قناة عشتار الفضائية
 

صلاة سهرة الجمعة العظيمة

لاهوت


القس أفرام سليمان

        المقدمة

          تُعدُّ الصلاة الطقسية المشرقية نموذجاً للصلاة اللاهوتية الروحية التعليمية. لاهوتية: بسبب غناها الفكري، روحية: لملاءمتها حالة الإنسان الخاطئة الذي هو دوماً بحاجة لله الرحمن الحنان الرؤوف الذي لا يحاسب بالنسبة إلى عدالته بل برحمته الفائقة الوصف، كما وترتقي به حيث يجلس رب الكل محاطاً بالملائكة الساهرين خصوصاً (عيرْا) والكروبيم والسرافييم. وتعليمية: لأنها تعلّم وتصلي، أي تسرد ما تؤمن به الكنيسة بطريقة مبسطة شعرية ليتسنى للمؤمنين فهمها وحفظها وتعليمها بدورهم للآخرين، لا بل نجد فيها قسماً خاصاً هو التعليم (مدرشا).

          وما نحن بصدده اليوم هو نقطة في بحر، إنها صلاة سهرة الجمعة العظيمة، ولا نقصد هنا بالسهرة كساعة من ساعات الصلاة بل السهرة ككل والتي تشتمل على ساعات الصلاة الاعتيادية ما عدا السوتارا أو الشبع (سوبعا).

          سنقوم باستعراض ما يُتلى في هذه الصلاة مع تحليل لاهوتي كتابي لأهم أقسامه، في محاولة للسير على نهج آبائنا القديسين الذين حاولوا في كل عصر ودهر أن يفسروا ويوضحوا لبني جيلهم ما كتبه الآباء الذين من قبلهم وهكذا دواليك.

          ثلاثة أشياء تتكون منها كل صلاة مشرقية وهي: المزامير، الأشعار الكنسية (تراتيل، ردات، مداريش) والطلبات (صلاة الكهنة، لنقف حسناً "نقوم شفير"). وعلى هذه العناصر سنقوم بتحليل النصوص التي أمامنا والتي تُعتبر أطول صلاة في طقسنا المشرقي.

         

        طقوس سهرة الجمعة

1.    تفسير الألم:

تسمية شعبية واردة في القرى الشمالية تطلق على رتبة قراءة الإنجيل وتفسيره حيث يسموها (فشوقا دخشا). ولقد طغت هذه التسمية على اسم الصلاة ككل. وصار يُطلق الاسم الأصلي للصلاة أي "سهرة الجمعة العظيمة" على سهرة حراسة القبر المقدس يوم السبت الطقسي (ليلة الجمعة على السبت). أما في المناطق الأخرى فيطلق عليها اسم صلاة الألم "ؤلوةا دخشا".

أما اليوم فلقد أهملت الكثير من الكنائس الكرازة واكتفت بقراءة الإنجيل، أو حتى الإنجيل يُختصر بسبب طول نصه الذي هو تجميع من الأناجيل الأربعة. على النحو التالي: (مت26: 31–44، لو22: 43–44، مت26: 45–50، لوقا22: 49–50، يو18: 10 – مت26: 52أ، يو18: 11، مت26: 52ب–75).

2.     رتبة غسل الأرجل:

تُعتبر هذه الرتبة رتبة مستقلة بحد ذاتها، حيث كرس لها صلوات خاصة وإنجيل خاص يُقرأ أثناءها.  تختلف الممارسة الحالية عما هو موجود في كتاب الفرض، حيث يُقام برتبة غسل الأرجل أثناء القداس. وهذا يحدث خللاً في سير الصلاة لمن لا يعرف منهجيتها حيث إذا ما تمت الرتبة أُثناء القداس فلا داعي لإعادة الأبيات في سهرة الليل مرة ثانية. وسنحلل النص في محل وروده أي مع الأبيات الشعرية الأخرى. أما هنا فنكتفي بالممارسة الحالية لغسل الأرجل كما هي في أغلبية الكنائس.

في نهاية القداس يبدأ الكاهن بتلاوة الإنجيل الخاص بالمناسبة والذي أشرنا إليه أعلاه. وتكون المستلزمات الضرورية للغسل جاهزة. وما أن يصل إلى وقام يسوع وأخذ يبدأ بعملية الغسل. فيغسل الرجل اليمنى بالماء والصابون ومن ثم ينشفها ويقبلها وبعد الانتهاء يعود ليكمل قراءة الإنجيل. وبعدها يناول كل واحد قليلاً من الخمر. ومن ثم يُعطى لكل واحد شمعة فيرشها الكاهن بالزوفا، كعلامة للتطهير.

أما بعد انتهاء الرتبة يتبادلون التهاني جميعهم إلا واحداً والذي يتعرض للضرب لأنه أسلم يسوع للموت، وبحسب التقليد الموجود في صور العشاء الأخير فيقولون أنه الثالث عن يسار ربنا. ومن ثم يبدأ الناس الذين لم يحظوا بضرب يهوذا بالبحث عنه محطمين الأبواب بالحجارة.

هل هذا التقليد الجميل يجعلنا فعلاً نبحث عن يهوذا قبل كل تصرف نقوم به لئلا نسلم يسوع للموت باقترافنا الخطيئة. صحيح أن أجدادنا كانوا يحاولون أن يمثلوا محطات حياة يسوع بالواقع من خلال هذه المراسيم، إلا أنها زحفت عن الغاية المرجوة منها ألا وهي التقرب الأكثر حرارة والاتحاد العميق مع يسوع.   

        صلاتي الليل والسهرة

تبتدئ هذه الصلاة بملاحظة كتابية جداً مهمة حيث يقول فيها: " اعلم أنه بعد استراحة قصيرة يكملون صلاة الليل كلها ساهرين، كما قال ربنا لتلاميذه: اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة (مت41:26، مر38:14، لو46:22)".

تُعتبر صلاة هذه السهرة من أطول الصلوات في طقسنا المشرقي وذلك مراعاة مع وصية المسيح بالسهر والصلاة. وبالرغم من أن صلواتنا كلها تستمد قوتها من الكتاب المقدس، إلا أن هذه السهرة تتميز أيضاً بكونها تربط العهدين ربطاً محكماً كما وأنها تشير بصورة دقيقة إلى مراحل التدبير الخلاصي حتى مجيء المسيح الثاني، بآيات كما لو أنها تأخذ مقاطع بكاملها من الكتاب المقدس. ففيها سرد مكثف لبعض الحوادث الإنجيلية.

إن ما يميز صلاة الليل لهذا اليوم هو وجود ثلاث جلسات (موةبا [1] [1]) فيها وهذا ما يجعلها طويلة.

مكونات صلاة سهرة جمعة الآلام:

لليا = صلاة الليل

      1.        ىوللا = مجموعة مزامير

      2.        موةبا = أبيات شعرية

      3.        شوبحا او قنونا = القانون

      4.        ةشبوحةا = ترتيلة

      5.  كروزوةا = طلبات

      6.        مدرشا = تعليم

 

 

      1.        الـىوللا [2] [2]: وهي عبارة عن مجموعة من المزامير تتلى بالتناوب بين شماسين ويصل عددها هنا

إلى  23 مزمور وهي التالية: (1-10، 59-67، 89-92)، أما بالأصل وبحسب المخطوطات القديمة فهي 101 مزمور [3] [3].  ولكن اليوم قلّصت هذه المزامير بحيث لا يُتلى منها سوى 8 أو 9 مزامير حيث يختارون من كل ىوللا، مرميةا واحدة فقط. وخصوصاً تلك التي تتناسب والمناسبة، مثل (مز: 2،3،7، 10، 59،62،63،89).

أما مزامير صلاة الـ (شىرا) فهي بالأصل 16 مزمور (102 117) ترتل الثلاثة الأولى منها فقط (102- 105).

  2.   عونيةا: مجموعة كبيرة من الأبيات الشعرية تتلى خلال هذه الصلاة موزعة على ثلاث جلسات. إلا في الثالثة يعوض عنها بقراءة من الإنجيل ولكنه يعود ويذكر مجموعتين من التراتيل.

أما الأولى فهي في البداية تتكلم عن الصليب كرجاء للمسيحي الذي بواسطته أزيلت اللعنة والقصاص وقتلت الخطيئة. وفي هذه الأثناء من المفروض أن يتهيأ اثنا عشر شخصاً لتُغسل أرجلهم من قبل الكاهن أو الأسقف، ولما يصلوا إلى تراتيل الغسل (شيهةا) يبدأ الكاهن بغسل أرجل الأشخاص المختارين [4] [4].

أما الأبيات الباقية بالرغم من تركيزها على غسل الأرجل، إلا أنه يمكننا القول عنها أنها قراءة مبسطة تفسيرية لقصة الآلام المذكورة في الأناجيل: غسل الأرجل [5] [5] (يو4:13) وطلب يسوع من تلاميذه العمل مثله هو الكبير (يو12:13-17)، ويشكر الشعب الله لأنه أهلّهم ليعملوا بحسب ما أوصاهم. الوعد بخيانة يهوذا وفرح الشيطان الذي اعتقد أنه تغلب على قدوس الله (يو18:13-30)، تغيير أحوال الشيطان بعد أن يهبنا الرب جسده ودمه وهذا دليل قاطع على وجود المسيح معنا دوماً وأبداً (مت26:26-30، مر22:14-26، لو14:22-23). وصية يسوع الجديدة حول المحبة(يو34:13-35)، صلاة يسوع في البستان ووصيتهم لتلاميذه بالسهر والصلاة لئلا يقعوا في التجربة والتي على أساسها تقوم صلاتنا هذه  (مت36:26-46، مر32:14-42، لو39:22-46). إلقاء القبض على يسوع وقبلة يهوذا الخائن (مت4:26-56، مر43:14-50، لو47:22-54، يو3:18-11). وأخيراً الصلب مع اللصين (مت38:27، مر27:15، لو32:23-33، يو18:19). وتختتم الأبيات بتوضيح علاقة السر الافخارستي وطلب المغفرة من الله بواسطته.

          أما تراتيل الجلسة الثانية فتدور أحداثها حول السر الفصحي من خلال جسد ودم مخلصنا الكريم وكيفية الاقتراب منهما، فلهذا الاقتراب ضوابط وشروط هدفها احترم السر إرضاءً لله الأب الذي أحبنا حتى أرسل ابنه الوحيد ليموت كفارة عنا. ومن الضوابط التي يذكر أن يؤمن الإنسان أنه مبرر من الله مجاناً وليس باستحقاق منه ولكن هذا لا يمنع من أن التبرير يفترض تزيين القول بالأفعال، نقاوة الفكر وإقامة علاقة بنوية مع الله من خلال الصلاة التي تعتبر المفتاح لخزانة المواهب الإلهية. وهذا كله سيتوج أخيراً بقول المسيح "من أكل جسدي وشرب دمي يرث الحياة الأبدية" (يو54:6). وختاماًً يُطلب من الله المغفرة على الذنوب من خلال السر الذي صنعه المسيح بأقنومه.

قلنا أنه في الجلسة الثالثة يعوض عن التراتيل بقراءة مختارة مجمعة من الأناجيل الأربعة (مت

26:31–44، لو22: 43–44، مت26: 45–50، لوقا22: 49–50، يو18: 10 – مت26: 52أ، يو18: 11، مت26: 52ب–75)، وهذا استبدال مهم جداً يعبر عما تحمله التراتيل المشرقية من روح كتابية، حيث أننا لما نرتل نكون نقرأ الإنجيل بترجمة جديدة، تغيير في الكلمات مع الحفاظ على جوهر البشارة الكتابية. والجو السائد في هذه القراءة يدل على الحزن حيث تقول الملاحظة: "وما أن ينتهي (الـىوللا) لا يمجدون ولا يختمون ولا يصلون بل يخرج الكاهن من القنكي حاملاً الإنجيل مع شماس وشمعة واحدة فقط [6] [6] ومبخرة عادية أي من دون نار ويصعد البيم ويقول الشماس كونوا بهدوء واسكتوا فيقرأ الكاهن الإنجيل المجمع" [7] [7].

يختتم الإنجيل بخروج بطرس وبكائه، فتعلق الترتيلة التي تعقب الإنجيل مباشرة على موقف بطرس [8] [8] وتوضح حزن بطرس وكيف يعترف أنه خسر كرسيه من بين الاثني عشر وصار رفيقاً ليهوذا فيعطي الويل لنفسه لأنه نكر ابن الله، ولكن الله الذي يكشف ما في باطن الإنسان يرى تواضعه ويعطيه الرجاء لئلا ييأس.

أما المجموعتين الأخيرتين فتتحدث الأولى عن يهوذا وقباحة عمله في كيفية تسليمه المسيح وبيعه

اليهود الذين تجاسروا على صلبه، وأيضاً عدم توبته ورجوعه لمن يغفر لصالبيه. لذلك يوصف بألقاب شيطانية مثل المتمرد، عدو العدالة، وارث المشنقة، الخائن، تارك ينبوع الحياة وبائع سيده. والثانية تتحدث عن يسوع الراعي الصالح الذي يبذل نفسه من أجل خرافه، التي تبددت بعد ضرب الراعي، ويعود كذلك لذكر الأحداث الإنجيلية منذ الصلاة في بستان الزيتون وحتى طلب اللص اليميني منه أن يذكره في ملكوته بصورة مشوقة جداً.

في ختام التراتيل هناك أنشودة طويلة خاصة بيهوذا والوارد جزئها الكتابي في (مت 20:26-23،

مر17:14-20) والتي تصور حال التلاميذ بعد إعلان يسوع لهم أن أحدهم سيسلمه، وبعد أن تدل الإشارات كلها على يهوذا يبدأ التلاميذ بسؤال يهوذا عن كيف لم يخجل من أن يسلم المسيح فيذكروا أحداث حياة يسوع منذ البشارة وحتى العشاء الفصحي [9] [9]. وبعدها يأخذ بنو الكنيسة على عاتقهم لعن يهوذا [10] [10].

          لكن بيجان في طبعته قد مسح كل أثر للترتيلة الرئيسية والتي تعتبر هذه التصوير أعلاه ملحقاً لها لأنها تأتي بمعنى (حورةى). وهذا مأخوذ من إنجيل يوحنا (21:13-26). حيث يذكر حوار الصخرة مع الحبيب وإتكاء الأخير على صدر ربنا. كما وفيها تشبيه رائع للتلاميذ الأثني عشر بأشهر السنة، وهل يكون يهوذا غير شباط الضيقات لأنه لم يثمر شيئاً ولأن في طقسنا هناك ذم كثير لهذا الشهر الذي يدمر البرد فيه كل شيء. 

أما في صلاة (شىرا) فالترتيلة تتحدث عن يهوذا وكيف يمكن لأي إنسان أن لا يبكي بمرارة مما

صنعه في هذا اليوم. فلقد فضّل الظلمة على النور المسيح شمس العدالة، كان خروفاً وديعاً تحول لذئب مفترس، كان دياناً لأحد الأسباط الاثني عشر واليوم صار غريباً عنهم، نكر الجميل ولم يردعه شيء حتى غسل أرجله لا بل سلمه بقبلة الخيانة. لذلك ورث من تسليمه المشنقة ونحن ورثنا الحرية.

          وفي هذه الأبيات رداً على من يقول أن يهوذا ساهم في إتمام تدبير الله حيث يقول: بإرادته جاء للموت وليس عنوة، فلم يُسلَّم أو يُقتل من جرائك بل أنت كون محبة المال سيطرت عليك بعت سيدك" [11] [11].

وفي البيت الأخير كلام بديع يوجهه يسوع لله في بستان الزيتون مبيناً فيه سبب رغبته في اجتياز هذه الساعة الرهيبة فاليهود الصالبين يكرهونه دون حد فيقول: كم هي رهيبة ساعة أُسلَّم اليوم بيد صالبيَّ وأقع بين أيديهم، أعدائي دون سبب سيذيقونني شتى العذابات، سيثقبون يديّ ورجليّ بالمسامير يلطمونني ويضربوني بالعصا، وعوض الخيرات التي صنعت إكليل من الشوك سيضعون على رأسي، وبدلاً من الخمر التي حولت في العرس خلاً ومرارة سيسقونني. انظر أيها الأب كم يكرهونني خلصني ونجني من هذه الساعة" [12] [12].      

3. القانون: عبارة عن آيات مختارة من المزامير لا تتعدى المزمور الواحد، تُختار عادة لتتناسب والمناسبة.

القانون الأول: (مز15:35ب-16)، تعبر عن حقد اليهود تجاه الرب يسوع.

القانون الثاني: (مز 141) يعبر هذا المزمور عن صلاة المؤمن طالباً معونة الرب في الاضطهاد.

القانون الثالث: (مز59) كما المزمور السابق. ولهذا المزمور ردة طويلة جداً مع إن معناها رائع إلا أنه يفقد حلاوته بسبب سوء ترتيل السجع الموجود فيها [13] [13]. وهذه تركز كثيراً على قصة اللص اليميني الذي بالرغم من جرمه إلا أنه استحق الملكوت.  

قانون صلاة (شىرا): ويحتوي على ثلاثة مزامير وهي:

مز (52): ويتحدث فيه عن كيف أنه الاتكال على الله ينقذ الإنسان مهما أحاطه الأشرار. أختير هذا المزمور كون داود أنشده لما بلّغ عنه دواغ الآدومي شاول، لذا وضعت له ردة مشابهة حيث تنبذ عمل يهوذا الذي قام بتسليم المخلص.

مز (145): يعبر عن مدح وتمجيد الله الملك. تتكلم ردته عن عظائم موت المسيح حيث أبطل الضلال وأخجل الشياطين ووهب لنا النعيم.

مز (23): تحذير يوجه لمن يستضعفون المساكين ويستغلوهم، فالرب مهما طال صبره فهو دوماً مع الصديقين أتقيائه. وردته حول رفع يهوذا عقبه على المسيح والذي كان بينهم طعام (الملح والزاد).

4. التمجيد: ردة تقال بعد القانون مباشرة وغالباً ما تكون على هيئة طلب يسبق الطلبات العامة.

تمجيد الجلسة الأولى: طلب الرحمة والشفقة من الراعي الصالح الذي أسلم ذاته لأجلنا، والذبيحة الذي أنقذ الكنيسة بصليبه.

لا توجد للجلسة الثانية تمجيد [14] [14].

تمجيد الجلسة الثالثة: تروي ما حدث أثناء صلب المسيح من قبل كهنة الشر وكتبة الخطيئة.   

تمجيد قسم الـ(شىرا): وهو نفس التمجيد المرتل في الجمعة الأولى من الصوم وهي من وضع باباي النصيبيني والتي بدؤها " بالحزن والدموع والتوسل" حيث تتكلم عن رفع أصواتنا لله ليشفق علينا بسبب عظمة خطايانا لا بل وكأن آخرة الأزمنة حلت في أيامنا. وأن نطلبه ليخلص قطيعه ليعيش بسلام مع من حوله.

5. الطلبات: ينادى بطلبات يرفعها الشماس لله فيشاركه الشعب بردة هي: "يا رب ارحمنا". وتعتبر الطلبات صلاة الشعب لأن من السهل أن يجيب الشعب ردتها. وقد لا تشير إلى حاجات مادية بل تطلب التدخل الإلهي من خلال الخلاص والألفة مع الله.

طلبات الجلسة الأولى: هي الطلبات التي ترفع دوماً نهاية صلاة السوتار (سوبعا). تظهر صفات الله الدالة على عظمته كضابط الكل، القدوس، الممجد، ملك الملوك والذي لا يستطيع أحد رؤيته، وتختتم كعادة كل الطلبات بطلب سلام المسيح وأمنه [15] [15].

طلبات الجلسة الثانية: تقال هذه الطلبات يومياً أثناء صلاة الليل، حيث تخبرنا عن محبة الله ومراحمه لشعبه.

طلبات الجلسة الثالثة: تقال دوماً نهاية صلاة السهرة لذا محورها الصلاة دون كسل.

طلبات صلاة الـ (شىرا): تسرد الحدث الخلاصي للمسيح منذ التجسد وحتى المجيء الثاني.

6. المدراش: يختتم كل قسم مما أوردناه بتعليم يشرح الأحداث التي تخص المناسبة. إن السبب في وجود المداريش لأن غاية المدراش هي التعليم أو بالأحرى إنه صلاة تعليمية أكثر مما يكون صلاة طلب أو شكر. والشعب بحاجة ماسّة إلى مثل هذه التعاليم المعمولة بشكل فني رائع يسهل تعلمها وحفظها.

مدراش الجلسة الأولى: هذا المدراش من وضع ما نرساي، وفيه دعوة للساهرين ليرنموا لشبل الأسد (المسيح) الذي ألقي القبض عليه، ويروي من خلاله أحداث المحاكمة من ضرب وإهانة وتعذيب ولطم وسخرية، فيشبه هذا في الأخير بأن يسوع هو الشمس المنيرة للكل لكن هؤلاء الأشرار (اليهود) أدخلوه الظلمة وأغلقوا الأبواب في وجهه [16] [16].

مدراش الجلسة الثانية: من تأليف ما أفرام، وبه دعوة للصديقين الذي يعتبر موت يسوع بمثابة تحرير لهم من شيئول، وهو يدعو من أشاروا بطريقة وأخرى إلى موت الرب: إبراهيم وذبيحة إسحق، موسى وقوله سيقوم نبي من قومكم، داود ومزاميره التي تضير إلى الآلام، إشعيا وعمانوئيل والعبد المتألم، يونان في بطن الحوت، دانيال وقتل المختار الذي مسحه الرب.

مدراش الجلسة الثالثة: يخص هذا المدراش حالة بطرس بعد النكران، وكيف أنه توقع بخسران نصيبه من الملكوت. فبطرس يعترف بخطأه ليس فقط لأنه نكر المسيح بل لأنه الصخرة وهو الآن أشبه بالطين الرخو أو الرمل والمسيح لن كنيسته على الرمل. كما ويذكر اعترافه بالمسيح ابن الله الحي ويعترف أنه تعلمها من الله ولكن اليوم من يتشفع له لدى الله غير المسيح الذي أنكره، فالله لا يقبل غير شفاعة المسيح.

وبعدها يكملون السهرة بصلاة الصباح (ؤفرا) ، بحيث لا يبقى شيء إلى الصباح. ولكن عند الظهيرة يصلون صلاة الظهر (عدنا) وعناصر هاتين الصلاتين ثابت لذا نعددها فقط للعلم.

صلاة الصباح: صلاة استهلالية، مزامير الصباح (100، 91، 104،113، 93، 148، 150، 116)، لك يا رب الكل نشكر (لكو مرا)، مزمور التوبة (51) مع ردة تخص الآلام، طلبات.

صلاة الظهر: (ىوللا) (مز 118 فقرة ل- 130) [17] [17]، تراتيل (عونيةا)، القانون (مز 59) مع ردة، تسبحة، طلبات.

الخاتمة:

اللاهوت صلاة، فالذي يصلي هو لاهوتي. إنها عبارة اشتهر فيها آباء المشرق. صلاة غلب طابعها الكتاب المقدس، إنه لاهوت الشعب، لاهوت لا يحتوي إلا على ما هو بسيط وذو معنى كبير. بعيداً عن الألفاظ التي قد تثير التساؤلات وتعيدنا إلى عهد المجادلات والنقاشات العقيمة.

صلاة تقوّل الكتاب المقدس ما لم يقوله، صلاة بمثابة قراءة مجددة، بسيطة، شعبية، ورعوية للكتاب المقدس. صلاة مستقاة من وصية المسيح في السهر لعدم الوقوع في التجربة. صلاة تعلمنا المسؤولية وتضعنا تجاه حقيقة المسيح لئلا نخونه (المسيح) كيهوذا، ولا أن ننكره كبطرس أو نتركه كالتلاميذ أو نقف بعيدين كالحبيب أو نحكم عليه كبيلاطس أو نصلبه كاليهود.

بل علينا أن نتواضع كالمسيح فنغسل أرجل بعضنا البعض، أن نحب بعضنا البعض كما أحبنا المسيح، أن نبذل ذواتنا بعضنا للبعض كما فعل المسيح، أن نسلم ثقتنا بالله ونعمل مشيئة الأب كما عمل المسيح، أن نرضى بالهوان من أجل بعضنا البعض كما رضي المسيح، أن نقبل البصاق والشتيمة والضرب من أجل الآخرين كما قبل المسيح. أن نغفر لمن أساء إلينا ونحن في قمة تألمنا وجرحنا كما غفر المسيح، أن نسلم أرواحنا بيد الله كما أسلمها المسيح.

صلاة تعلمنا أن اليوم هو بداية نهاية شيئول، حيث يخبرنا آخر بيت شعري فيها: لما أردت أن تنهب شيئول وتهدم مخبأها، تحملت قيود الإرادة بحبك، ووقفت أمام كرسي الحاكم، لتبطل وتلغي قصاص رأس جنسنا. ارحمنا أيها المسيح ناصر طبيعتنا ورافع ذلنا بقيامته، ومعظمه في السماء [18] [18].


 

شىرا = السهرة

      1.        ىوللا = مجموعة مزامير

      2.        عونيةا دلليا = أبيات  شعرية

      3.        شوبحا او قنونا = القانون

      4.        ةشبوحةا = ترتيلة

      5.        كروزوةا = طلبات

     6.        مدرشا = تعليم

 

 



[1] [1] الحوذرا ج2، ص (شنز)

[2] [2] يتكون من ثلاث (مرميةا) أو اثنتين.

[3] [3] بما أن طقسنا ذو تأثير رهباني فالمزامير تأخذ منه مساحة كافية، فما يكب يقصد به أكثر. أي أنه لم يكتب المزمور الفلاني فلا يتوقف عند نهاية هذا المزمور بل يتوقف قبل البدء في المزمور المذكور في القسم التالي من الصلاة.

[4] [4] تختلف الممارسة الحالية كما وضحنها أعلاه.

[5] [5] في الفصح اليهودي هناك رتبة غسل الأيدي حيث يقوم أصغر من في العائلة بغسل أيدي الحاضرين، ولكن يسوع وهو العظيم فيما بينهم بسبب تواضعه غسل أرجل تلاميذه بدلاً من أيديهم.

[6] [6] من هنا نشأت عادة إطفاء الأنوار قبل اختتام الإنجيل بأسطر قليلة والإبقاء على شمعة واحدة فقط.

[7] [7] الحوذرا ج2، ص (شسب)

[8] [8] هذا التعقيب لا يشعرنا أبداً بأن الصلاة اقتطعت من خلال قراءة الإنجيل لأن التراتيل الأولى تمهد الطريق للإنجيل، والمجد هو تكملة للإنجيل. أي أن صلاتنا إنجيل متواصل.

[9] [9] للأسف لقد حذف بيجان من هنا ما يعقب العشاء الفصحي أي الموت والقيامة والصعود وحلول الروح القدس والعثور على الصليب، قد يرجع هذا لاعتقاده أن يهوذا لم يرى هذه حتى يخجل منها متناسياً أنه أبناء الكنيسة لا يذكرون ما يؤمن به يهوذا بل ما نؤمن به نحن. وهذا الشيء قد يكون قابلاً للصحة من جهة بيجان. لكن لا نعرف سبب حذفه أبيات تخص تسكين العاصفة، سير يسوع على الماء، تكثير الخبز، وهب يسوع الأجر لمن يصبى حتى المنتهى.

[10] [10] قد تجرح هذه الأبيات بعض الذين يميلون لموقف الرحمة مع يهوذا، لكن لآبائنا المشارقة رأي يختلف عن هؤلاء في يهوذا لأنه يستحق أكثر من هذه الويلات. وقد يكون هذا ما جعل بيجان يحذف البيت القائل: الويل لمن لا يلعن يهوذا. كما وقد حذف الويلات المعطاة من العلويين أي السماويين.

[11] [11] الحوذرا ج2، ص (شسط).

[12] [12] الحوذرا ج2، ص (شسط).

[13] [13] إن هذا السجع  يجعل المرتلين يتمادون في هذه التركيز على القافية، فتتحول إلى ترداد كلمات أكثر من كوننا نصلي الكلمات.

[14] [14] لسبب غير معروف.

[15] [15] بنفس المعنى تختتم جميع الطلبات لكن بصيغ مختلفة.

[16] [16] في المدراش كلمة مختلفة حول اليهود تذكرها طبعة تريشور بـ (الشعوب الشرسة)، أما طبعة بيجان فتسميهم (الكلاب الشرسة).

[17] [17] من المفروض أن تُصلى المزامير من 118 حتى الختام ويبدأ من جديد حتى يصل المزمور 21. أي ما يقارب 54 مزمور.

[18] [18] الحوذرا، ص (شعد شعى).