قناة عشتار الفضائية
 

"روبلوكس"… "لعبة استدراج" الأطفال إلى عالم الجريمة

 

عشتارتيفي كوم- اندبندنت/

 

يدخل ملايين الأطفال يومياً إلى لعبة "روبلوكس" لصناعة عوالم افتراضية ومشاركة مغامراتهم مع آخرين من مختلف الدول، في تجربة تفاعلية تبدو للوهلة الأولى مساحة للمرح والإبداع، غير أن هذا الفضاء الترفيهي ارتبط بوقائع صادمة وضعت المنصة في دائرة الانتقادات، ودعت الحكومات والأسر إلى التحذير من أخطارها.

من أبرز ما أثار الجدل في "روبلوكس" خاصية "الدردشة المباشرة"، التي تتيح للأطفال التواصل مع أشخاص مجهولين، وعلى رغم تصميمها كأداة للتفاعل وتوسيع دائرة اللعب، تحولت في ممارسات عدة إلى منفذ خطر ارتبط بحوادث تنمر واستدراج واعتداءات جنسية على الأطفال، بحسب ما وثقته تقارير أمنية وإعلامية.

غير أن هذا الجدل لم يحد من انتشار اللعبة، إذ ما زالت تصنف بين الوجهات الرقمية الأكثر جذباً للأطفال والمراهقين، متجاوزة 111 مليون مستخدم نشط يومياً في عام 2025، وفق بيانات "ستاتيستا".

لكن هذه الشعبية الواسعة حملت معها صورة مقلقة، بعدما باتت المنصة تتهم بأنها بيئة مفتوحة على أخطار التحرش والتنمر الإلكتروني، مما ضاعف قلق الأسر ودفع حكومات عدة إلى تبني إجراءات أكثر تشدداً.

 

حظر للعبة في بعض الدول

ترجمت هذه المخاوف إلى قرارات حاسمة في دول عدة، إذ أعلنت الكويت أخيراً حجب اللعبة بعد تصاعد التحذيرات في شأن خطورتها على الأطفال والمراهقين، لتلتحق بجارتها قطر التي اتخذت القرار ذاته الأسبوع الماضي عقب حملة شعبية واسعة.

كذلك فرضت كل من الصين وتركيا وسلطنة عمان وكوريا الشمالية قيوداً مماثلة، متهمة المنصة بالتقصير في حماية الأطفال.

وعزت تلك الدول قرار الحجب إلى مخاوف مرتبطة بضعف الرقابة على المحتوى، ووجود عناصر يعتقد أنها تشجع الأطفال على ممارسات غير ملائمة، بهدف حماية الصحة النفسية وضمان السلامة الرقمية للأطفال.

 

وقائع جنائية

بحسب تقارير أمنية أميركية، سجلت حالات استدراج عبر "روبلوكس" انتهت باختطاف واعتداءات جنسية على قاصرات، وهو ما أثار تساؤلات جدية حول قدرة المنصة على حماية مستخدميها الأصغر سناً.

في هذا السياق، نقلت وكالة "بلومبيرغ" واقعة جنائية وقعت عام 2020 في ولاية كانساس الأميركية، حين استغل رجل في الـ48 من عمره طفلة لم تتجاوز الثامنة، بعدما أغراها بآلاف من عملة "روبوكس" الافتراضية، مقابل أكثر من 20 صورة ومقاطع فيديو غير لائقة التقطتها بنفسها.

وفي يناير (كانون الثاني) 2022، وجهت تهم إلى رجل من ولاية فلوريدا يدعى شين باتريك بينشاك (45 سنة)، بعدما استغل طفلاً في الـ13 من عمره تعرف إليه عبر اللعبة، إذ حصل منه على صور ومقاطع غير لائقة مقابل بطاقات هدايا وعملة "روبوكس"، وحكم عليه بالسجن 13 عاماً.

أما في مايو (أيار) 2022، فقد تصدرت عناوين الصحف الأميركية قضية أكثر خطورة، بعدما اختفت فتاة في الـ15 من ولاية إنديانا.

وبعد ثمانية أيام من التحقيقات، عثر عليها في نيوجيرسي بصحبة شاب يدعى أرنولد كاستيلو، المعروف على المنصة باسم "DoctorRofatnik"، وكشفت السلطات أنه استدرجها عبر اللعبة، قبل أن ينقلها بمساعدة سائق "أوبر" إلى ولايته مقابل 1000 دولار، واعترف لاحقاً بأنه اعتدى عليها جنسياً مرات عدة خلال فترة اختفائها.

ومع تراكم هذه الوقائع، انتقل الجدل إلى المستوى القضائي، إذ رفعت ولاية لويزيانا الأميركية دعوى قضائية تتهم فيها شركة "روبلوكس" بتسهيل استغلال الأطفال، مما دفع منصة الألعاب الإلكترونية إلى رفض الادعاء باعتباره "غير صحيح".

وتزعم الدعوى التي أقامتها المدعية العامة لولاية لويزيانا، ليز موريل، أن شركة "روبلوكس"، ومقرها وادي السيليكون، تسهل توزيع مواد إباحية للأطفال واستغلال القصر.

وأكدت موريل في بيان لها أن "منصة 'روبلوكس' مليئة بالمحتوى الضار والمتحرشين بالأطفال، لأنها تعطي الأولوية لنمو عدد المستخدمين والإيرادات والأرباح على سلامة الأطفال".

وردت شركة "روبلوكس" على هذه الاتهامات قائلة "أي ادعاء بأن 'روبلوكس' تعرض مستخدمينا عمداً لخطر الاستغلال هو ببساطة ادعاء غير صحيح".

 وأوضحت أنها قدمت عام 2024 أكثر من 24522 بلاغاً عن محتوى ضار إلى "المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين"، وأطلقت أكثر من 40 أداة جديدة للحماية، من بينها ضوابط أبوية مشددة وتقنيات لتقدير العمر عبر الفيديو.

 

تغييرات في السياسات

في منتصف الشهر الجاري، كشفت شركة "روبلوكس" عن تحديث واسع لسياسة المحتوى لديها، اعتبر الأوضح منذ إطلاق المنصة، إذ شددت فيه على حظر أية مواد أو إعدادات أو سلوكيات ذات إيحاءات جنسية بصورة صريحة.

وأعلنت عن قصر جميع التجارب غير المصنفة على المطور وفريقه المباشر فقط، بعدما كانت متاحة سابقاً للمستخدمين ابتداءً من سن 13 سنة، على أن يتم نشرها لاحقاً بعد اجتيازها اختبارات الامتثال وتصنيف المحتوى.

وإلى جانب ذلك، فرضت الشركة قيوداً إضافية على ما يعرف بالتجمعات الافتراضية (Social Hangout) في الأماكن الخاصة مثل غرف النوم أو البيئات الموجهة للبالغين كالنوادي، بحيث لا تتاح إلا للمستخدمين فوق 17 سنة بعد التحقق من هوياتهم.

ولتعزيز آليات الرقابة، طرحت "روبلوكس" أداة تقنية جديدة ترصد تلقائياً المشاهد والسلوكيات المخالفة، مع إيقاف أي خادم يسجل فيه الانتهاك بصورة متكررة إلى حين معالجته بالتنسيق مع فريق الشركة.

إلا أن المتخصصين اعتبروا هذه الإجراءات غير كافية، مؤكدين أن المنصة لا تزال عرضة للاستغلال والتلاعب عبر نطاق ألعابها المفتوح وانعدام الضوابط الكافية.

 

تحذيرات من اللعبة

في السياق، أوضحت مطورة الألعاب السعودية خلود الظاهري في حديث سابق مع "اندبندنت عربية" أن لعبة "روبلوكس" بحد ذاتها ليست خطرة أو سيئة، لكنها مثار جدل بسبب طريقة الاستخدام.

وقالت الظاهري إن "اللعبة تقوم على مفهوم العالم المفتوح، حيث يمكن لأي لاعب استقبال أصدقائه أو غرباء، وهو ما يجعلها بيئة قابلة للاستغلال".

وأضافت أن الأخطار لا تكمن في اللعبة نفسها بقدر ما تكمن في غياب الرقابة وسوء الاستخدام، خصوصاً مع السماح للأطفال باستخدام بيانات غير دقيقة لتحميل اللعبة على رغم أن تصنيفها الرسمي يحددها لمن هم فوق 12 سنة.

وأكدت أن امتلاك الأطفال أجهزة ذكية وقضاء ساعات طويلة على ألعاب مفتوحة مثل "روبلوكس" يجعلهم عرضة للتأثيرات السلبية والأفكار غير المناسبة.