قناة عشتار الفضائية
 

تلكيف


تقع بلدة تلكيف على بعد (18)كم الى الشمال الشرقي من مدينة الموصل وآثار نينوى الشهيرة وتشغل أرضاً منخفضة تحيط بها الهضاب، واسمها آرامي مركب من كلمتين هما (تل-كيبه) أي تل الحجارة، وليس كما توحيه اللفظة العربية تل الطرب او الأنس.

إن اقدم نص يذكر تلكيف بصراحة قد سجله مؤلف كتاب اشور المسيحية حين تطرق الى ذكر المغول ونهبهم لتلكيف عام (1508م)، وفي عام (1562م) يختفي اسم تلكيف وراء اسم شيبتيان في قائمة الخورنات، واسم تلكيف قد بدل بشيبتيان لأسباب نجهلها، وبعد مرور قرنين تقريباً نعثر على مصدر آخر للسيد فتح الله القادري حيث كتب عن حوادث عام (1743م) ما نصه "إن الفرس بقيادة نادر شاه اذ لم يتمكنوا من ان يحتلوا الموصل عزوا انفسهم بنهب وحرق القرى المجاورة ومن بينها تلكيف".

اما بعد هذا التاريخ فان اسم تلكيف يأتي بتواتر خاصة في عشرات المخطوطات الكلدانية التي ترجع الى عصور متأخرة والتي قد تفرقت في عدة خزانات تشير الى انها كتبت في تلكيف او أن مؤلفها هو من اهاليها " وقد تم نسخ هذه المخطوطات بين القرن السابع عشر واوائل القرن العشرين" وأقدمها مؤرخ عام (1648م). وفي عام (1822م) قال المنشيء البغدادي عن تلكيف "انها من قرى الموصل تبلغ بيوتها ثلاثة آلاف بيت من النصارى".

نفوس القرية

          كانت تلكيف اكبر قرية مسيحية في المنطقة منذ القرن (16) وحتى عام (1960)، إذ كان يبلغ عدد نفوسها (2500) نسمة عام (1768) وبسبب الطاعون والآفات الطبيعية انخفض العدد الى (1500) عام (1882)، ثم اصبح (2500) عام (1891)، وتقلص الى (1500) عام (1923) في اعقاب الحرب العالمية الاولى، ثم قفز الى (14) الف و (300) عام (1933م) واصبح عشرة آلاف عام (1937) وتقلص بسبب النزوح والحرب الى (6819) عام (1947م)، وغدا (7108) عام (1968) وقد هاجرها الكثير من اهاليها الى بغداد والولايات المتحدة الامريكية خاصة.

معالمها

          يمكننا ان نتعرف على اهم المعالم في البلدة مبتدئين بكنيستها الكبيرة التي تجذب انظار سائر القادمين الى تلكيف والمقامة خلف تل تلكيف الأثري من الناحية الجنوبية. وفي الواقع انها تضم كنيستين ومعبداً صغيراً في مجموعة واحدة اكبرها شيدت على اسم قلب يسوع واقيمت على انقاض كنيسة قديمة وصغيرة كانت تدعى كنيسة مار قرياقوس الشهيد وكان ذلك عام (1911م) في عهد المثلث الرحمة البطريرك عمانوئيل الثاني.

          وتعتبر هذه الكنيسة من كبريات الكنائس في العراق حيث تبلغ مساحتها نحو (1280) متر مربع وارتفاعها نحو (16) متر.

اما الكنيسة الثانية فهي كنيسة الرسولين بطرس وبولس وهي ملاصقة لكنيسة قلب يسوع وتشكل معها زاوية قائمة.

والى الجهة الشمالية بموازاة كنيسة قلب يسوع يقع معبد صغير للعذراء اقيم عام (1940م) على انقاض كنيسة اقدم منها اقيمت على اسم مريم العذراء المنتقلة الى السماء. كما وهنالك العديد من المزارات منها مزار مار يوسف، مزار مارت شموني، مزار مار يوحنا المعمذان، مزار بوخت سهدا وغيرها.

ومن اهم معالمها الآثرية هو تلُها الذي هو حالياً عبارة عن مقبرة لكنه قبل القرن التاسع عشر لم يكن كذلك بل كان تلاً اثرياً كما يقول الباحث الآثاري بهنام ابو الصوف يعود الى عصر الأدوار الآشورية والأكدية والدور المعروف بطبقة نينوى الخامسة من بداية الألف الثالث قبل الميلاد والذي ظهرت فخارياته المميزة في الموقع. و"تل تلكيف" يحوي بقايا هي اقدم من تلك العهود يعود زمنها الى عصر الوركاء (3500 ق.م) وعصر العبيد (4000 ق.م) وربما الى ادوار اخرى اقدم اي من اوائل تأسيس القرى في بلاد مابين النهرين كادوار حلف وسامراء وحسونة في الألفين الخامس والسادس قبل الميلاد.

تلكيف والثقافة

          لقد اهتم اهالي تلكيف بالثقافة وبرز فيهم رجال حملوا راية العلم عالية. واقدم نص يدل على ذلك هو ما جاء في كتاب "المرأة الجلية" للبطريرك يوسف الثاني آل معروف حيث يذكر في مقدمة كتابه "أنه ولد عام (1667م) في تلكيف وتثقف فيها وانعكف على درس الكتب السريانية واقتباس معارفها آخذاً من معلمين ماهرين" وفي عام (1856م) نجد ذكر المدرسة صريحاً فقد ورد في حياة الاب شموئيل جميل "ان والديه قد ادخلاه الى المدرسة في القرية (تلكيف) فتعلم مباديء اللغة الكلدانية والعربية".

          وفي تلكيف كان للكنيسة الفضل الاول في التثقيف حيث كانت الكنائس كالأديرة تنشيء مدارس داخل مبانيها او ملصقةً بها. ومنذ مطلع القرن (20) قامت في تلكيف كنيسة منتظمة لتعليم اللغة الكلدانية واللغة العربية ومبادىء الحساب واصول الدين، حتى فُتحت سنة (1919م) او مدرسة حكومية رسمية. 

          وتضم كنيسة تلكيف مجموعةً كبيرة من المخطوطات الكلدانية اقدمها من القرن (16) ومعظمها طقسية، ومن مشاهير خطاطيها ايشو بن يوسف القس جمال الدين القس هرمز، ودنحا ايليا، والقس اسحق مقدسي عبديشوع، وشمعون بطرس ديزا، والقس اندراوس يوسف أسمر وغيرهم.

من مشاهيرها

          من مشاهير تلكيف البطريرك يوسف الثاني آل معروف (1667-1713)صاحب المؤلفات العديدة، اللاهوتية والطقسية والروحية، والقس خوشابا، والقس يوسف بن جمال الدين المعروف بقصائده الدينية الشعبية بالسورث، وماري تيريز أسمر ولادة (1806م) صاحبة مذكرات (أميرة بابلية) التي طبعتها بالانكليزية في مجلدين عام (1844م)، مدعية أنها فعلاً أميرة بابلية، ثم نشرت في العام التالي كتاباً آخر بعنوان (صوت من الشرق الى نساء انكلترا) والانبا شموئيل جميل صاحب المؤلفات العديدة ولاسيما كتاب (العلاقات بين الكنيسة الكلدانية وروما)، والشاعر الشعبي توما تكتك (توفي عام 1860)، والشاعرة الشعبية حني نويثا دلو (توفيت عام 1946) والمؤرخ رفائيل بابو اسحق (1893-1964) والصحفية مريم نرمي (1891) صاحبة جريدة (فتاة العرب)، والصحفي يوسف هرمز جمو صاحب جريدة (الحياة) ثم (صوت الشعب) وكتاب (آثار نينوى او تاريخ تلكيف)، والصحفي اسكندر معروف صاحب (4) جرائد آخرها (صوت العروبة)، والشماس يوسف ميري ناشر كتب طقسية شعبية وكراريس لتعليم الكلدانية وغيرهم. كما انجبت تلكيف عدداً من البطاركة والمطارنة والكهنة والرهبان والراهبات.

تلكيف الحاضر

لاتزال بلدة تلكيف حتى يومنا هذا عامرة بكنائسها ومؤمنيها، يقطنها ابناء شعبنا وقد أهتم الاستاذ سركيس آغاجان ببلدة تلكيف واعتبرها من المناطق التاريخية المهمة التي عاش ويعيش فيها ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ولهذا لم يتهاون في مد يد العون لهذه البلدة العريقة فقام بشراء (23) داراً وبناء (20) داراً اخرى للعوائل الوافدة اليها من المناطق التي تشهد انعدام الأمن، كما وتم شراء قطعة ارض لبناء شقق سكنية لايواء الوافدين اليها ايضاً بالاضافة الى شراء خمسة كوسترات لخدمة الطلبة.

كما اهتم ايضاً برعاية نادي تلكيف الرياضي حيث قام بشراء بناية خاصة له وجهزها بكافة المستلزمات والتجهيزات الرياضية وخصص رواتب لأعضائه بالأضافة الى شراء سيارتين لخدمة اللاعبين الذين يتوزعون بين لاعبي كرة القدم والطائرة والسلة، وقد أقام النادي العديد من البطولات برعاية الاستاذ سركيس آغاجان.

ومن اهتماماته الاخرى تعمير كنيسة مارت شموني وبناء مجمع ثقافي فيها الذي يقوم بنشاطات ثقافية وفنية ورياضية وبناء مدرسة لتعليم اللغة الأم وقاعة انترنيت مجهزة بالاثاث والحاسبات، كما قام بشراء ارض تم تخصيصها للمقابر وأنشأ فيها داراً لمن يحرسها وتم تجهيز الكنيسة بمولدتين للكهرباء بالاضافة الى نصب محولة كهربائية خاصة بالكنيسة كما وقام بمساعدة عدد من العوائل لإعادة ترميم منازلهم وتأهيلها للسكن. هذا بالاضافة الى الكثير من الامور الاخرى التي قدمها لبلدة تلكيف لا تعد ولا تحصى.