وخلال الفترة من 1906 وحتى 1917، برزت دعاوى لإعلان قداستها، وتدخلت الصحافة في الأمر، وكان الصحفي فرانسوا فويو قد كشف في صحيفة "لونيفرس" عام 1906، أن الأب بريفو في روما يسعى لإعداد دعوى قداسة لكرملية ليزيو، كما أعرب البابا بيوس العاشر عن أمنيته في تطويبها، ولم يتردد، في لقاء خاص، أن يستبق المستقبل ويسميها "أكبر قديسة في العصر الحديث".
ولأول مرة، في 17 مايو/أيار عام 1925 من داخل تلك الكنيسة وبحضور 50 ألف شخص، وبمحضر 33 كردينالاً و250 مطراناً، كتب البابا بيوس الحادي عشر اسم الصغيرة تريز مارتان في جدول القديسين، وأعلنها بعد عامين "شفيعة أولى لإرساليات جميع العالم"، مساويةً للقديس فرنسيس كسافريوس، الراهب اليسوعي الإسباني الذي بذل حياته عند حدود الصين.
أصبحت القديسة تريز معروفة في طول الأرض وعرضها، ويقول الأب غوشيه في دراسته إنه خلال الفترة بين عام 1898 و1925، وُزّعت صور لتريز تزيد على 30 مليون صورة، وبفضلها رغب عدد كبير من الفتيات في دخول الكرمل في ليزيو، كما شجعت "قصة نفس" رهبانيات كثيرة، وتخطت "الروحانية التريزية" حدود الدير في ليزيو، و أُنشئت في عام 1933 جمعية "منذورات القديسة تريز" لخدمة القديسة، كما أسس الأب مرتان، في عام 1948، رهبانية للرجال باسم "مرسلو القديسة تريز".
كثُرت المؤلفات والبحوث عن تريز في جميع اللغات، فخلال الفترة بين عام 1898 و1947، بحسب الأب غوشيه، وصل عدد تلك المؤلفات إلى 865 مؤلفاً، كما ألح القراء في مطالعة "قصة نفس" في الدفاتر الأصلية، فنشر الأب فرانسوا للقديسة مريم، في عام 1956، بأمر من البابا بيوس الثاني عشر، مخطوطات السيرة الذاتية في طبعة تصويرية، كما نُشر في عام 1961، مجلد يضم صورها الشمسية، تلك الصور الأصلية التي التقطتها لها أختها سيلين.
"قديسة في السينما والموسيقى"

ألهمت حياة القديسة تريز عدداً كبيراً من صنّاع السينما، فبمجرد إعلان قداستها تسابقوا على تقديم رؤى سينمائية لحياتها في عدد من الأفلام، كان أولها فيلم صامت أُنتج عام 1929 بعنوان "الحياة المعجزة للقديسة تريز مارتان" لجوليان دوفيفييه، جسّدت فيه سيمون بوردي دور القديسة تريز.
وأخرج موريس دو كانوج عام 1939 فيلماً بعنوان "تريز مارتان" بطولة إيرين كورداي، وفي عام 1952 أخرج الفرنسي أندريه هاغيه فيلماً بعنوان "معجزة القديسة تريز"، وهو عمل يحكي حياة تريز اعتماداً على الوثائق الأصلية، بطولة جان دوبوكور و سوزان فلون.
وأخرج فيليب أغوستيني عام 1964 فيلماً وثائقياً بعنوان "الوجه الحقيقي لتريز الطفل يسوع"، وفي عام 1986 أخرج آلان كافالييه فيلمه "تريز" ولعبت دورها الممثلة كاترين موشيه، وفاز الفيلم عام 1987 بست جوائز "سيزار" من بينها جائزة أفضل فيلم.
وأخرج ليوناردو ديفيليبيس عام 2004 فيلم "تريز: قصة القديسة تريز الطفل يسوع"، جسدت فيه دورها الممثلة ليندساي يونس.
ولم يغب تأثير القديسة تريز عن عالم الموسيقى، ولم يكن بالغريب إنتاج عدد من الأعمال الروحانية الموسيقية عن حياة القديسة وأشعارها، ففي عام 1969 ألف الموسيقي الإنجليزي جون تافنر أوبرا بعنوان "تريز" عن حياة القديسة، وفي عام 1973، ألف الموسيقي البرازيلي، خوسيه أنطونيو دي ألميدا برادو، عملاً بعنوان "تريز، محبة الله"، اعتمد فيه على نصوص للقديسة وعُرض بتكليف من وزارة الثقافة الفرنسية.
أما الراهب الكرملي والموسيقي الفرنسي، بيير إيليان، فقد أصدر أربعة ألبومات مستوحاة من أشعار القديسة، ثلاثة ألبومات، خلال الفترة بين عامي 1992 و1994، تحت عنوان "أغنيات تريز"، وألبوم رابع في عام 1997 بعنوان "القديسة تريز الطفل يسوع-أشعار"، وهو عبارة عن تلحين وغناء قصائد شعريّة كتبتها القديسة.
كما أصدر المغني غريغوار في عام 2013، ألبوماً بعنوان "تريز: العيش بالحب"، لحّن فيه بعضاً من أشعارها، وشاركه في الغناء مجموعة من الفنانين أبرزهم المغنية والمرنمة ناتاشا سان بيير، وفي عام 2016، قدمت فرقة "ذا تشيرمان دانسز" أغنية بعنوان "تريز"، تناولت مرض القديسة بالسل، وفي عام 2017، ألّف شيربان نيكيفور قدّاساً موسيقياً بعنوان "القديسة تريز الطفل يسوع".
"صفحات عديدة من تاريخ هذه الحياة لن تُقرأ أبداً على الأرض"، ذلك ما سبق وقالته القديسة تريز، فعلى الطريق الذي عبرته، لم يكن هناك سوى قلب صغير أحب كثيراً، قلب اختار طريق الاتضاع، قديسة عاشت في الظل، لكنها فتحت للجميع طريقاً جديداً نحو القداسة، طريق الثقة الكاملة بالله، "طريق الطفولة الروحية".
لم تعش القديسة تريز طويلاً، لكنها تركت شعلة لا تنطفئ، تهمس لكل نفس متعبة: "لا تخافي من ضعف، الله لا يحتاج إلا لحب صغير صادق"، واليوم، تظل كلماتها حيّة، وابتسامتها الرقيقة، تُغدق وروداً من السماء، وتدعونا أن نثق مثلها بالله، ونعيش مثلها لا بشيء إلا بالحب.