قناة عشتار الفضائية
 

الاعترافات تتسارع.. هل يفتح العالم الطريق لقيام دولة فلسطين؟

 

عشتارتيفي كوم- سكاي نيوز عربية/

 

بعد أكثر من 7 عقود من الصراع، تعود القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي عبر بوابة الاعتراف الدبلوماسي. فرنسا ومعها 10 دول أوروبية أخرى تستعد لإعلان الاعتراف بدولة فلسطين، بعد خطوات مماثلة من بريطانيا وكندا وأستراليا والبرتغال، في تحرك وصفه الفلسطينيون بـ"اللحظة التاريخية"، فيما توعدت إسرائيل بالرد وسط انقسام واضح في المواقف الدولية.

على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تنطلق غدا، يعقد مؤتمر دولي رفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية بالوسائل السلمية وتنفيذ حل الدولتين.

وتستعد فرنسا لقيادة موجة اعتراف جديدة، تنضم إليها دول أوروبية عدة بينها أندورا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وسان مارينو، بحسب ما أكدته الرئاسة الفرنسية.

هذه الخطوات تأتي لتكسر حاجز التردد الذي طبع المواقف الغربية لعقود، حيث فضلت القوى الكبرى الإبقاء على صيغة تفاوضية مفتوحة، قبل أن تُقرر الآن الانضمام رسميًا إلى غالبية المجتمع الدولي الذي يعترف بالفعل بدولة فلسطين.

 

بريطانيا تكسر الجليد

في لندن، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اعتراف بلاده رسميًا بدولة فلسطين، مؤكدًا أن هذه الخطوة تهدف إلى إعادة إحياء آمال السلام للفلسطينيين والإسرائيليين.

واعتبر ستارمر أن الاعتراف يوفر أرضية جديدة لإطار عمل دولي يضمن التوصل إلى تسوية مستدامة.

وزيرة الخارجية البريطانية أوضحت أن بلادها ستستغل القمة الأممية لمعالجة معاناة المدنيين في غزة، حيث خلفت الحرب دمارًا واسعًا. وهكذا وضعت لندن نفسها في موقع المبادرة، محاولة دفع مسار دبلوماسي طالما تعثر.

 

تحديات إسرائيلية

في المقابل، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، ملوحًا بتوسيع الاستيطان كخيار رد.

لكن القراءة الإسرائيلية للمشهد تبدو أكثر تعقيدا، فبحسب محرر الشؤون الإسرائيلية في سكاي نيوز عربية، نضال كناعنة، يدرك نتنياهو أن أي رد متسرع قد يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي.

كناعنة أوضح أن الاعترافات بالدولة الفلسطينية قد لا تُغير واقع حياة الفلسطينيين اليومية على الفور، لكنها تترك أثرًا استراتيجيًا بعيد المدى، وهو ما يقلق نتنياهو.

ويضيف: "ردود فعل متشددة من جانب إسرائيل ستغضب المجتمع الدولي، وقد تدخلها في دائرة من التصعيد يصعب الخروج منها".

ويشير كناعنة إلى أن نتنياهو بحاجة إلى غطاء دبلوماسي وسياسي واقتصادي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل الإقدام على أي خطوة، خصوصًا أن اللقاء المرتقب بين ترامب والقيادات العربية والإسلامية قد يعكس موقفا موحدا ضد الضم أو التوسع الاستيطاني.

 

ضغوط أميركية ورسائل متناقضة

الولايات المتحدة وصفت اعترافات بريطانيا وأستراليا وكندا بدولة فلسطين بأنها "استعراضية". متحدث باسم الخارجية الأميركية شدد على أن واشنطن تركز على "الدبلوماسية الجادة"، معتبرًا أن الأولوية تبقى لإطلاق سراح الرهائن وضمان أمن إسرائيل والتوصل إلى سلام لا مكان فيه لحركة حماس.

واشنطن، بحسب كناعنة، تحاول إقناع نتنياهو بتجاهل الموجة الجديدة من الاعترافات، والاكتفاء بردود دبلوماسية شكلية، حتى لا ينزلق إلى مواجهة أوسع. لكنها في الوقت ذاته لا تُخفي انزعاجها من خطوات حلفائها الغربيين، التي قد تُضعف موقفها التفاوضي التقليدي.

 

خيارات إسرائيلية مطروحة

أمام نتنياهو جملة من السيناريوهات للتعامل مع الاعترافات. بعضها قد يقتصر على خطوات رمزية، مثل إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس الشرقية، لتوجيه الأنظار نحو أزمة دبلوماسية مع باريس بدل مواجهة شاملة حول الضم.

لكن سيناريوهات أخرى أكثر خطورة مطروحة، بينها:

  • ضم الأغوار: باعتبارها منطقة استراتيجية قليلة السكان الفلسطينيين، وقد حظيت بتهجير واسع في الآونة الأخيرة.
  • تحويل مناطق "ب" إلى مناطق "ج": ما يعني فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة إداريا وأمنيا على مساحات جديدة من الضفة الغربية.
  • الضم الكامل: وهو مطلب اليمين الإسرائيلي، لكنه يضع تل أبيب أمام عزلة دولية خانقة.

نتنياهو، وفق كناعنة، يحاول الموازنة بين إرضاء الداخل اليميني والحفاظ على هامش المناورة مع الخارج، لكن كلفة الخيارات كلها تبدو مرتفعة.

 

البعد القانوني الدولي

من دبي، رأى أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية بالإمارات، عامر فاخوري، أن الاجتماع المرتقب في الأمم المتحدة محطة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية، تعيدها إلى قلب الأجندة الدولية وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات واضحة: إما دعم حق تقرير المصير أو تكريس واقع الاحتلال.

فاخوري شدد على أن الاعترافات المتتالية ليست "هبة"، بل حق أصيل للشعب الفلسطيني.

وقال: "اليوم أكثر من ثلاثة أرباع دول العالم تعترف بفلسطين، أي نحو 147 دولة. ما يجري الآن هو انتقال الدول الكبرى إلى موقع الفعل، لتوجيه رسالة واضحة: لا مزيد من التسويف على حساب الدم الفلسطيني".

وأضاف أن الاعتراف بدولة فلسطين لم يعد مجرد موقف سياسي، بل تحول إلى معيار لاحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان. وأي تأخير يعني ببساطة مزيدًا من الاحتلال والمستوطنات والمعاناة.

 

أركان الدولة والاعتراف الدولي

القانون الدولي يحدد أركان قيام الدولة: شعب، إقليم، وسلطة، إضافة إلى عنصر الاعتراف. ومع تزايد عدد الدول التي تعترف بفلسطين، يصبح الكيان الفلسطيني أكثر قربًا من استيفاء هذه المعايير.

فاخوري أوضح أن الاعتراف الدولي ليس مشروطا بعضوية الأمم المتحدة: "الأمم المتحدة ليست الجهة المخولة بالاعتراف بالدول، بل الحكومات هي التي تمنح هذا الاعتراف. انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة يظل مسألة سياسية قد تعطلها واشنطن بحق النقض الفيتو، لكن ذلك لا يغير من واقعها القانوني كدولة".

وبحسب فاخوري، تستطيع فلسطين الموقعة على اتفاقيات دولية الانخراط في المنظمات والمحاكم الدولية لملاحقة الاحتلال، حتى من دون عضوية كاملة في الأمم المتحدة.

 

بين اللحظة التاريخية والاختبار السياسي

الاعترافات الأخيرة تضع إسرائيل والولايات المتحدة أمام اختبار سياسي ودبلوماسي معقد. ففي حين يراها الفلسطينيون "لحظة تاريخية"، تعتبرها واشنطن "لفتات استعراضية"، ويخشاها نتنياهو باعتبارها بوابة لضغوط استراتيجية متصاعدة.

الواقع أن الاعترافات لا تُغيّر وحدها واقع الاحتلال، لكنها تضع أساسًا قانونيًا وأخلاقيًا يُعزز فكرة الدولة الفلسطينية، ويُضيّق هامش المناورة أمام تل أبيب.

وبينما يحاول نتنياهو تأجيل المواجهة، تُسجّل القضية الفلسطينية عودة قوية إلى صدارة الأجندة الدولية.

هل تتحول الاعترافات المتوالية إلى حجر أساس لقيام دولة فلسطينية وفق معايير القانون الدولي، أم تبقى مجرد عناوين سياسية عابرة؟

الإجابة قد لا تأتي سريعًا، لكنها باتت الآن في قلب النقاش العالمي، حيث تتقاطع مصالح القوى الكبرى مع آمال شعب صمد أكثر من 70 عامًا بانتظار لحظة الاعتراف.