عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
حلب, الجمعة 17 أكتوبر، 2025
منذ أواخر القرن التاسع عشر، كانت الأرض السوريّة - بحدودها الحاليّة - أكثر أمانًا للمسيحيّين من جارتها الشماليّة التي تُعرَف اليوم بتركيا. غير أنّ المشهد تبدَّل جذريًّا مع اندلاع الحرب السوريّة، إذ أصبحت تركيا، بعد أكثر من عقد على الأزمة، تبدو في نظر كثيرين أكثر استقرارًا واحتضانًا لمسيحيّيها من سوريا نفسها.
في السنوات الأخيرة، قدّمت الدولة التركية تسهيلات ملحوظة لترميم الكنائس وبنائها، وتهيئة بيئة آمنة للمسيحيين المقيمين والراغبين بالعودة، سواء للإقامة الدائمة أو للزيارة. وقد انعكست هذه التحولات في زيارات متكررة لتركيا أجراها بطاركة الكنائس الشرقية وأساقفتها، حيث التقوا مسؤولين حكوميين وأقاموا قداديس احتفالية بحرّية تامّة.
وفي خطوة لافتة، أعلن آباء المجمع الأنطاكي المقدس لكنيسة الروم الأرثوذكس قبل أيام إنشاء أبرشية جديدة باسم «أبرشية طرسوس وأضنة ولواء الاسكندرون (هاتاي)»، تشمل أيضًا مدينة مرسين، على أن يتولى رعايتها معتمد بطريركي برتبة أسقف.
ورغم انتهاء الحرب السورية «نظريًّا» وحصول تغيير سياسي في دمشق، إلا أنّ «غياب الاستقرار، واستمرار غموض المشهد المستقبلي، يثيران الخوف في قلوب سوريين كثيرين، ويدفعان المسيحيين إلى الهجرة، ليبقى منهم ما لا يزيد عن نصف مليون فقط»، حسبما أكد بطريرك السريان الأرثوذكس أغناطيوس أفرام الثاني في لقاء متلفز.
وكشف البطريرك أن أوضاع المسيحيين السوريين لم تشهد أي تحسن بعد التغيير السياسي في البلاد، آسفًا لنجاح مرشحة مسيحية واحدة فقط في انتخابات مجلس الشعب السوري، وواصفًا الأمر بالمقلق. ورأى أفرام أن السبب المحتمل لهذه النتيجة يعود إلى أنّ سوريا لا تزال تعيش ما وصفه بـ«فورة التغيير أو الانتصار»، بحيث يرى كثيرون من السوريين الذين كانوا يشعرون بأنهم محرومون من المشاركة السياسية على مدى عقود أن الوقت قد حان لخوض تجربتهم الخاصة، ما جعل الفرصة المتاحة للفئات الأخرى التي تُعرَف باسم الأقليات أو المكوّنات السورية الأخرى محدودة وربما غير كافية.
هذه الصبغة الدينية أو الفئوية التي تحدث عنها البطريرك السرياني نرى آخر مظاهرها مع القرار الصادر صباح اليوم بتقسيم مدينة حلب إلى خمس كتل إدارية يشرف عليها خمسة مسؤولين، ثلاثة منهم من ذوي التخصصات الإسلامية، بينهم من يدير أحياء فيها حضور مسيحي وتقع بحسب القرار ضمن الكتلة الإدارية الثانية.
ورحّب المحامي باسل قره يوسف أوغلي بهذا التنظيم الإداري، لكنه تساءل هل تمّت مراعاة التنوّع المجتمعي في التعيينات. وقال: «هل تمت دراسة الانعكاسات الاجتماعية والثقافية لقرار كهذا على روح التآلف التي نسعى جميعًا إلى ترسيخها؟ إن الإشارة في السيرة الذاتية إلى "الخبرة الدعوية والشرعية" قد تُفهم - دون قصد - بأنها تغليب لاتّجاه ديني معيَّن على حساب التنوع الوطني. ونحن المواطنين نؤكد أنّ الهوية الوطنية الجامعة هي المظلة التي تجمع أبناء حلب بمختلف انتماءاتهم، وأن أي قرار إداري يجب أن يُبنى على أساس الكفاية والخبرة الفنية والخدمة العامة، لا على الانتماء الديني أو الثقافي».
|