قناة عشتار الفضائية
 

"الإصلاح الضريبي".. واقع قاسٍ يواجهه العراقيون في 2026

 

عشتار تيفي كوم - شفق نيوز/

مع قرب دخول العراق عام 2026، يواجه المواطن واقعاً اقتصادياً حساساً، تحكمه معادلة صعبة بين الحاجة إلى تعظيم الإيرادات المالية للدولة، والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن في ظل العجز المالي الكبير الذي تشهده البلاد مع الحاجة الملحة لتوفير الرواتب الشهرية للموظفين والعاملين في القطاع العام مع تزايد المخاوف بتراجع أسعار النفط.

ورغم الحديث المتزايد عن الضرائب، تشير الأرقام إلى أن الإيرادات الضريبية غير النفطية لا تزال محدودة، إذ لم تتجاوز نحو 3.7 تريليونات دينار، في وقت تتجاوز فيه النفقات العامة حاجز 150 تريليون دينار، ما يعكس استمرار الاعتماد شبه الكامل على النفط كمصدر رئيسي لتمويل الموازنة العامة.

وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن السياسة الضريبية الحالية تقوم على تحسين التحصيل ومحاربة التهرب من خلال إدخال الأنشطة غير المسجلة ضمن النظام الضريبي وتوسيع استخدام الجباية الإلكترونية، دون فرض ضرائب جديدة مباشرة.

ومع ذلك، فإن بعض الإجراءات ستنعكس بشكل غير مباشر على المواطنين، ولا سيما أصحاب المهن الحرة والتجار الصغار، الذين سيواجهون التزامات ضريبية أعلى مقارنة بالسنوات الماضية، ما يطرح تحدياً مزدوجاً بين تعزيز الإيرادات وحماية القدرة الشرائية للعراقيين.

التوازن المالي

وفي هذا السياق يقول العضو السابق في اللجنة المالية النيابية، معين الكاظمي، إن النظام الضريبي الجديد الذي تخطط له الحكومة الحالية منذ سنة يهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، مشيراً إلى أن 90 بالمئة من إيرادات العراق تأتي من النفط، فيما يجب أن ترتفع نسبة الإيرادات غير النفطية تدريجياً لتجنب أي أزمة في حال انخفاض أسعار النفط كما يحدث حالياً.

ويضيف الكاظمي لوكالة شفق نيوز أن الحكومة تراهن على هيئة الضرائب كأحد أبرز أبواب زيادة الإيرادات، موضحاً أن الهيئة تعمل حالياً بنظام الأتمتة الجديد، ويجب أن تمارس عملها بمهنية بعيداً عن ابتزاز المراجعين في بغداد والمحافظات الأخرى.

ويؤكد أن الهدف أن يكون لدى الحكومة إيرادات ضريبية سنوية لا تقل عن 5 تريليونات دينار، إضافة إلى 5 تريليونات من هيئة الكمارك، وتريليونين دينار من هيئة الإعلام والاتصالات، إضافة إلى جباية الخدمات الأخرى من الكهرباء والماء ووزارات متعددة، ليصل المجموع إلى نحو 20 تريليون دينار سنوياً.

ويشير الكاظمي إلى أن هذه الزيادة في الإيرادات ستترك آثاراً على المواطنين، خصوصاً فيما يتعلق بالضريبة المفروضة على الاستيراد، والتي تصل سنوياً إلى نحو 70 مليار دولار، مشدداً على أن هناك جانباً إيجابياً لزيادة الإيرادات للحكومة، مقابل جانب سلبي يتمثل في الضغط على الأسعار وارتفاعها في الأسواق.

العدالة الضريبية

من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان أن الضرائب تعد جزءاً أساسياً من تمويل خزينة الدولة إلى جانب الرسوم والكمارك، مشيراً إلى وجود جانبين متلازمين بين المواطن والدولة.

ويقول أنطوان لوكالة شفق نيوز إن المواطن يجب أن يقتنع بأهمية الضرائب وكيف تنعكس إيجاباً على خدماته ورواتبه وتقاعده، مؤكداً أن قناعة المواطن مهمة لضمان عدالة النظام الضريبي ومصداقيته.

ويضيف أن الضريبة، عندما تكون معتدلة ومتناسبة مع الدخل، تُعد وسيلة لتسيير شؤون الدولة، لكن يجب أن تُحقق العدالة الاجتماعية بحيث يدفع أصحاب الدخول العالية بما يتناسب مع دخلهم، مشيراً إلى أن طبيعة النظام الاقتصادي تؤدي دوراً أساسياً في تحديد نسبة الضرائب وأهميتها.

الشرائح المتأثرة

من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن الحكومة لم تفرض ضرائب جديدة بشكل مباشر، بل اعتمدت سياسة الضرائب المؤجلة مقابل تشديد الجباية وتوسيع القاعدة الضريبية.

ويوضح عبد ربه لوكالة شفق نيوز، أن الإجراءات الحالية، مثل إدخال الأنشطة غير المسجلة واستخدام الجباية الإلكترونية، يمكن أن ترفع الإيرادات بنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة دون تحميل المواطن أعباء إضافية.

ويضيف أن بعض الشرائح، وخصوصاً أصحاب المهن الحرة والتجار الصغار، سيواجهون التزاماً ضريبياً أعلى مقارنة بالسنوات الماضية، بينما تبقى المقترحات المتعلقة بضرائب على الثروة أو إعادة هيكلة ضريبة الدخل مؤجلة بسبب حساسيتها الاجتماعية والاقتصادية.

وخلص عبد ربه بالقول، إن 2026 سيكون عام ضبط النظام الضريبي أكثر من كونه عام فرض ضرائب جديدة، مع ضرورة ربط الجباية بتحسين الخدمات لضمان الاستقرار الاقتصادي وتقليل هشاشة المالية العامة أمام تقلبات أسعار النفط.

ويأتي هذا في ظل تجارب سابقة أثبتت جدلية الضرائب على المواطنين، خصوصاً ضريبة بطاقات تعبئة الهواتف والإنترنت، حيث أثار قرار الحكومة بإعادة فرض ضريبة بنسبة 20% على بطاقات التعبئة استياءً شعبياً واسعاً.

ويشير الخبراء إلى أن العراق بدأ إصلاح النظام الضريبي منذ عدة سنوات، حيث أطلقت الحكومة برامج لتحسين التحصيل الضريبي عبر أتمتة الإدارات ودمج الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة ضمن النظام، بالتعاون مع شركات استشارية عالمية مثل "أوليفر وايمن"، بهدف بناء نظام ضريبي عادل وشفاف يعزز الإيرادات غير النفطية ويضمن العدالة الاجتماعية.