استقبل البابا لاون الرابع عشر صباح اليوم الخميس في الفاتيكان المشاركين في الجمعية العامة لهيئة رواكو المعنية بمساعدة الكنائس الشرقية ووجه لهم كلمة توقف فيها عند أهمية النشاط الذي يقومون به، قائلا إنهم شهود لنور الشرق وسط ليل النزاعات، وشجعهم على الاستمرار في نشاطهم والثبات في المحبة، يدفعهم إلى الأمام رجاء المسيح.
استهل البابا خطابه لافتا إلى أن النشاط الذي يقوم به ضيوفه ليس مجرد عمل، بل هو رسالة يؤدونها باسم الإنجيل، الذي هو إعلان فرح. وقال إن المساعدة، بكل ما تحمله من جهد وتعب، هي إعلان فرح، تُدخل الفرح في قلب الله أولا، الذي لا يفوقه أحد في السخاء. وأشار البابا إلى أن ضيوفه والمحسنين الذين يتعاونون معهم يزرعون الرجاء في أراضي الشرق المسيحي، التي تدمرها الحروب الآن أكثر من أي وقت مضى، وتُستنزف مصالحها، وتخنقها سحب من الكراهية تسمم أجواءها بصورة لا تطاق. وأضاف: أنتم أنبوبة الأوكسجين للكنائس الشرقية التي أنهكتها النزاعات. ولشعوب كثيرة، فقيرة من حيث الوسائل وغنية بالإيمان، أنتم نور يضيء في ظلمات الكراهية.
مضى البابا إلى القول: لقد تعرضت الكنائس الكاثوليكية الشرقية مرارا في تاريخها للعنف. ولم يخلُ تاريخها من القمع وسوء الفهم حتى داخل الجماعة الكاثوليكية نفسها، غير القادرة على أن تدرك وتقدر قيمة تقاليدها المختلفة عن التقليد الغربي. أما اليوم، فيبدو أن عنف الحرب يضرب أراضي الشرق المسيحي بشراسة شيطانية غير مسبوقة. وقال الحبر الأعظم: إن القلب ينزف عند التفكير في أوكرانيا، وفي الوضع المأساوي واللاإنساني في غزة، والشرق الأوسط الذي تمزقه الحرب المستشرية. نحن جميعا، كبشر، مدعوون إلى أن نقيم أسباب هذه النزاعات، ونتحقق من الأسباب الحقيقية، ونسعى لتجاوزها، ونرفض تلك المزيفة، ثمرة مشاعر زائفة وخطاب تضليلي، فنكشفها بحزم. ينبغي ألا يموت الناس بسبب الأخبار الكاذبة.
تابع لاون الرابع عشر خطبه قائلا: من المحزن حقا أن نشهد اليوم في أماكن كثيرة فرض "قانون الأقوى"، الذي يُفرض على أساس المصالح الخاصة. ومن المؤسف أن نرى أن قوة القانون الدولي والقانون الإنساني لم تعد تُحترم، وحل محلها ادعاء إلزام الآخرين بالقوة. هذا أمر لا يليق بالإنسان، وهو شك وحجر عثرة للإنسانية ولقادة الأمم. وتساءل البابا في هذا السياق: كيف يمكن، بعد قرون من التاريخ، أن نصدق أن أعمال الحرب تجلب السلام ولا تنقلب على من شنها؟ كيف يمكن أن نفكر في إرساء أسس الغد بدون تماسك ووحدة، وبدون رؤية شاملة يحركها الصالح العام؟ كيف يمكن أن نستمر في خيانة تطلعات الشعوب إلى السلام بدعاية كاذبة لإعادة التسلح، تحت وهم باطل بأن التفوق يحل المشاكل بدلا من أن يغذي الحقد والانتقام؟ وأضف أن الناس تجهل بشكل متزايد حجم الأموال التي تذهب إلى جيوب تجار الموت، والتي يمكن بها بناء مستشفيات ومدارس.
هذا ثم أشار البابا إلى أن المسيحيين مدعوون إلى أن يصلوا حقاً، بالإضافة إلى التعبير عن غضبهم وإعلاء صوتهم وسعيهم لأن يكونوا بناة سلام ويعززوا الحوار. وقال: مسؤوليتنا هي أن نحول كل خبر مأساوي، وكل صورة تصدمنا، إلى صرخة شفاعة أمام الله، وأن نمد يد المساعدة. وأضاف أنه يفكر خاصة في الشرق المسيحي حيث توجد الشهادة للإيمان، التي هي دعوة لكي نبقى أمناء ليسوع، دون أن نقع في شراك السلطة. إنها دعوة إلى الاقتداء بالمسيح، الذي غلب الشر بمحبته على الصليب، وأظهر أسلوبا للمُلك يختلف عن أسلوب هيرودس وبيلاطس. وقال: لننظر إلى يسوع، الذي يدعونا إلى أن نشفي جراح التاريخ بوداعة صليبه المجيد وحده، الذي منه تنبع قوة المغفرة، والرجاء للبدء من جديد، والواجب في أن نبقى صادقين وشفافين في بحر الفساد. لنتبع المسيح، الذي حرر القلوب من الحقد، ولنقدم نحن المثل، لكي نخرج من منطق الانقسام والانتقام. وأضاف البابا قائلا: أود أن أشكر وأعانق روحيا المسيحيين الشرقيين كلهم، الذين يواجهون الشر بالخير: شكرا، أيها الإخوة والأخوات، على الشهادة التي تعطونها، خصوصا عندما تبقون في أراضيكم لأنكم تلاميذ وشهود للمسيح.
مضى الحبر الأعظم إلى القول: أيها الأصدقاء الأعزاء في هيئة رواكو أنتم في عملكم ترون، بالإضافة إلى البؤس الكثير بسبب الحرب والإرهاب – أفكر في الهجوم الرهيب الأخير على كنيسة مار الياس في دمشق – ترون أيضا براعم الإنجيل تتفتح في الصحراء. تكتشفون شعب الله الذي يثابر ويوجه نظره إلى السماء، ويصلي إلى الله ويحب القريب. تلمسون لمس اليد نعمة وجمال التقاليد الشرقية، والليتورجيات التي تجعل الله يسكن في الزمان والمكان، والترانيم القديمة المفعمة بالتسبيح والمجد والأسرار، والتي ترفع طلب المغفرة الذي لا ينقطع من أجل البشرية. وتلتقون مع شخصيات، تنضم، غالبا في الخفاء، إلى كوكبة الشهداء والقديسين في الشرق المسيحي. في ليل النزاعات أنتم شهود لنور الشرق.
تابع البابا يقول: أود أن يكون نور الحكمة والخلاص هذا، معروفا بصورة أفضل في الكنيسة الكاثوليكية، حيث لا يزال هناك جهل كبير في هذا الموضوع، وحيث يواجه الإيمان في بعض الأماكن خطر الانطفاء. ومع ذلك، يمكننا أن نحرس الشرق المسيحي فقط إن أحببناه، ويمكننا أن نحبه فقط إن عرفناه، لذا لا بد أن نبدأ في تنظيم دورات تمهيدية حول الكنائس الشرقية في الإكليريكيات، والكليات اللاهوتية، والجامعات الكاثوليكية. وثمة أيضا حاجة إلى اللقاء والمشاركة في العمل الرعوي لأن الكاثوليك الشرقيين ليسوا فقط "أبناء عم" بعيدين، يحتفلون بطقوس مجهولة، بل هم إخوة وأخوات، يعيشون بقربنا، بسبب الهجرات القسرية.
وختم البابا قائلا: لنوكل هذا النمو المشترك في الإيمان إلى شفاعة الكلية القداسة والدة الإله، والرسولين بطرس وبولس، اللذين وحدا الشرق والغرب. أبارككم وأشجعكم على أن تثبتوا في المحبة، فيما يدفعنا رجاء المسيح.