قناة عشتار الفضائية
 

دير الآباء الدومينيكان في الموصل... ساعة وكنيسة ترويان تاريخًا عريقًا

 

عشتارتيفي كوم- آسي مينا/

 

بقلم: جورجينا بهنام حبابه

الموصل, الثلاثاء 8 يوليو، 2025

 

ذَكَّر احتفال منظّمة اليونسكو في وقتٍ سابق من هذا العام بانتهاء أعمال الترميم في دير سيّدة الساعة للآباء الدومينيكان في مدينة الموصل شماليّ العراق، وتسليمه إلى رهبنة الآباء الواعظين في مراسم خاصّة، بحضور هذه الرهبنة في الموصل ودورها في نهضتها ودعم مسيحيّيها على مدى قرون. فماذا نعرف عن كنيسة الدير وساعته؟

منذ عام 1882، اكتسبت الساعة المرتفعة فوق برجٍ عالٍ ضمن دير الآباء الدومينيكان في الموصل أهمّيّتها من كونها الأولى من نوعها في المدينة. ونظرًا إلى شهرتها الواسعة، مَنحت اسمها للكنيسة التي تضمّها، فغدت «كنيسة سيّدة الساعة»، وقبلها للمنطقة التي تضمّهما، فعُرِفَت بمحلّة الساعة.

 

الكنيسة الأولى

لم يتبقَّ أيّ أثر للكنيسة الأولى التي بناها الآباء الإيطاليّون ضمن موقع الدير قرابة عام 1845، حيث واصلوا رفع الصلوات مدّة عشرين عامًا، حتى ضاقت بهم فقرّروا تشييد أخرى أكبر «تستوعب عددًا وافرًا من المؤمنين للصلاة والمراسم الدينيّة والوعظ وسماع الاعترافات»، كما يذكر المؤرِّخ بهنام حبّابه في كتابه «الآباء الدومينيكان في الموصل: أخبارهم وخدماتهم».

 

حجر الأساس

احتُفِل بوضع الحجر الأساس للكنيسة الجديدة عام 1866 وسط حضورٍ كنسيٍّ حاشد، من مؤمنين وإكليروس. وخصّص رئيس الرسالة حينئذٍ الأب لويس ليون ما ورثه من ثروة لاستكمال البنيان، فضلًا عن اجتهاده في جمع التبرّعات. واستغرق بناؤها قرابة سبعة أعوام «فجاءت آية في الجمال والزخرفة وصرحًا فخمًا، بفضل مهارة البنّائين الموصليّين».

 

كنيسة القدّيس هياسنت

جرى الاحتفال بتكريس الكنيسة في عيد القدّيس عبد الأحد، مؤسّس رهبانيّة الإخوة الواعظين الدومنيكان، الموافق 4 أغسطس/آب عام 1873، وحملت اسم رفيقه القدّيس هياسنت. تميّزت بأعمدتها المرمريّة الضخمة المعروفة بتيجانها ذات النقوش الفنّيّة البديعة، وزجاج شبابيكها الملوَّن بأصباغٍ جُلِبَت من فرنسا خصّيصًا وجعلت النوافذ «تتناغم بأشكالها، وتتكامل برموزها وتتّحد بألوانها».

 

كنيسة سيّدة الساعة

احتاجت الكنيسة العريقة عمليّات ترميم عدّة في خلال تاريخها لتقاوم آثار السنين. وكان ارتفاع مستوى المياه الجوفيّة، أواخر ثمانينيّات القرن المنصرم، التهديد الأكبر لأساساتها، لكنّها استعادت رونقها الأوّل عقب حملة صيانة وترميم شاملة، جرى تكريسها بعدها على اسم العذراء مريم «سيّدة الساعة».

تكريمًا لخدمات الآباء الدومينيكان الطبّيّة والإنسانيّة في الموصل، لا سيّما في سنة المجاعة المعروفة بسنة الليرة (1879-1881) وتوزيعهم الأغذية والأدوية مجّانًا، سمحت السلطات العثمانيّة عام 1882 بأن يرتفع برج عالٍ فوق كنيستهم، ليضمّ الساعة الدقّاقة بوجوهها الأربعة التي كافأتهم بها الدولة الفرنسيّة، باسم الملكة أوجينيه زوجة نابليون الثالث، تقديرًا لجهودهم تلك.

 

تخريب داعشيّ

عانى دير الآباء الدومنيكان، وضمنه الكنيسة، التخريب والإهمال في خلال فترة احتلال تنظيم داعش الإرهابيّ للموصل (2014-2017). وبعد التحرير، تولّت منظمة اليونسكو إعادة إعماره وترميمه ضمن مبادرة «إحياء روح الموصل»، وفق تصاميمه الأساسيّة.

شرعت الحياة الروحيّة تعود إلى الدير وكنيسته حتى قبل إتمام إعماره، بالاحتفال بأوّل قدّاسٍ إلهيّ مطلع عام 2024 عقب عشر سنواتٍ من الصمت، ثمّ احتضانه المؤمنين في صلاةٍ افتتاحيّة كانت الأولى بعدما تسلّمته الرهبنة. والأنظار متوجّهة برجاء عظيمٍ نحو مزيدٍ من الأنشطة الروحيّة تعيد للدير ألقه وحضوره.