قناة عشتار الفضائية
 

الإعلام السوريّ والمكوّن المسيحيّ... شراكة أم تهميش؟

 

عشتارتيفي كوم- آسي مينا/

 

بقلم: فريق عمل آسي مينا

دمشق, الجمعة 11 يوليو، 2025

 

لا يُمكن إخفاء حالة السخط التي تنتاب مسيحيّي سوريا، ليس بسبب عجز الدولة عن حمايتهم فحسب، بل أيضًا نتيجة التعاطي السلبيّ للإعلام المحلّي معهم، خصوصًا في حادثة تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، وهو تعاطٍ اتّسَقَ مع البيانات الرسميّة في تجنّب وصف مَن ارتقوا بأنّهم شهداء.

يؤكّد الصحافيّ أسعد نخلة، في حديث إلى «آسي مينا»، أنّ أوضاع المسيحيّين في دمشق عرفت تحوّلًا جذريًّا مع بداية العام وشهدت تراجعًا مقارنة بالسنوات السابقة، إذ إنّهم كانوا يتمتّعون بحرّية في تنقّلاتهم واحتفالاتهم، دون خوف من التمييز أو فقدان الوظائف، وكانوا يعيشون حياةً مقبولة على الرّغم من تحدّيات الحرب والحصار الاقتصاديّ والفساد.

وعلى المستوى الإعلاميّ، يرى نخلة أنّ الصحافيّ المسيحيّ، وحتّى المسلم، يُواجه أسئلة لم يَعتَدها سابقًا، وكأنَّ معتقده الدينيّ أصبح جزءًا أساسيًّا من سيرته الذاتيّة، حتّى قبل أن يذكر خبراته. وهو ما لم يَعتَده السوريّون سابقًا في الوظائف الحكوميّة أو التعاملات اليوميّة.

ووفقًا لنخلة، تقلّصت فرص العمل أمام الصحافيّين المسيحيّين في شكلٍ ملحوظ، بحكم أنّ مؤسّسات إعلاميّة أُغلِقَت أو استُحوِذَ عليها، أو خضعت لتغييرات جذريّة شملت تسريح موظّفين، كان بينهم مسيحيّون. في الوقت نفسه، انطلقت وسائل إعلام جديدة في البلاد من دون أن تفتح باب التوظيف علنًا أو تُعطي فرصًا متكافئة لجميع المكوّنات السوريّة، ما أدّى في المحصّلة إلى تقلّص الحضور المسيحيّ ضمن المؤسّسات الإعلاميّة.

يوضح نخلة أنّ الاتّهام بالتعامل مع «النظام السابق» بات سلاحًا يُستخدَم ضدّ الصحافيّين السوريّين، وبينهم المسيحيّون، حتّى لو كان عملهم وقع ضمن إطار مهمّاتهم الطبيعيّة في مناطق كانت تحت سيطرة ذلك النظام. هذا الوضع دفَعَ كثيرين منهم إلى الهجرة أو اعتزال العمل، والبحث عن مصادر رزق بديلة، إن وُجِدت. بعضهم عُرِضَت عليه الكتابة المستترة، خشية تعرّض كلّ من الصحافيّ ووسيلة الإعلام للتهجّم. يؤكّد نخلة أنّ السببَين الرئيسَين لهذا التهميش هما الديانة أو الطائفة، والعمل السابق مع مؤسّسات مرتبطة بالنظام السابق وهو العامل الأهمّ.

من جانب آخَر، ينتقد نخلة بشدّة غياب المهنيّة في تغطية الإعلام السوريّ الحاليّ للأحداث التي تمسّ المسيحيّين. ويستشهد بالتفجير الأخير الذي طالَ كنيسة مار الياس، إذ كان هناك تباينٌ في تسمية الشهداء الذين وُصِفوا في بادئ الأمر بـ«القتلى»، ثمّ بـ«الضحايا»، في حين استُبعِدَ وصف «الشهداء». كذلك، استهجن الشارع المسيحيّ بشدّة سماح إحدى القنوات التلفزيونيّة بتمرير تصريح لأحد ضيوفها مفاده أنّ «التفجير هو عقابٌ للمسيحيّين لعدم انضمامهم إلى حلف الأقلّيّات».

ويَعتبر نخلة أنّ الوَصف المُتكرّر للمسيحيّين بـ«الطائفة المسيحيّة» ينطوي على تقليصٍ لدورهم وحضورهم الدينيّ والوطنيّ، وهو ما يُعدّ إشكالًا ثقافيًّا ولغويًّا يحتاج إلى تصحيح، وينمّ عن جهل بالتفاصيل الدقيقة المتعلّقة بالديانة المسيحيّة، سببه غياب تمثيلٍ حقيقيّ للمكوّن المسيحيّ داخل السلطة الجديدة.

يُشير نخلة إلى أنّ التغطية الإعلاميّة في السابق كانت شاملة إلى حدٍّ ما، إذ كان قدّاس عيد الفصح يُنقَل مباشرةً على التلفزيون السوريّ، تمامًا كما كانت تُنقَل صلوات الأعياد الإسلاميّة. أمّا اليوم، فيكاد الأمر يقتصر على نشر صور وفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعيّ، في محاولة لإظهار وجود «أمان» في الكنائس أمام أنظار المجتمع الدوليّ، لكنّ هذه المنشورات لا تعكس الواقع بالكامل.

غير أنّ المفارقة، كما يوضح نخلة، هي أنّ الشارع السوريّ، بمسلميه ومسيحيّيه، أظهَر وحدة وتضامنًا لافتَين. فعندما طلبت المستشفيات متبرّعين بالدم لمصابي تفجير الكنيسة، اصطفّ عشرات المسلمين، (ومنهم أكراد جاؤوا من بعيد)، أمام بنك الدم للتبرّع. هذا التضامن الشعبيّ يؤكّد أنّ الشعب السوريّ سيبقى موحّدًا مهما جرت محاولات لضخّ أفكار التفرقة في صفوفه.