي: اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار والمجاري غير الملاحية عام 1997 التي ألزمت بها كافة الدول، حتى التي لم توقّع، للإنصاف، ومن حق البلدين المطلين على هذه الأنهار القيام بمشاريع مشتركة، وتبادل الفائدة فيما بينهما، كما أن حصة كل بلد تقاس مترياً بطول النهر، لذا يصنف استخدام النهر غير المنصف والجائر والتعسفي، والأخير ينطبق على إيران، إزاء قطعها الأنهار عن العراق وتغيير مجراها، أما الجائر فينطبق على تركيا، نظراً لأنها تعطي حصة معينة للعراق تدعي أنها كافية، لذلك من حق العراق أن يقيم الشكاوى في المحاكم الدولية، ومن الممكن أن تنصفها هذه المحاكم بأن تكون دولة المنبع ملزَمة لدولة المصب بإعادة جريان هذه الأنهار بالحقوق المشروعة بما يخدم الدولتين، بحيث لا تقطعها نهائياً ولا تدفعها كاملةً، وأن تتدفق وفق حسابات معينة وتكون هنالك شراكة، أما إذا كانت جائرة، فمن حقها أن تتوقف وتعود، لذا من حق العراق، تقييم الأضرار وتقديم الشكاوى للمحاكم الدولية من أجل إعادة كل ما خسره وتعويضه، وفقاً لما جاء في القانون الدولي.

 

رووداو: كم خسر العراق هذه الفترة جراء قطع إيران للمياه؟

 

جمال الحلبوسي: الوارد من الإحصائيات قليلة، من العام 1937 وإلى الآن، ومنذ إقامة السدود في الأربعينات والخمسينات، أصبح الضرر واضحاً جداً، بحيث ظهرت هنالك هجرة عكسية من الريف إلى المدينة، من البصرة والعمارة والكوت وأجزاء كبيرة من الناصرية، هذه المناطق جميعها حرمت من كميات الأنهار المتدفقة والعابرة للحدود، وهي أنهار دولية، وإذا أتينا لنحسبها على مستوى المحافظات، فإن أكثرها ضرراً سابقاً هي الكوت والعمارة ثم البصرة، وحالياً أكثر المحافظات ضرراً هي ديالى، ومن حق المحافظات، وفقاً لاتفاقية حسن الجوار أو معاهدة الجزائر، أن تطالب بحصتها من الأنهار، فلدى محافظة السليمانية 11 نهراً، من المفترض أن تطالب بها، وديالى لديها 17 نهراً ومجرى، والكوت لديها 4 أنهار، والعمارة/ ميسان لديها 7 أنهار، والبصرة 3 إضافة لشط العرب.

 

رووداو: هل هذه الأنهار كلها متدفقة من إيران؟

 

جمال الحلبوسي: هذه الأنهار مشتركة، ومقسمة ما بيننا وبين إيران، وفق اتفاقية الأنهار المشتركة المصنفة بـ(أ، ب، ج)، حتى بترسيم الدعامات الحدودية، مؤشر هذا النهر ما بين الدعامات أو قاطع لها، أو موازٍ لخط الحدود، وقسم منها يمتد لأكثر من 20-30 كيلومتراً كحدود مشتركة بين البلدين.

 

رووداو: إذاً، هل هذه الأنهار التي ذكرتها آنفاً، تم قطعها أو تحويل مجراها على أرض الواقع؟

 

جمال الحلبوسي: نعم.. معظمها إلا قليل من المجاري، وإذا خرجت الجهات المعنية من وزارتي الموارد المائية والزراعة، ويتم الكشف على الأنهار الموجودة على خط الحدود، إذا وجدوا عبور متر مكعب واحد في اليوم، فإننا معاتبون، لكنني أعتقد جازماً، بأن كل هذه الأنهار مقطوعة، ولولا بحيرة دوكان، لما وصلت المياه إلى نهر ديالى.

 

رووداو: وفقاً لهذه الحسابات، إلى أين سيصل العراق؟

 

جمال الحلبوسي: العراق في أقصى حالات الجفاف الآن، وإذا نظرنا إلى التغيير المناخي وقلة الأمطار وحرماننا من حصصنا المقررة ما بين إيران وتركيا، الأخيرة قد قللتها، أما حصتنا المقررة من إيران تصل لقرابة 17-20 مليار متر مكعب من نهر دجلة، والسبب وراء ذلك إنشاء إيران وتركيا للسدود، حيث أنشأت تركيا 22 سداً كبيراً في جنوب شرق الأناضول، عدا سدود حصاد الأمطار، أما السدود العشر الأخيرة لإيران، فهي قطع أنهار، وما قبلها إذا جمعناها، فإن لدى إيران 123 سداً ما بين قطع أنهار كبيرة أو حصاد أمطار، هذه كلها تؤثر على المناطق المشتركة بين العراق وإيران وتركيا، علماً أنه لم تمر العلاقة الدولية بين إيران والعراق بمثل ما موجود حالياً، لكن للأسف نحن الآن نعاني معاناة شديدة، بسبب ضعف الطلب، وكذلك عدم الاهتمام من الجانب الإيراني، وكذلك عدم الدفع بقوة من الجانب العراقي، ولو عدنا لتطبيق الاتفاقيات المشتركة أو معاهدة الجزائر لكان أفضل إجراء بروتوكولي بين البلدين سياسياً وفنياً وقانونياً، ولخدمت العراق إذا ما طبّقت، لذا لا بد لنا من العودة حسب الوضع المائي الحالي إلى الاتفاقيات الثلاث والبروتوكولات الخمسة.

 

رووداو: باختصار، هل المفاوض العراقي ضعيف؟

 

جمال الحلبوسي: أبداً، المفاوض العراقي بأقصى درجات القوة، وأتحدى أي مسؤول عراقي، سواء كان وزيراً أو نائباً، بأن يقول عن المفاوض العراقي إنه ضعيف، وكل ما قدمناه كان فيه حقوقنا وفق البروتوكولات والاتفاقيات، ولكن عدم الاستجابة أو عدم الاهتمام بهذا الملف، وسأقولها صراحة، وأرجوا ألا يفهم على أنه انتقاص، أو مدح للنظام السابق، حيث كان النظام السابق قد أعطى للحدود الدولية والمياه أولوية قصوى، وكانت المشاريع تعرض شهرياً على القيادة بأعلى مستوى، كما أن وزيراً لوحده لا يمكنه العمل، ينبغي مؤازرة بقية الوزراء، وعلى رئيس الوزراء تبني هذا الملف، وعليه كان من المفترض أن يكون هذا الملف رقم واحد لدى وزارتي الدفاع والخارجية نظراً لارتباطه بالحدود الدولية، وذات اهتمام مشترك بين عدد من الوزارات، وبالتالي وزارة الدفاع لا تنظر لهذا الملف بذات الأهمية والاهتمام القصوى، وكان وزير الدفاع السابق لعام 2010، عبد القادر العبيدي، يستدعينا كفريق عمل كل شهر للاطلاع على ما فعلناه، ويذهب في عدة جولات لوزارة الخارجية رغم وجود لجنتين مشتركتين، لذا فإن المفاوض العراقي أنجز ما عليه، لكن نريد قراراً من الحكومة العراقية، ولحد عامي 2011 و2012 كانت رئاسة الوزراء مهتمة جداً بهذا الملف، وكانت تدعونا وبدورنا كنا نعطي إيجازات في المجلس الأمني المصغر، أما حالياً لا يهتم بهذا الملف إلا من قبل وازرة الخارجية ومستشارية الأمن القومي، ومن يتحمل مسوؤليته هي السلطة العليا والوزارت المعنية، وعلينا الدفاع كبقية الدول المجاورة بهذا الخصوص، لكننا نحتاج أن تسمع رئاسة الوزراء والوزارت المعنية جيداً لهذا الجانب كل شهر مرة على الأقل، وأن يتم تقديم إسناد وتعاون لهذا العمل، وإذا اقتضى الأمر فسنرسل مذكرات لهذه الدول ليكون العمل بهذا الجانب بنفس الدرجة والاهتمام الذي لدينا.