عشتار تيفي كوم - سيريك برس/
أصدرت منظمة “عون الكنيسة المحتاجة” النسخة الخاصة بعام 2025 من تقرير الحرية الدينية في العالم، وهو مسح شامل يغطي 196 دولة، ويقيّم الأوضاع القانونية والاجتماعية التي تؤثر في ممارسات الشعائر الدينية. ويرتكز هذا التقرير الصادر كل عامين على بحوث ميدانية، وشبكات الشركاء، ووثائق عامة، لرصد كيفية تأثير الحكومات والجهات غير الحكومية في الحياة الدينية، مع التركيز على التطورات الممتدة من كانون الثاني 2023، وحتى كانون الأول 2024
ويشير التقرير إلى التفاوت الكبير في مستوى حماية الحق في حرية الفكر والضمير والدين، لافتاً إلى أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في أماكن تشهد انتهاكات خطيرة أو خطيرة للغاية. وشددت المنظمة على الطابع الواسع وغير الحكومي للتقرير، وعلى هدفه المتمثل في تقديم قراءة واقعية للتوجهات العالمية، عبر تصنيف الدول وفق مستوى القيود المفروضة على الجماعات الدينية المعترف بها وغير المعترف بها.
يتناول الفصل المخصّص للعراق، الذي يغطي التطورات بين كانون الثاني 2023 وكانون الأول 2024 مع بعض التحديثات من مطلع 2025، صورة قاتمة لواقعٍ تُوجد فيه الحماية القانونية نظرياً، لكن المناورات السياسية، والضغوط الطائفية، والعنف المتواصل لتنظيم الدولة الإسلامية (د1عش)، ما تزال جميعها تجعل حرية المعتقد هشّة بالنسبة للأقليات الدينية في مختلف أنحاء البلاد.
ضمانات قانونية تُقوَّض بتدخلات سياسية
ذكر تقرير المنظمة أنه رغم تضمين دستور العراق لعام 2005 عدداً من الحقوق للجماعات غير المسلمة _ من حماية اللغات، وحق إدارة الأوقاف الدينية، والمقاعد البرلمانية المخصّصة للأقليات _ فإن هذه الضمانات القانونية لم تُترجَم في كثير من الأوقات إلى أمن فعلي أو إدارة عادلة للمسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم.
وسجّل التقرير سلسلة من الأزمات القانونية والسياسية التي عمّقت حالة عدم الثقة بين مكوّنات الأقليات ومؤسسات الدولة. فقد أدّى إلغاء المرسوم الرئاسي رقم 147 في تموز 2023 _ وهو إجراء إداري قائم منذ سنوات كان يمنح بطريرك الكنيسة الكلدانية سلطة مدنية على أملاك الكنيسة _ إلى انتقال البطريرك الكلداني مار لويس روفائيل ساكو من بغداد إلى أرابيلو (أربيل)، وأشعل معارك قضائية واحتجاجات قال التقرير إنها “قوّضت الثقة بشكل أعمق“
وأشار التقرير إلى أن هذه الحادثة تحوّلت إلى بؤرة قلق أوسع تتعلق بالسيطرة على ممتلكات الكنيسة وبالنفوذ السياسي للفصائل المسلحة.
وأضاف التقرير أن تآكل الثقة تفاقم بسبب شكاوى محلية في إقليم كردستان العراق، حيث أدى حكم المحكمة الاتحادية العليا عام 2024 إلى التأثير مؤقتاً على مقاعد كوتا الأقليات، فيما لم يؤدِّ إعادة بعض المقاعد لاحقاً إلى تهدئة الانتقادات المتعلقة بالتمثيل الشكلي وإعادة توزيع المقاعد بعيداً عن المناطق التي تضم تاريخياً تجمعات مسيحية كبيرة.
وحذّرت منظمة “عون الكنيسة المحتاجة” من أن هذا الغموض القانوني والتهميش ساهما في تشجيع الهجرة ومنع عودة السكان إلى أراضيهم التاريخية — ولا سيما في سهل نينوى وفي مدن مثل الموصل وألقوش.
انعدام الأمن المستمر يعرقل عودة الأقليات
ما تزال الهواجس الأمنية حادّة ومؤثرة. وقد أبرز تقرير “عون الكنيسة المحتاجة” التهديد المتواصل الذي تمثّله خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (د1عش) والنشاطات المسلحة التي أعاقت عملية إعادة الإعمار وعودة النازحين من مكوّنات الأقليات إلى مناطقهم.
وتشير تقارير مستقلة من مطلع عام 2025 إلى ارتفاع مقلق في نشاط الجماعات المتطرفة، إذ أفادت خدمة “صوت أمريكا” الكردية بوجود زيادة كبيرة في تحركات د1عش بين كرخسلوخ (كركوك) وصلاح الدين في شباط 2025، وهو نمط استدعى استجابات أمنية من القوات العراقية وقوات التحالف. وبعد أسابيع، أعلنت الحكومة العراقية مقتل القيادي البارز في د1عش، عبد الله مكي مصلح الرفاعي، المعروف بأبي خديجة، في عملية وصفتها الجهات الرسمية بأنها “ضربة كبيرة لبقايا التنظيم”، إلا أنّ عون الكنيسة المحتاجة ترى أن ذلك لا يبدّد حالة انعدام الأمن الهيكلية التي ما تزال تواجه الأقليات.
وفي ظل هذه الضغوط، سجّل التقرير بعض الخطوات الحذرة من جانب مؤسسات الدولة العراقية. ففي حزيران 2024، أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مرسوماً يعيد الاعتراف المؤسساتي بالبطريرك ساكو. كما اتخذت الحكومة الاتحادية إجراءات إدارية، منها تشكيل لجان لمراجعة دعاوى الملكية العقارية للأقليات. لكن المنظمة اعتبرت هذه التدابير غير كافية طالما أنّ الفصائل المسلحة ذات النفوذ السياسي ما تزال قائمة، وأن الغموض القانوني لم يُحسَم بعد.
وحذّرت المنظمة من أنه من دون إصلاحات جوهرية — أمنية وقضائية وإدارية — ستظل آفاق المواطنة المتساوية والعودة المستدامة محدودة للغاية.
حقوق شكلية بلا مضمون
تضع منظمة “عون الكنيسة المحتاجة” نتائجها في إطار مسح عالمي أوسع يُظهر تزايد عدد الدول التي تُسجَّل فيها انتهاكات “خطيرة أو خطيرة جداً” لحرية الدين. وفي الحالة العراقية، فإن مزيج القوانين المتنازع عليها، وصراعات النفوذ المحلية المتعلقة بالأملاك والتمثيل، إلى جانب انعدام الأمن المستمر الذي تسببه الجماعات المسلحة غير الحكومية والخلايا المتطرفة، يُنتج واقعاً تصبح فيه الحقوق الرسمية بلا جدوى بالنسبة للمجتمعات الهشّة.
ويخلص الفصل الخاص بالعراق إلى تقييمٍ قاتم، مشيراً إلى أن التعددية الدينية في البلاد قائمةٌ تاريخياً، لكن تحويل هذا الإرث إلى مساواة معيشية يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة السياسية والوضوح القانوني والضمانات الأمنية — وهي عناصر ما تزال الأقليات تفتقر إليها حتى اليوم. |