قناة عشتار الفضائية
 

كنيسة الطاهرة الكبرى… شاهدة على تاريخ المسيحيين في العراق

 

عشتار تيفي كوم - المغارة/

إيلين زغيب عيسى

 بخديدا أو بغديدا أو قرة قوش تُعدّ أكبر مدينة مسيحيّة يحتضنها سهل نينوى في الموصل شمالي العراق. وفي هذه المدينة التي تضمّ عددًا كبيرًا من الكنائس، تربض كنيسة الطاهرة الكبرى، أكبر كنيسة سريانيّة كاثوليكيّة في العالم.

تتكوّن الطاهرة الكبرى من الكنيسة القديمة التي تعود إلى القرن الثالث عشر، والكنيسة الجديدة التي بُنِيَت في النصف الأوّل من القرن العشرين. يبلغ طولها 54 مترًا وعرضها 24 مترًا. وتتميّز بتصميمها المثير للإعجاب. فهي تتكوّن من 3 ممرّات، وترتكز على 22 عمودًا فخمًا مصنوعًا من رخام الموصل. وتتصدّر الكنيسة البالغة مساحتها 1296 مترًا مربّعًا، ثلاثة مذابح، وتعلوها قبّة شاهقة تخترقها اثنتا عشرة نافذة.

تُعتبَر الكنيسة فخرًا لسكان قرة قوش، ليس فقط من أجل مكانتها، إنّما أيضًا لأنّ موارد البناء الرئيسيّة كانت من تبرّعات المؤمنين ومن العمل الجماعي المجّاني. وكان برج الجرس المربّع الموجود فوق الباب الرئيسي في حدّ ذاته رمزًا لسكان المدينة.

الكنيسة في قبضة داعش

في ليلة السادس من آب 2014، دخل تنظيم داعش مدينة قرة قوش، ما اضطرّ سكانها إلى الهرب من وجه آلة الإرهاب. وحتى العام 2016، استخدم داعش كنيسة الطاهرة كمركز للقيادة والرماية ومعالجة الأسلحة، بعدما أحرقها ونهب ما فيها من نفائس تشكّل جزءًا من التراث المسيحي في العراق.

في العام 2021، كشف سكرتير مطرانيّة الموصل الأب روني موميكا أنّ عصابات داعش سرقت من كنيسة الطاهرة الصليب الحيّ الذي يضمّ خشبة من الصليب الذي عُلِّقَ عليه يسوع المسيح. كما تمّت سرقة كتاب مقدّس مخطوط باليد، ومبخرة تعود إلى القرن السادس والسابع للميلاد. لكن على الرغم من النهب الذي ارتُكب، لا تزال الكنيسة تحوي بعضًا من التحف القديمة، من بينها مغطس المعموديّة القديم المنحوت على شكل سداسي.

وبعد تحرير المدينة من التنظيم الإرهابي، أُعيد ترميم الكنيسة. في 11 كانون الثاني 2021، احتُفل برفع تمثال مريم العذراء على برجها الذي دمّره داعش، عمل عليه النحّات ثابت ميخائيل شابه بتق لمدّة أربعة أشهر.

وجاء هذا التتويج استعدادًا لاستقبال البابا فرنسيس الذي حدّد زيارته للعراق في شهر آذار 2021. وشكّلت هذه الزيارة، في حينها رسالة أمل لمسيحيي العراق الذين هجروا بلادهم بسبب الحرب، ونورًا يضيء الظلمات بالنسبة إلى سكان سهل نينوى الذين عانوا الويلات من ارتكابات التنظيمات الإرهابيّة.

البابا فرنسيس يزور الكنيسة

البابا فرنسيس هو أوّل حبر أعظم يزور العراق، بعدما كان البابا القديس يوحنا بولس الثاني يحلم بهذه الزيارة التي لم تتحقّق.

ومن الأماكن التي زارها البابا فرنسيس كنيسة الطاهرة الكبرى في قرة قوش، حيث ترأس صلاة عن أرواح ضحايا الحرب، وعبّر عن أسفه لـ«التناقص المأسوي» في أعداد المسيحيين في الشرق.

قصّة كنيسة الطاهرة تختصر قصّة المسيحيين في العراق. هؤلاء هجروا بلادهم وتعرّضوا للنكبات بسبب الحرب الأخيرة وسيطرة التنظيمات الإرهابيّة. لكنّهم، ككنيستهم، نهضوا من بين الركام ليشهدوا للمسيح في بلاد ما بين النهرين.