قناة عشتار الفضائية
 

كاتدرائيّة الشهيدة مسكنته في الموصل… تاريخٌ عريق وغدٌ واعد

 

عشتار تيفي كوم - آسي مينا/

بقلم: جورجينا بهنام حبابه

تحتفي كنيسة المشرق بشهدائها القدّيسين وتكرّمهم، طالبةً شفاعتهم بإقامة كنائس وأديار ومزارات تحمل أسماءهم، ومنها كاتدرائيّة الشهيدة مسكنته المشيّدة في الموصل مركز محافظة نينوى شماليّ العراق.

يعود أقدم تاريخ ذُكِر فيه اسم «كنيسة مسكنته» إلى العام 1212 «حسبما ورد في كتاب أناجيل محفوظ في دار البطريركيّة الكلدانيّة» وفق كتاب «الآثار المسيحيّة في الموصل» لـِ جان فييه الدومينيكيّ الذي يُشير إلى أنّ ذكرها ورد أيضًا مع كنيستَي شمعون الصفا ومار كوركيس في مخطوطات تعود إلى القرون السابع عشر، الثامن عشر والتاسع عشر. ويلفت إلى أنّ «كنيسة مسكنته تظهر أيضًا وحدها في كتاب صلوات الباعوثا لسنة 1592 وكتاب صلواتٍ طقسيّة يعود إلى عام 1696».

كانت الكنيسة مدّةً طويلة مقرّ كرسيّ البطريركيّة «لكنّنا لا ندري متى بدأت كنيسة مسكنته تكون كرسيًّا بطريركيًّا، في حين أنّنا نعلم أنّ بطاركة المشرق شرعوا يقيمون في الموصل نحو سنة 1364 حتّى 1497»، بحسب فييه.

ثمّ غدت الموصل مقرّ الكرسي البطريركيّ الكلداني في عهد البطريرك يوحنا الثاني هرمزد (1830-1838)، وظلّت كذلك حتّى بدأ البطريرك عمانوئيل الثاني (1900-1947) بتوزيع إقامته بين الموصل وبغداد.

لكن فييه يذكر أنّ «البطاركة لم يتركوا شمعون الصفا ويسكنوا مسكنته إلّا في عهد البطريرك يوسف السادس أودو (1848-1878) الذي جدّد الكنيسة سنة 1849» وفي السنة التالية «نقل ذخائر القدّيسة إلى بيت الشهداء في الزاوية الجنوبيّة الغربيّة».

بإعادة الكرسيّ البطريركيّ إلى بغداد مع استقرار البطريرك يوسف السابع غنيمة فيها، ثمّ الإعلان عام 1960 عن نقل مقرّ البطريركيّة رسميًّا إليها في عهد البطريرك بولس الثاني شيخو «قرّر المجمع البطريركيّ إعادة تكوين أبرشيّة الموصل وفصلها عن الأبرشيّة البطريركيّة»، فأصبحت «مسكنته» كاتدرائيّة أبرشيّة الموصل الكلدانيّة.

دفِنَ في مسكنته اثنان من البطاركة المعاصرين، هما البطريرك إيليا عبّو اليونان (1879-1894) والبطريرك عمانوئيل الثاني توما (1900-1947).

تأثّرت هذه الكنيسة الأثريّة كثيرًا في خلال فترة احتلال داعش الإرهابيّ مدينة الموصل (2014-2017) فضلًا عمّا أصابها في أثناء عمليّات التحرير، نظرًا إلى وقوعها في منطقة الميّاسة بالجانب الأيمن من مدينة الموصل، وهو الجزء الأكثر تضرّرًا من المدينة. واحتفل راعي أبرشيّة الموصل وعقرة المطران ميخائيل نجيب بالقدّاس على أنقاضها عام 2022.

تسعى الأبرشية إلى إعادة إعمار كنائسها في الموصل منذ تحريرها عام 2017، وقد أنجزت إعمار كنيستَي أم المعونة ومار بولس ودير مار كوركيس. ويبدو أنّ مساعيها في استحصال تمويلٍ من محافظة نينوى لإعمار كنيسة مسكنته قد نجحت. إذ تولّت الحكومة المحلية أخيرًا مهمّة إعادة إعمارها «لما تمثّله من رمزية كبيرة، ليس للمسيحيين فحسب، بل للمسلمين أيضًا في قلب المدينة القديمة» بحسب محافظ نينوى عبد القادر الدخيل، «مع الحرص على إعادة الكنيسة وفق طرازها التاريخي وبالمواد الأصلية نفسها حفاظًا على إرثها وعمقها الحضاري».

وقصّة استشهاد القدّيسة مسكنته وابنيها معروفة ومذكورة في كتاب «شهداء المشرق» للأب ألبير أبونا، موجِزًا قصّة استشهادهم في عهد الملك الفارسيّ يزدجرد على يد الحاكم طهمزكرد الذي اهتدى إلى المسيحيّة متأثّرًا بشجاعة مسكنته ونال لاحقًا إكليل الشهادة.