عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
الموصل, السبت 5 يوليو، 2025
كثيرون تناولوا سيرة الأب العلّامة يوسف حَبّي ودوره المتفرّد في خدمة الفكر والتراث والثقافة، وتأثيره في واقع كنيسته الكلدانيّة ومجتمعه العراقيّ عبر نتاجاته المتنوّعة وخدماته المتعدّدة، لا سيّما عبر شخصيّته المجدّة والمُخلصة والصدوقة. «فقد كان سخيًّا لا يردّ طلبًا لأحد، مُثقّفًا ثقافة أكاديميّة... لديه المقدرة على كتابة أيّ موضوع تطلبه منه، مُنفتِحًا، متواضعًا وبسيطًا... طموحًا ومغامرًا... يحبُّ الحياة، لا تُفارِق الابتسامة شفتَيه»، بحسب البطريرك لويس ساكو.
وُلِد يوسف (فاروق) حَبّي في الموصل عام 1938، والتحَقَ بمعهد شمعون الصفا الكهنوتيّ ثمّ بالجامعة الأوربانيّة في روما، وحازَ الليسانس في الفلسفة واللاهوت، ثمّ الدكتوراه في القانون الكنسيّ من جامعة اللاتران، وشهادات دبلوم عدّة في: المَرْيَميّات، الإلحاد، الاجتماعيّات الراعويّة ووسائل الاتّصال.
كان حَبّي «أحد مؤسّسي مجلّة (بين النهرَين) ورئيس تحريرها منذ صدورها سنة 1973، وقد اختير لسمعته العلميّة عضوًا في المَجْمَع العلميّ العراقيّ، وكان من الخمسة المؤسّسين لمَجْمَع اللغة السريانيّة سنة 1972. ولنشاطه واهتماماته بالتاريخ العراقيّ القديم، مَنحه اتّحاد المؤرّخين العرب عضويّته. هذا فضلًا عن عضويّته في المعهد الشرقيّ بروما والعضويّة الشرفيّة في مجامع عربيّة وعالميّة»، بحسب أستاذ التاريخ المتمرِّس د. إبراهيم العلاف.
ربّما أدّى إتقانه اللغات: العربيّة، السريانيّة، الإيطاليّة، الفرنسيّة، ومعرفته بالإنجليزيّة، اللاتينيّة والألمانيّة، فضلًا عن إلمامٍ بالعبريّة، الإسبانيّة واليونانيّة، دورًا في سعة اطّلاعه ووفرة نتاجاته. فقد ترَكَ عشرات الكتب، ما بين التأليف والتحقيق والترجمة، ومئات الأبحاث والمقالات، حاولَ من خلالها تسليط الضوء على حضارة ما بين النهرَين وتاريخها وتراثها.
سعى جاهدًا إلى تأسيس «كلّيّة بابل للاهوت»، وكتَبَ عن ظروف نشأتها في مجلّة «نجم المشرق، العدد 16، 1998» يقول: «حصيلة أمنيات، أحلام، رغبات اعتلجت في أعماق عديدين من أفراد كنيستنا، فجّرها غبطة أبينا البطريرك مار روفائيل الأوّل بيداويد، عندما عرض في أيّار 1990 فكرة إنشاء (كلّيّة تعمل على رفع المستوى العلميّ للدراسات الدينيّة في العراق)،... عرفت تسميتها رسميًّا في 18 حزيران 1990، وشفيعها مار أفرام. وعيّن الأساقفة الأب يوسف حَبّي مسؤولًا، يُعاونه الأبوان شليمون وردوني (مدير المعهد الكهنوتي) والأب يوسف توما الدومنيكي».
يؤكّد ساكو أنّ حَبّي «أحبَّ العراق بكلّ جوارحه... وأحبَّ الكنيسة الكلدانيّة كثيرًا، وكان حريصًا على تقدّمها وازدهارها، وجاهد من أجل تجديدها». فكان رحيله المفاجئ عام 2000 بحادث مروريّ في الأردن التي قصدها في طريقه إلى روما «صدمة» كبيرة.
شاركت في تشييعه المهيب شخصيّاتٌ كنسيّة ورسميّة وأفواج «المُحبّين من مسيحيّين ومسلمين»، ورغم رحيله «بقي حيًّا في ذاكرتنا وفي ما خلَّفه من كتابات». |