في الذكرى السنوية الثمانين لإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما اليابانية كتب أسقف الأبرشية المطران ألكسيس ميتسورو شيراهاما مقالاً شاء أن يسلط من خلاله الضوء على ضرورة أن يبدأ العالم اليوم مسيرة مشتركة تقود نحو مستقبل خالٍ تماما من الأسلحة النووية، داعيا إلى إماطة اللثام عن الطبيعة اللاإنسانية لهذا النوع من الأسلحة.
استهل الأسقف الياباني مقاله مؤكدا أن للكنيسة الكاثوليكية، في مدينتَي هيروشيما وناغازاكي، واجبَ الصلاة ورفع الصوت والتصرف تلبية لنداء الناجين، ومن بينهم أشخاص ما يزالون على قيد الحياة وهم طاعنون في السن. ولفت إلى أن الكنيسة المحلية تدرك تماماً حجم هذه المأساة الرهيبة، لكنها في الوقت نفسه تحمل إرثاً هاماً، لكونها جماعة من المسيحيين الناشطين في المدينتين المستهدفتين، الذين يشعرون بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، ويواصلون التفكير في الرسالة الموكلة إليهم، خصوصا وأن القدرة التدميرية للقنابل الذرية اليوم، تفوق بكثير قدرة القنبلتين اللتين أُلقيتا لثمانين سنة خلت.
وأضاف أن المسألة لم تعد تتعلق اليوم بعدد الرؤوس النووية لأن قنبلة واحدة فقط قادرة على التسبب بدمار وإلحاق خسائر بشرية وبيئية لا يمكن تصورها، معتبرا أن الكنيسة مدعوة إلى تسليط الضو على قصص أشخاص تضرروا نتيجة الأسلحة النووية، ومن بينهم الناجون من الهجوم على هيروشيما وناغازاكي في آب أغسطس عام ١٩٤٥.
مما لا شك فيه أن كلمات المطران شيراهاما تكتسب أهمية كبرى إزاء السياق الجيوسياسي الراهن، لاسيما وأن النفقات العسكرية للقوى النووية التسع في العالم تخطت عتبة مائة مليار دولار أمريكي عام ٢٠٢٤، وفقاً للحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية، فيما تشير استطلاعات الرأي إلى ارتفاع لافت في نسبة الأشخاص المؤيدين للتسلح النووي، كما هي الحال – على سبيل المثال – في ألمانيا حيث ارتفعت هذه النسبة من أربعة عشر بالمائة عام ٢٠٢١ إلى تسعة وثلاثين بالمائة اليوم.
ويرى المراقبون أن هذه الظاهرة مرتبطة بالحرب الأوكرانية وبالتهديد الروسي باللجوء إلى السلاح النووي. وقد سلط الأسقف الياباني الضوء على مشكلة أخرى ألا وهي أنه توجد، بالإضافة إلى الدول النووية الخمس التي وقعت على اتفاقية منع الانتشار النووي، دول أخرى تطور ترساناتها، ما يجعل مهمة نزع الأسلحة النووية صعبة ومعقدة للغاية. وكتب أنه إزاء نظرية الردع النووي، التي تبرر التسلح، ثمة حاجة اليوم إلى إماطة اللثام عن الطابع اللاإنساني لهذا النوع من الأسلحة، ولا بد أن نصلي من أجل إزالتها وأن نتحاور ونعمل معا.
بعدها توقف سيادته عند اللقاء الذي عُقد في الخامس من الجاري وشارك فيه السفير البابوي في اليابان المطران مولينا ورئيس أساقفة واشنطن الكاردينال ماك إلروي، ورئيس أساقفة شيكاغو الكاردينال كوبيش، فضلا عن رئيس أساقفة طوكيو الكاردينال كيكوشي وأساقفة من اليابان وكوريا الجنوبية، ولفت إلى أنه ستلي هذا اللقاء زيارة إلى كاتدرائية هيروشيما، تُختتم في العاشر من الجاري بحوار مسكوني ومنتدى أكاديمي تستضيفه كاتدرائية ناغازاكي. وذكّر المطران شيراهاما بأنه تم في العام ٢٠٢٣ تأسيس "التحالف من أجل عالم خالٍ من السلاح النووي" وأُطلقت مسيرة مشتركة تقود إلى هذا الهدف بالتعاون مع أبرشيتي "سياتل" و"سانتا في" بالولايات المتحدة وأبرشية ناغازاكي اليابانية.
وقد أصدر التحالف، في الذكرى الثمانين لإلقاء القنبلتين الذريتين، بياناً أكد فيه الموقعون رفضهم أي تبرير للجوء إلى الأسلحة الذرية كوسيلة لإنهاء الحرب، معبرين عن التزامهم في السعي إلى توسيع نطاق البحث عن السلام والتضامن على الصعيد الدولي. وذكّر سيادته بزيارتي البابوين يوحنا بولس الثاني وفرنسيس إلى هيروشيما عامي ١٩٨١ و٢٠١٩، حيث أطلقا نداءً من أجل إزالة الأسلحة النووية، ولفت سيادته في الختام إلى أن هذا النداء نفسه كرره بالأمس البابا لاون الرابع عشر في الرسالة التي بعث بها إلى المطران شيراهاما في الذكرى السنوية الثمانين لإلقاء القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناغازكي.