عشتارتيفي كوم- سيرياك برس/
أورشليم (القدس)، الأراضي المقدسة ─ أصدر الحاكم العام لمنظمة فرسان القبر المقدس الأورشليمي، ليوناردو فيسكونتي دي مودروني، تحذيراً صارخاً، نُشر باللغتين الإيطالية والعربية، بشأن التراجع المتسارع للمجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط، واصفاً إياه بأنه “حتمي”، مؤكداً أن الحفاظ على الوجود المسيحي في مهد الديانة بات مسؤولية عالمية مشتركة.
في مقال مطوّل، تناول فيسكونتي مسار هذا التراجع المستمر منذ أكثر من قرن، مرجعاً جذوره إلى “انهيار الدولة العثمانية ومجازر الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، ثم إلى تقسيم المنطقة بين بريطانيا وفرنسا”، وهو تقسيم “لم يراعِ التوازنات الدينية والعرقية، ما جعله السبب الرئيسي وراء أزمات مستقبلية”.
وأوضح أن الحروب والاضطهاد والاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية دفعت المسيحيين مراراً إلى ترك أراضيهم التاريخية. وكتب قائلاً: “إن أسباب هذه الظاهرة تكمن عموماً في الحروب والاضطهاد والتمييز، وفي الشعور المتزايد بعدم الاستقرار الناتج عن سقوط أنظمة كانت، بشكل أو بآخر، توفر الحماية للحضور المسيحي”.
وحذر من أن الانهيار الديمغرافي ليس شأناً مسيحياً فحسب، بل يمثل خطراً أوسع على المجتمع كله، قائلاً: “بالنسبة للآخرين، ومن بينهم المسلمون المعتدلون، يجب النظر إلى هجرة المسيحيين بقلق، وذلك لأن المسيحيين، وعلى اختلاف طقوسهم وطوائفهم، طالما كانوا عنصراً أساسياً للحوار والاعتدال، وركيزة للتعايش الذي لم يكن دائماً سهل المنال”.
وسلّط الضوء على أزمات خاصة بكل بلد أفرغت المجتمعات المسيحية من سكانها. ففي العراق، ذكر أنه “قبل عام 2003، كان هناك أكثر من مليون ونصف المليون مسيحي. وفي السنوات التالية تقلص عددهم إلى بضع مئات الآلاف، مع خطر حقيقي باختفاء وجودهم كلياً”. أما في لبنان، الذي كان يوماً ما بلداً يتمتع فيه المسيحيون بالتكافؤ أو حتى بالأغلبية، فأشار إلى “موجات الهجرة” و”انخفاض معدل الولادات مقارنة بالسكان المسلمين كعوامل رئيسية غيّرت التوازن الديمغرافي”.
أما في الأرض المقدسة، فرأى أن الخطر أكبر. وقال: “إن غياب الحضور المسيحي يهدد بتحويل أماكن كرازة وآلام الرب إلى مجرد مواقع أثرية أو وجهات سياحية”. وأضاف أن الحياة اليومية لكثير من المسيحيين قد تأثرت بـ “احتلال ومصادرة الأراضي، والقيود على حرية الحركة”، ما دفع الكثيرين إلى الهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل.
وأكد فيسكونتي أن فرسان القبر المقدس يواصلون دعم المدارس والرعايا والمشاريع الإنسانية التابعة لبطريركية أورشليم (القدس) للاتين، ويتحملون مسؤولية الحفاظ على الوجود المسيحي في أورشليم (القدس). وكتب قائلاً: “علينا أن نواجه هذا الخطر بمسؤولية، ضمن الإطار الذي كلفنا به الأب الأقدس لدعم الوجود المسيحي في الأرض المقدسة”. وردد دعوة البطريرك اللاتيني الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا إلى “بذل كل جهد لتعليم الأجيال الجديدة وتوفير فرص عمل كريمة لهم”، معتبراً ذلك السبيل الأفضل لوقف موجة النزوح.
وختم فيسكونتي قائلاً: “مع دعمنا وصلواتنا، ستتمكن هذه الأقلية الصغيرة من حيث العدد، العظيمة من حيث التأثير، من استعادة قوتها وثقتها بنفسها، وفهم قيمة وجودها في هذه الأرض المقدسة” |