قناة عشتار الفضائية
 

لوحات فنية (ح4): (خلق آدم) لمايكل انجلو


 


عشتارتيفي كوم- ويكيبيديا + airssforum/

في عام 1508، وبتكليف من البابا يوليوس الثاني (1444-1513) مايكل أنجلو يرسم سلسلة من اللوحات الجصية لسقف كنيسة سيستين، وهو المشروع الذي اصبح واحدا من الإنجازات الأكثر شهرة للفنان.

الصور التسع التي تزين المحور الرئيسي للسقف، توضح مشاهد مهمة من كتاب سفر التكوين. وتظهر الثلاثة الأولى مشاهد من خلق العالم، والثلاثة الثانية خلق وسقوط آدم وحواء، والثلاثة الاخيرة قصة نوح.

ولعل الصورة الأكثر شهرة من سقف سيستين اليوم هي (خلق آدم) لمايكل انجلو، حيث يمد الله إصبعه لمنح آدم شرارة الحياة.

اللوحة مقسمة تقريبا إلى جزئين، الجزء الأيسر يمثل الأرض حيث يظهر آدم ممدًا باسترخاء، في حين يمثل الجزء الأيمن السماء حيث "يظهر الخالق" محاطا بملائكة يمد بيده نحو يد آدم وأصابعهما تكاد تتلامسان.

 

*معلومات عن الصورة:

مصمم العمل/ مايكل أنجلو بوناروتي (ايطالي، 1475-1564)

تأريخ انشاء العمل/  1511

نوع العمل/ فريسكو

معلومات تقنية/ 480 × 230  سم            

 

عندما اكتشف الدكتور الأميركي (فرانك مشبرجر)، منذ أكثر من عشرين عاماً، أن مجمل الجزء اليميني من اللوحة- المكون من الخالق وملائكته والعباءة التي تحيط بهم- إنما تشكل مقطعاً عرضياً تفصيلياً لمخ الإنسان، فتح أبواباً لإعادة تحليل وتأويل اللوحة، حينها قال الدكتور (مشبرجر) إنه كان من الأنسب أن تسمى هذه اللوحة «هبة (منحى) آدم»، على فرض أن الرسالة التي حاول أنجلو ترميزها في اللوحة تقول إن اللمسة الأخيرة التي منحها الخالق للإنسان، والتي هي كما صورتها لنا الأدبيات الدينية قبس من روحه، ليست إلا العقل الواعي، خلق آدم جسدياً في تلك الأدبيات كان سابقاً على نفحة الروح الإلهية، في اللوحة يظهر آدم ممدداً على التراب الذي خلق منه، هامداً غير مدرك لما يدور حوله قبل الحصول على هذه الهبة التي ستكون مفتاح ولوجه لأسرار الكون.

لكن تأويلات أخرى ذهبت باتجاه آخر حين قالت إن تأطير الخالق وملائكته بمقطع عرضي لمخ الإنسان بهذا الشكل إنما يرمز إلى أن عملية الخلق هي معاكسة، فالخالق والملائكة وكل ما يمت للعالم الماورائي بصلة إنما هو من خلق العقل البشري وليس العكس، فآدم في اللوحة لا تبدو عليه إرهاصات الخلق بل هو أقرب إلى المتأمل الشارد، وبالتالي لا وجود للعالم الماورائي إلا في مخيلة العقل البشري.


الافتراضان السابقان كان من الممكن أن يحتملا شيئاً من الصحة لو كانت لوحة (خلق آدم) اللوحة الوحيدة التي يظهر فيها الخالق والملائكة على هذه الشاكلة، لكن تجسيد الخالق وملائكته في مقطع عرضي للمخ البشري يظهر في اللوحتين السابقتين للوحة «خالق آدم» على سقف الكنيسة السيستينيا وهما لوحة (فصل الماء عن اليابسة) ولوحة (خلق الكواكب والنجوم) والتي لا وجود لآدم فيهما، وبالتالي لا أدوار للخلق، والتبادل هنا.


بكل الأحوال لم يكن مايكل أنجلو ملحداً، بل على العكس كان مقرباً جداً من السلطة الدينية، لو كان كذلك لم يكن ليودع نتاجه حبيس أسقف وجدران الكنائس، لكنه كمعظم فناني عصره كان متأثراً بالتيارات الغنوصية الأكثر عمقاً، فأعمال أنجلو لا تعكس فقط المناخ الثقافي والديني للقرون الوسطى، بل هي أيضاً متأثرة بالأفلاطونية المحدثة التي تلقاها على يد Marsillio Ficino وpico della Mirandola والتي تنعكس جلياً في لوحاته وكتاباته وأشعاره، انتماءات أنجلو ستبدو أكثر وضوحاً لو دققنا أكثر في رموزية لوحاته، ففي لوحة (القيامة) التي تعتلي مذبح الكنيسة السيستينيا نجد في الجانب الأعلى الأيسر ملائكة تحمل صليباً وعلى موازاتهم في الجانب الأيمن ملائكة تحمل عموداً، وعلى جدار الكنيسة نفسها هناك لوحة للنبي ارميا بوجه مطابق لوجه مايكل أنجلو.