قناة عشتار الفضائية
 

بعد زيارة البابا... عيدا الميلاد ورأس السنة في تركيا تحت المجهر

 

عشتار تيفي كوم - آسي مينا/

بقلم: سهيل لاوند

هذا التوازن الدقيق هو ما يمنح تركيا رمزيّةً خاصّة. وعليه، حَملت زيارة لاوون الرابع عشر الأخيرة رسالةً مزدوجة: تعزيز الحوار بين الكنائس والأديان، والتذكير بجذور مسيحيّة راسخة في هذه الأرض. يأتي ذلك في حين تتصاعد الهويّات الصداميّة وخطابات الانغلاق، كما يظهر في قرار مديريّة التعليم في ولاية بورصة حظر فعاليّات الميلاد ورأس السنة في المدارس، وفي حملات مصوّرة لناشئة يرفضون مظاهر هذين العيدَين باعتبارها غير منسجمة مع الدين والثقافة التركيّة. غير أنّ هذه الممارسات السابقة أثارت ردود فعل متباينة داخل المجتمع التركيّ، بين مؤيّد ورافض، في مجتمعٍ اعتادت شوارعه أن تتزيّن في الشهر الأخير من كلّ عام بزينة العيد.

في هذا السياق، تبرز رمزيّة عيدَي الميلاد ورأس السنة بوصفهما أحد مفاتيح التداخل الحضاريّ في البلاد. فحتّى «سانتا كلوز» الذي تملأ صوره متاجر إسطنبول وغيرها من حواضر العالم، لا يُعدّ نتاجًا مستوردًا بالكامل من الخيال الغربيّ، بل يعود في أصله إلى القدّيس نيقولاوس الذي وُلد بحسب الأدب المسيحيّ في «باتارا» وعاش في «ميرا» وتولّى أسقفيّتها، وهما منطقتان تقعان ضمن حدود تركيا الحاليّة.

هنا يلتقي البُعد الرمزيّ لنيقولاوس وحبريّة لاوون الرابع عشر، إذ إنّهما يستدعيان جوهر القيَم، لا مظاهرها؛ نيقولاوس المعروف بنصرته الفقراء والمحتاجين، نرى صدى رسالته في كلمات لاوون الرابع عشر الذي شدّد على أنّ «خدمة الفقراء تقع في صميم الإيمان المسيحيّ». وعلى مثال نيقولاوس، أراد البابا في إرشاده الرسوليّ الأوّل «لقد أحببتك» إبراز العلاقة بين محبّة الله ومحبّة الفقراء، مؤكّدًا أنّ «الفقراء هم محور الكنيسة وجسد المسيح نفسه ومسألتهم تمسّ جوهر الإيمان المسيحي». وفي السادس من الشهر الحاليّ – وهو عيد نيقولاوس – نُظِّم في قاعة بولس السادس في الفاتيكان حفلٌ موسيقيّ للفقراء بحضور الحبر الرومانيّ.

 

بعيدًا من الاستهلاك التجاريّ الذي طغى لاحقًا على صورته، بقي نيقولاوس عبر القرون رمزًا للعطاء والسلام العابر للثقافات. وعلى المنوال نفسه، سعت الرحلة البابويّة الأخيرة إلى تركيا ولبنان إلى تسليط الضوء على المهمَّشين وإعادة الاعتبار لمعاني العيش المشترك، والتشديد على أنّ الاختلاف الدينيّ لا ينفي الإنسانيّة المشتركة ويجب ألّا يتحوّل إلى أداة صراع أو إقصاء.