قناة عشتار الفضائية
 

بشاعة الجثث الطافية في الأنهار لازالت تؤرق العراقيين

وكالات

يبدو نهرا دجلة والفرات وروافدهما وبحيرات الثرثار والحبانية والرزارة اماكن مثالية للتخلص من الجثث العراقية خلال سنوات من الصراع الطائفي.  

وعلى رغم انحسار أعداد الجثث الطافية على  نهري دجلة والفرات وروافدها الكبيرة المارة في المدن بشكل ملحوظ منذ العام 2009 والى الآن، الا ان هذه الظاهرة مازالت متناوبة الحدوث بين فترة وأخرى.

ففي منطقة قرب مدينة بابل الأثرية التي تبعد حوالي 5 كم شمال مدينة الحلة الواقعة جنوب بغداد، عثر هذا الأسبوع على جثة مقطعة الأوصال موضوعة في كيس من البلاستك في نهر الحلة. وفي الشهر الماضي انتشلت الشرطة العراقية جثثا مقطعة لأربعة شبان لم تعرف هوياتهم من النهر أيضا.

وبحسب (حسين احمد) في مستشفى الحلة الجمهوري فان فحوصات الطب العدلي تشير الى ان بعض الجثث قطعت من الوسط والقسم الآخر مفصول الأطراف.

وكان مواطنون ابلغوا السلطات الأمنية بوجود أكياس تحتوي على جثت متفسخة يصعب التعرف على أصحابها.

الجدير بالذكر ان منطقة شمال الحلة وعلى طول الشريط المحاذي الى بغداد تضم خليطا سكانيا من مذاهب مختلفة وكان مسرحا لأعمال طائفية انتقامية بين العامين 2005 و2008 حيث تزايدت ظاهرة الجثث الطافية في الأنهر العراقية بشكل بارز، في سنوات الاقتتال الطائفي في تلك المنطقة.

وبالقرب من منطقة اليوسفية ( 30 كم جنوب بغداد ) وتقع بين مدينتي المحمودية و الفلوجة حيث يمر نهر دجلة ملتفا حول البساتين باتجاه الصويرة التي تبعد حوالي مائة كم جنوب بغداد عثر على مئات الجثث في النهر، لصبح منظر الجثث الطافية ظاهرة يومية في تلك السنوات.

رواية شاهد عيان

يتحدث البستاتي (محي الجنابي) عن عثور الفلاحين على عشرات الجثث التي يدفعها النهر في غالب الاحيان باتجاه الشاطيء. ولا تستطيع الجهات المختصة في غالب الاحيان من التعرف على الجثث بسبب تفسخها.

ويروي (محمد الحسيني) الساكن في منطقة الكرادة في بغداد، عن ان جثة اخيه المفقود منذ اشهر تم العثور عليها بالصدفة في شاطي نهر دجلة عند مقتربات النهر في مدينة الصويرة التي تقع على نحو 55 كيلومترا جنوب العاصمة ، وهي مشهورة بمناطقها الزراعية وبساتين الفواكه والنخيل. وتقطنها عشائر شيعية مع وجود المكون السني والطوائف الأخرى كالصابئة.

ويشير محمد الى ان شقيقه المدرس لم يكن ذا انتماءات سياسية او عداوات شخصية.

ويخمن الحسيني قتله ورمي جثته في النهر الى دوافع السرقة بعدما انخفضت اعمال القتل الطائفية بشكل كبير جدا في بغداد ومدن العراق.
ويضيف الحسيني ان الشرطة ابلغته انها تتابع خيوط عصابة تقتل لأغراض السرقة وترمي الجثث في الأنهر.

ويصف جثة اخيه بأنها كانت متفسخة حيث كان اخوه يرتدي ملابسه كاملة ولا تظهر على الجثة إصابات ظاهرية أو آثار تعذيب ما يؤيد ان القتل لأغراض السرقة.

وغالبا ما تتعرض جثث المغدور بهم لأسباب طائفية او سياسية الى التمثيل والتشوهات وآثار التعذيب بدوافع الانتقام.

وفي نهر دجلة أيضا انتشلت هذا الاسبوع جثتي امرأتين شرق تكريت الوقعة شمال العاصمة بغداد.

ظاهرة نادرة في السبعينيات

قصة الجثث الطافية في الانهر الرئيسية في العراق ليست جديدة، لكنها كانت على ندرتها تعد خبرا مثيرا في وقت من الاوقات، لاسيما جثث لأناس غرقوا أثناء السباحة.

ويروي الحسيني ان كل عام كانت تصادفك في السبعينيات والستينيات جثة او جثتين طافيتان على الاكثر، لأناس غرقوا لعدم معرفتهم بالسباحة او جراء حادث غير مقصود.

وكان العثور على جثة في نهر دجلة في ذلك الوقت يعد خبرا استثنائيا ينتشر في المناطق المجاورة انتشار النار في الهشيم، و يتنادى أبناء القرى لإخراج الجثة او البحث عن أخرى غطست في البحر، مشكلين فرقا تتعاون فيما بينها لمسح النهر في جزئه الجاري في مناطقهم.

وفي أوقات العنف الطائفي اضطر بعض السكان الى وضع شبكات في عرض النهر لالتقاط الجثث الجارية مع المياه.

ويتحدث الحسيني انه بين الأعوام 2004 والى العام 2007 كان اليوم الذي لا تلتقط فيه الشبكة جثثا يوما سعيدا.

الفتن الطائفية

على رغم ان المنطقة تسكنها عشائر من مذاهب مختلفة الا انها كانت تتعاون فيما بينها لجمع الجثث وتسلميها الى الجهات المختصة . لكن المشكلة - بحسب الحسيني - ان المسلحين هم من كانوا يعيقون عمل العشائر ويحاولون اضفاء صبغة طائفية على عمليات انتشار الجثث.

ويشير الحسيني الى مقبرة جماعية لتسع جثث في بستان مطل على نهر دجلة عند جزئه قبل دخوله مدينة الصويرة حيث دفنت هذه الجثث من دون التعرف على هويتها في العام 2005 ، ويومها كان الوضع الأمني سيئا في تلك المناطق الى درجة انه كان يتعذر تسليم الجثث حتى الى الجهات الأمنية او الطب العدلي.

ويتذكر الحسيني كيف ان الجثث كانت مشوهة وعليها اثار تعذيب وطلقات نارية، ويرجح ان هذه الجثث لضحايا العنف الطائفي اختطفوا في بغداد وتمت تصفيتهم في بساتين اللطيفية.

وانتشل الاهالي أيضا في جزء نهر دجلة شمال الصويرة العام 2005 جثة فتاة جامعية ، تبين فيما بعد اناه اغتصبت وعذبت لتلقى جثتها فيما بعد في نهر دجلة . كما انتشلت أيضا رؤوس شباب وأطفال وضعت في أكياس.

نهر المالح وبحيرات الثرثار والحبانية

ويتصدر نهرا دجلة والفرات النسبة في اعداد الجثث التي يعثر عليها ، يلي ذلك نهر المالح وبحيرات الثرثار والحبانية ، التي كانت أمكنة مثالية للكثير من العصابات للتخلص من جثث ضحاياها.

وكان نهر المالح الذي يحتضن النعمانية التي تقع على ضفة نهر دجلة في محافظة واسط جنوب شرق بغداد ، مسرحا معروفا لحوادث التخلص من الجثث حتى في أكثر الأوقات آمنا وسلاما عبر عقود.

ويتذكر اهالي محافظة بابل التي تقع على بعد 100 كيلومتر جنوب بغداد ، قصة معلم وجدت جثته طافية في نهر المالح العام 2007.

وفي العام 2010 انتشلت جثتان لجنود عراقيين كانت ملقاة في نهر المالح شمال بلدة الصويرة. وأمتلأ نهر دجلة عند منطقة سلمان باك التي تقع على بعد بضعة كيلومترات جنوب شرق بغداد، وتسكنها عشائر العزة والدليم والجبور ، بمئات الجثث الطافية والغاطسة لاسيما في الاعوام 2004 و 2005 الى الحد الذي اضطر فيه السكان الى عدم اصطياد الاسماك منه لانها تتغذى على الجثث البشرية كما يزعم البعض.

أحدث جريمة .. رمي الأطفال مع الأثقال في النهر

ويبدو ان النهرين الخالدين سيظلان شاهدين على الكثير من عمليات قتل الأبرياء، ففي أحدث جريمة دونت ضفتا النهرين تفاصيلها، تعرض جماعة مسلحة الى زفة عرس قادمة من منطقة الدجيل الى التاجي في مايس 2011 حين عزل الرجال والنساء والأطفال كلاً على انفراد، ثم قتل الرجال بطلقات نارية وتم التخلص من جثثهم برميها في النهر ثم اغتصاب النساء واحدة تلو الأخرى.

والأبشع في العملية هو وضع الأثقال في رقاب خمسة عشر طفلا ورميهم في النهر بحسب اعترافات رئيس الجماعة فراس حسن فليح، الحامل لبكلوريوس علوم سياسية جامعة بغداد وماجستير من معهد التاريخ العربي ويعمل في منظمة حقوق الإنسان بصفة مدير السجون والمعتقلات، حيث اعترف انه انتمى الى مجموعة مسلحة العام 2005.

ومن اكثر المسطحات المائية التي استخدمت من قبل الجماعات المسلحة بحيرات الثرثار والحبانية والرزازة التي كانت مسرحا للنشاط العنفي والتخلص من الضحايا برمي جثثهم في الماء.

وتضم بحيرة الثرثار (80 كلم شمال غربي بغداد) الكثير من الجثث الطافية والغاطسة على حد سواء، حيث كانت المنطقة معقلا لمسلحين احتموا بالماء والأنفاق في تلك المناطق، وكثرة الجثث هذه اضطرت (ابو محسن) وهو صياد معروف في تلك المناطق الى ترك مهنة الصيد والهجرة الى منطقة اللطيفية حيث يسكن بعضا من أفراد عشيرته، حيث أخبرنا عند لقاءه بان ما نتكلم عنه حول الجثث في مياه دجلة لا يقارن بما تضمه بحيرة الثرثار التي شبع فيها السمك من اللحم البشري بحسب وصفه.

ويصف ابو محسن كيف ان المسلحين كانوا يجلبون الضحايا مكتوفي الأيدي ويطلقون عليهم الرصاص، على شاطئ البحيرة ليجرفهم الماء إلى القاع.

ويدعو السلطات المختصة إلى اجراء عملية مسح دقيق للبحيرات التي كانت مرتعا للمسلحين بغية انتشال الجثث الغاطسة، ويؤكد أن هذا العمل يحمل بين أهدافه معان إنسانية.