قناة عشتار الفضائية
 

بين التاريخ والإيمان… كنيسة العقبة الأثريّة شاهدة على المسيحيّة المبكرة في الأردن

 

عشتارتيفي كوم- آسي مينا/

 

بقلم: سند ساحلية

العقبة، الخميس 18 كانون الاول ديسمبر، 2025

 

في شمال خليج العقبة-الأردن، تقف بقايا كنيسة العقبة الأثرية شاهدةً على مرحلة مفصلية في تاريخ المسيحية المبكرة. تعود الكنيسة إلى أواخر القرن الثالث وبدايات الرابع الميلادي، وتُعدّ من أقدم المباني المشيّدة للعبادة المسيحية، قبل الاعتراف الرسمي بالمسيحية في الإمبراطورية الرومانية.

اكتُشف الموقع عام 1998 في خلال أعمال تنقيب أثرية قادها فريق دولي بإشراف عالم الآثار الأميركي توماس باركر. وأظهرت النتائج أنّ المبنى كنسي متكامل، أُنشئ قبل مرسوم ميلانو عام 313م الذي أنهى اضطهاد المسيحيين. وأوضح باركر أنّ «السمات المعمارية واللقى الأثرية تدل بوضوح على أنّ المبنى صُمم منذ البداية ليكون كنيسة، لا منزلًا حُوّل لاحقًا للعبادة»، ما يمنحه قيمة علمية استثنائية.

تتكوّن الكنيسة من صحن مركزي تحيط به ممرات جانبية، وتنتهي بحنية شرقية مع مدخل أمامي، في نمط بازيليكي مبكر يسبق كنائس القدس وبيت لحم بسنوات. ويعكس هذا التخطيط تطورًا طقسيًّا وتنظيميًّا واضحًا لدى الجماعة المسيحية المحلّية. وعُثر أيضًا داخل الموقع على جدران محفوظة، ومصابيح زجاجية وقطع فخارية وعُملات رومانية ساعدت في تأريخ البناء بين نحو 293 و303م.

إلى جوار الكنيسة، كشفت التنقيبات مقبرة يُعتقد أنها مرتبطة بالجماعة نفسها، وُجدت فيها قطع معدنية صغيرة تُفسّر كأجزاء من صليب برونزي، ما يعزز الطابع المسيحي للمكان ويقدّم صورة عن ممارسات الدفن والإيمان في تلك الحقبة.

في العصر الروماني، كانت العقبة تُعرف باسم أيلا، ويشير التاريخ إلى مشاركة أسقفها في مجمع نيقيا عام 325م، ما يضع الكنيسة ضمن سياق أوسع للتنظيم الكنسي في جنوب بلاد الشام ويؤكد انتشار المسيحية خارج المراكز الكبرى. وتشير الأدلة إلى أنّ الكنيسة استُخدمت عقودًا قبل أن تتضرر، ويُرجّح أنّ زلزالًا عام 363م أسهم في إتلاف جزء منها، لتُطمر بعدها بالرمال قرونًا طويلة.

واليوم، مع إعادة فتح الموقع رسميًّا أمام الزائرين، تتحول الكنيسة من أطلال صامتة إلى وثيقة حية تذكّر بأنّ جذور المسيحية في هذه الأرض تعود إلى جماعات آمنت وبنت وصلّت رغم المخاطر. وقد شكّل الافتتاح الوطنيّ تأكيدًا لمكانة الكنيسة بصفتها أحد أقدم الشواهد المسيحية في العالم، ولدور الأردن في حماية الإرث الديني والإنساني وصون التعددية.